شهد عام 2025 ارتفاعًا تاريخيًا في أسعار الذهب عالميًا ومحليًا، وسط حالة من القلق والارتباك لدى المواطنين والمستثمرين.

تجاوزت أسعار الذهب في بعض الأسواق مستويات قياسية غير مسبوقة، وهو ما انعكس مباشرة على المدخرات، والقدرة الشرائية، وحتى قرارات الزواج والادخار والاقتصاد غير الرسمي في بعض الدول، ومنها مصر والدول العربية.

في هذا التقرير، نرصد الأسباب الأساسية وراء ارتفاع أسعار الذهب بهذا الشكل اللافت، ونفكك آثاره الاجتماعية والاقتصادية المباشرة، خاصة على المواطن محدود ومتوسط الدخل.

 

ما الذي يحدث في سوق الذهب؟

مع نهاية يوليو 2025، تجاوز سعر الأونصة عالميًا حاجز 2450 دولارًا، وهو أعلى مستوى في تاريخه.

وعلى المستوى المحلي في دول مثل مصر، ارتفع جرام الذهب عيار 21 – الأكثر تداولًا – إلى أكثر من 4000 جنيه مصري في السوق غير الرسمي، بعد أن كان يتراوح بين 1000-1200 جنيه قبل 3 سنوات فقط.

هذا الارتفاع لم يكن مفاجئًا للمتابعين للأسواق العالمية، ولكنه تجاوز كل التوقعات التي توقفت عند حاجز 2200 دولار للأونصة في بداية العام.

 

الأسباب العالمية لارتفاع الذهب في 2025

1. تراجع الثقة في الدولار الأمريكي

في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية المتصاعدة، خاصة في الشرق الأوسط، وأزمة تايوان، وعودة الحرب في أوكرانيا لمراحل دامية، فقد المستثمرون الثقة في الدولار كملاذ آمن.

انخفاض سعر الدولار دفع المستثمرين للتحوّل إلى الذهب.
البنوك المركزية، خاصة في الصين وروسيا وتركيا، عززت من احتياطيها الذهبي بدلًا من الدولار.

2. خفض الفائدة الأمريكية

في خطوة مفاجئة، خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة تدريجيًا خلال 2025 لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي. هذه السياسات زادت من الإقبال على الأصول الثابتة، وعلى رأسها الذهب.

كلما انخفضت الفائدة، قلّ العائد على الاستثمار في الدولار، وارتفعت شهية المستثمرين نحو الذهب.

3. الطلب العالمي المتزايد من البنوك المركزية

وفق تقارير مجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب بنسبة 30% خلال النصف الأول من 2025، وهو ما أدى إلى قفزة في الأسعار بسبب زيادة الطلب.

البنك المركزي الصيني وحده اشترى أكثر من 150 طنًا منذ بداية العام.
دول الخليج أيضًا زادت احتياطاتها الذهبية تحسبًا لأي اضطرابات نفطية.

4. تصاعد الحروب والتوترات الدولية

الحروب دائمًا ما كانت عاملًا محفزًا لصعود الذهب.

في 2025، تفجرت توترات سياسية وأمنية واسعة:

  • استمرار الحرب في غزة، وتصعيدها الإقليمي.
  • اضطرابات في بحر الصين الجنوبي، وتوتر بين بكين وواشنطن.
  • أزمات مالية في أوروبا، وتهديدات بخروج دول من اليورو.

 

الأسباب المحلية لارتفاع أسعار الذهب – حالة مصر كمثال

1. انهيار الجنيه المصري أمام الدولار

في مارس 2025، تراجع الجنيه المصري أمام الدولار إلى مستوى غير مسبوق، ولامس 70 جنيهًا للدولار في السوق السوداء، ما أدى إلى:

  • ارتفاع تلقائي في سعر الذهب المستورد.
  • لجوء المواطنين إلى الذهب كبديل للعملة المحلية.

2. ضعف الإنتاج المحلي من الذهب

رغم وجود مناجم مثل السكري، فإن الذهب المنتج محليًا لا يغطي احتياجات السوق، ويُباع جزء كبير منه لتوفير الدولار، مما يفاقم الأزمة.

3. انعدام الثقة في النظام المصرفي

مع القيود على السحب النقدي، وارتفاع التضخم لأكثر من 40% سنويًا، لجأ المواطنون للذهب كملاذ لحفظ القيمة، مما زاد الطلب عليه.

4. المضاربات وجشع التجار

  • السوق المحلي شهد مضاربات كثيفة.
  • اختفاء لبعض الأعيرة من السوق، مثل عيار 18.
  • عدم استقرار في الأسعار بين السوق الرسمي والسوق السوداء.

 

التأثيرات على المواطنين

1. تآكل المدخرات

  • المواطن الذي ادخر بالجنيه خسر ما بين 60% إلى 80% من قدرته الشرائية.
  • من لم يشترِ ذهبًا سابقًا، يعاني الآن من أسعار لا تُطاق.

2. ركود في أسواق الزواج

  • أسعار الشبكة في مصر تضاعفت 4 مرات خلال عامين.
  • آلاف حالات التأجيل أو إلغاء الخطوبة بسبب عدم القدرة على توفير الذهب.

3. تزايد الاقتصاد الموازي

  • انتشار تجارة الذهب خارج الإطار الرسميتهريب الذهب عبر الحدود بات تجارة رائجة.

4. ارتفاع أسعار السلع

بما أن الذهب يُعد مؤشرًا على التضخم، فإن ارتفاعه صاحبه:

  • زيادات كبيرة في أسعار الأغذية، خاصة المستوردة.
  • ضغط مضاعف على الطبقة المتوسطة.

5. تأثير نفسي واقتصادي سلبي

  • الإحساس بفقدان السيطرة المالية.
  • فقدان الثقة في القرارات الحكومية.
  • توجه المستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة لتجميد أموالهم في الذهب بدلًا من ضخها في السوق.

 

هل الذهب سيواصل الارتفاع؟

خبراء يتوقعون استمرار صعود الذهب في حال:

  • استمرت الأزمات الجيوسياسية.
  • بقيت الفائدة الأمريكية منخفضة.
  • لم تستقر العملات المحلية.

لكن في حال عودة الاستقرار ورفع الفائدة عالميًا، قد تحدث موجة تصحيحية.

 

ما الذي يمكن فعله لتخفيف الأثر على المواطنين؟

تعزيز إنتاج الذهب المحلي وتشجيع الصناعات المرتبطة.

  • فرض رقابة فعلية على الأسواق لمنع المضاربات والتهريب.
  • تثبيت سعر الدولار نسبيًا عن طريق ضخ عملة صعبة.
  • تشجيع الادخار بوسائل بديلة مثل شهادات بنكية مربوطة بالذهب.
  • إعفاء مشغولات الزواج من الضرائب أو تقديم دعم حكومي رمزي لتخفيف العبء على المقبلين على الزواج.

 

وفي الختام فإن الارتفاع القياسي في أسعار الذهب عام 2025 هو نتاج عوامل دولية ومحلية متشابكة، تتراوح بين التوترات الجيوسياسية، وتغيرات السياسات النقدية، وانهيار ثقة الشعوب في العملة المحلية.

لكن التأثير الحقيقي يُقاس على المواطن البسيط، الذي يرى الذهب ليس كترف، بل كملاذ أخير يحفظ قيمة تعبه ومدخراته.

وفي ظل غياب سياسات حكومية متزنة، يبقى الذهب شاهدًا على عجز الدولة عن حماية عملتها واقتصادها ومواطنيها.