أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أمس عن إطلاق مبادرة جديدة تهدف إلى خفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق، في محاولة لاحتواء موجة الغلاء التي تواصل ضرب الأسواق المصرية منذ سنوات، وتحديدًا بعد سلسلة الأزمات الاقتصادية المتتالية.
المبادرة، التي روجت لها وسائل الإعلام الرسمية بوصفها "خطوة شجاعة لحماية المواطن"، تعهدت بتخفيض أسعار مجموعة من السلع عبر اتفاقات مع كبار التجار والموردين، على أن يتم تطبيقها فورًا ومتابعتها من خلال أجهزة الدولة.
لكن فور الإعلان، بدأت ردود الفعل الساخرة والناقدة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ذكّر المواطنون بتجارب مماثلة سابقة أطلقها مدبولي وحكومات قبله، ولم تحقق أي أثر ملموس، بسبب غياب الرقابة الفعلية، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وعدم التزام التجار إلا على الورق.
ردود غاضبة
على مستوى الشارع، المواطن بات يتعامل مع مثل هذه المبادرات بكثير من التشكيك والغضب، بعد تجارب طويلة من الوعود غير المنجزة.
التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي تكشف عن إحباط عام، حيث يصف البعض هذه التحركات بأنها "مسكنات مؤقتة" لا تعالج أصل المشكلة، وهو تدهور قيمة العملة وارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد.
آخرون يرون أن الحل لن يأتي من مبادرات متفرقة، بل من إصلاح شامل للسياسات الاقتصادية، وضبط الأسواق عبر قوانين صارمة وتطبيقها بعدالة على الجميع، بما في ذلك كبار التجار والمستوردين.
منذ اللحظات الأولى لإعلان مبادرة مدبولي،امتلأت صفحات فيسبوك وتويتر بالتعليقات الساخرة التي تلخص إحباط الشارع من الوعود الحكومية المتكررة.
كتب أحد المستخدمين: “المبادرة الوحيدة اللي نجحت معاناهي مبادرة التجار لرفع الأسعار”، بينما علّق آخر: “هنلاقي التخفيض على علبة لبان وبسكوت منتهي الصلاحية”.
آخرون لجأوا إلى مقارنة أسعار السلع في مصر مع دول مجاورة، ليظهر الفارق الصادم، حتى مع احتساب فرق الدخول. وتداول البعض صورًا لمنافذ بيع حكومية تزعم التخفيض، بينما أسعارها أعلى من الأسواق الشعبية.
جانب من التعليقات حمل طابع الغضب الجاد،حيث اعتبر ناشطون أن هذه المبادرات مجرد محاولة لامتصاص الغضب الشعبي قبل موجة جديدة من القرارات الاقتصادية الصعبة، وأنها لا تمس جوهر الأزمة المتمثل في السياسات النقديةوالضريبية الخاطئة.
في المجمل، أظهرت السوشيال ميديا أن المواطن العادي لم يعد يثق في هذه المبادرات، بل يراها امتدادًا لسلسلة طويلة من الحملات الدعائيةالتي تفتقر إلى آليات التنفيذ الجادة.
ومن جهته سخر حساب كريم "ضحك عليك #مصطفى_مدبولي بان الاسعار هتنزل وهيه في الوقت ده هتزيد تاني هتستحمل ايه ولا ايه".
https://x.com/i/status/1955598394954543168
بينما استاء خالد قائلا " تعليقى حيبقى سب ، فاملوش لازمه اخد سيئات فى ناس...".
https://x.com/khosseni/status/1955631160396247516
ونوه دكتور هشام " الراجل ده اول واحد لازم يتعلق من لغاليغو".
https://x.com/heshamalbar/status/1955631005496381498
وأشار تايجر " هو انت لسا فاكرنا بنصدق الهجص".
https://x.com/RassdNewsN/status/1955626453170610180
مبادرات الماضي: وعود كبيرة ولا توجد نتائج
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديثعن مبادرات خفض الأسعار. ففي السنوات الخمس الأخيرة، شهدت مصر أكثر من 7 مبادرات رسمية على مستويات وزارية ومحلية، جميعها رفعت شعارات مماثلة: "التخفيف عن كاهل المواطن"،"كسر موجة الغلاء"، و"البيع بسعر المصنع".
لكن، على أرض الواقع، لم يتغير الكثير.
فسرعان ما كانت الأسعار تعاود الارتفاع، بل أحيانًا كانت ترتفع أكثر بعد انتهاء فترة المبادرة، نتيجة توقف العروض المؤقتة أو استغلال بعض التجار حالة الطلب الزائد.
وفي بعض الحالات، كانت المبادرة محصورة في معارض أو منافذ بيع حكومية بعدد محدود لا يغطيسوى شريحة ضيقة من المستهلكين.
العقبات الهيكلية أمام نجاح أي مبادرة لتحقيق خفض حقيقي ومستدام للأسعار، لا يكفي مجرد الإعلان عن مبادرة أو توقيع بروتوكولات مع التجار.
هناك مشكلات بنيوية تقف عقبة أمام نجاح أي جهد حكومي في هذا الاتجاه:
- غلاء مدخلات الإنتاج
معظم السلع الأساسية في مصر تعتمد على موادخام مستوردة، أو مدخلات إنتاج يتم شراؤها بالعملة الصعبة، ومع انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الشحن عالميًا، ترتفع تكلفة الإنتاج بشكل مستمر، ما يحد من قدرة التجار على التخفيض الفعلي. - غياب الرقابة الفعالة
التجار والموردون الكبار قد يلتزمون ظاهريًا بالاتفاقيات الحكومية، لكن على المستوى الفعلي، وفي الأسواق الشعبية والأحياء البعيدة،يتم بيع السلع بأسعار أعلى، مستغلين ضعف حملات التفتيش وقلة أعداد المفتشين التموينيين. - ضعف آليات العقاب
حتى في الحالات التي يتم فيها ضبط مخالفات، غالبًا ما تكون العقوبات غرامات بسيطة أو إنذارات، وهي لا تمثل أي ردع حقيقي مقارنةبالأرباح التي يحققها المخالفون. - تضارب المصالح
بعض كبار التجار هم في الوقت نفسه على صلة بمسؤولين أو أعضاء في مجالس إدارة الغرف التجارية، ما يخلق حالة من الحصانة غير المعلنة،ويصعب من مهمة فرض الالتزام عليهم.
تصريحات رسمية… بلا خطة واضحة
في المؤتمر الصحفي اليوم، تحدث مدبولي عن "التزام التجار بخفض الأسعار"، لكنه لم يوضح آلية محددة لمراقبة هذا الالتزام،أو كيفية ضمان وصول التخفيضات إلى المواطن العادي بدلًا من أن تبقى على الورق.
كما لم يحدد مدى زمني للمبادرة أو نسب التخفيض المقررة بدقة، ما يجعلها عرضة للتلاعب والتأويل.
الخبراء الاقتصاديون يرون أن المبادرة تبدوأقرب إلى إجراء دعائي لامتصاص الغضب الشعبي، خاصة مع اقتراب موسم المدارس وارتفاع أسعار المستلزمات، فضلًا عن استمرار أزمة التضخم التي تجاوزت نسبتها 30% في بعض الشهور الماضية.
التجار… التزام مرحلي أم لعبة وقت؟
التاريخ القريب يثبت أن بعض التجار يلتزمونفعليًا بتخفيض الأسعار لفترة وجيزة، ربما شهر أو اثنين، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، وغالبًا بزيادة أكبر من ذي قبل لتعويض فترة الخفض.
هذه الممارسات تترك المواطن في دائرةمفرغة من الأسعار المتقلبة، وتجعل أي مبادرة قصيرة الأجل بلا أثر طويل المدى.
الأدهى أن بعض التجار يستغلون الإعلان عن المبادرات لزيادة أرباحهم، من خلال تسويق السلع القديمة أو الأقل جودة بأسعار أقل،بينما يواصلون بيع السلع الأساسية والجيدة بالسعر المرتفع نفسه.