يشهد سوق الهواتف المحمولة في الأسواق المحلية واحدة من أعنف الأزمات منذ سنوات، بعد أن أربك قرار حكومي فرض ضريبة جمركية بنسبة 38.5% على الأجهزة المستوردة من الخارج، وسط جدل واسع حول تطبيقه بأثر رجعي، وهو ما أدى إلى موجة إضرابات وإغلاق عشرات المحال، وتوتر العلاقة بين التجار والعملاء، وحتى المصريين المقيمين بالخارج.
القصة بدأت مع إطلاق تطبيق "تليفوني" الحكومي نهاية ديسمبر الماضي، بهدف تنظيم دخول الهواتف المحمولة من الخارج وتحقيق عوائد جمركية للدولة، مع منح فترة سماح 90 يومًا لتسديد الرسوم، واستثناء الهاتف الشخصي المصاحب للراكب مرة كل ثلاث سنوات.
إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت إيقاف الخدمة عن آلاف الأجهزة، وفرض رسوم مفاجئة عليها، رغم تأكيدات سابقة بأنها غير خاضعة للضريبة.
محمد عصام، تاجر من المنصورة، يروي كيف اشترى أجهزة بعد التأكد من إعفائها عبر التطبيق، لكنه فوجئ بفرض رسوم تصل إلى 24 ألف جنيه على بعض الهواتف.
يقول بلهجة غاضبة: "تحققنا رسميًا وقت الشراء، لكن الضرائب فُرضت لاحقًا، والعميل يطالبني برد المبلغ أو إعادة الجهاز، بينما البائع الأصلي يتنصل من المسؤولية".
الأزمة لم تتوقف عند حدود التجار المحليين، إذ امتدت إلى المصريين بالخارج.
أحمد علي، المقيم خارج مصر، فوجئ بفرض ضريبة على هاتفه رغم أنه لم يدخل البلاد، لمجرد استخدامه لشريحة مصرية عبر التجوال الدولي.
أما أروى عادل، المقيمة بالخارج، فتسرد كيف تم تسجيل هاتفها رسميًا عند الوصول، لكن بعد شهرين تلقت إخطارًا بفرض الرسوم، ليتضح أن السبب هو استخدام الشريحة قبل التسجيل.
التجار من محافظات عدة، مثل سوهاج وأسيوط، أعلنوا الإضراب، معتبرين أن القرار وُضع موضع التنفيذ دون تمهيد أو توضيح كافٍ، مما ألحق بهم خسائر مباشرة تجاوزت مئات الآلاف من الجنيهات، في حين يؤكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الإيقاف طال فقط الأجهزة المشتبه في حصولها على إعفاءات بطرق غير قانونية، وأن ما تبقى تمت إعادة خدمته بعد المراجعة.
من جهتها، أعلنت شعبة المحمول والاتصالات دعمها لجهود الدولة في مكافحة التهريب وتنظيم السوق، لكنها شددت على ضرورة الالتزام بعدم تطبيق القرار بأثر رجعي، وهو ما أكدته أيضًا جمعية خبراء الضرائب والاستثمار، معتبرة أن ذلك يتماشى مع المبادئ القانونية والدستورية.
القانونيون والاقتصاديون، مثل الدكتور عادل عامر، يرون أن الضريبة لا تُطبق بأثر رجعي وإنما بمجرد تحقق شروطها، وأبرزها تاريخ دخول الجهاز إلى مصر وتشغيله على الشبكة المحلية بعد 1 يناير 2024.
ومع ذلك، تبقى الثغرات في التطبيق العملي مصدرًا للخلاف.
في البرلمان، قدم النائب هشام حسين سؤالًا للحكومة حول الإشكالية، مؤكدًا أن فرض الرسوم على أجهزة اشتراها المواطنون بطرق مشروعة يتطلب مراجعة عاجلة.
وبينما تصر الحكومة على أن القرار يهدف لمكافحة التهريب وضبط السوق، يرى المتضررون أن سوء التنفيذ وغياب الشفافية يهددان الثقة بين الدولة والمواطن.
مع استمرار الأزمة وتزايد الاحتجاجات، يقف قطاع تجارة الهواتف المحمولة في مفترق طرق حاسم: إما أن تُعالج الفجوات في التطبيق وتُمنح حلول عادلة تحفظ استقرار السوق، أو أن تستمر الفوضى لتقوض أحد أهم القطاعات الاستهلاكية في مصر، في وقت يواجه فيه الاقتصاد ضغوطًا غير مسبوقة.