في الوقت الذي يفترض فيه أن يسود الهدوء قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في أكتوبر 2025، تتواصل الخروقات الإسرائيلية بوتيرة متصاعدة تعيد إلى الأذهان الأيام الأولى من حرب الإبادة.
فقد شنت قوات الاحتلال خلال الساعات الأخيرة غارات عنيفة وقصفًا مدفعيًا طال مختلف مناطق الجنوب، بالتزامن مع نسف منازل وأحياء سكنية، ما يؤكد — وفق مراقبين — تفريغ الهدنة من مضمونها وتحويلها إلى إطار شكلي لا يحمي المدنيين ولا يوقف الانتهاكات.

 

وأفادت مصادر محلية بأن الطيران المروحي الإسرائيلي أطلق نيرانًا كثيفة شرقي رفح وخانيونس، بينما فجّر جيش الاحتلال مباني سكنية شمال غربي رفح، وسط استمرار القصف المدفعي على تخوم خان يونس.

 

ووفق وزارة الصحة، فإن حصيلة القتلى منذ بدء “وقف إطلاق النار” بلغت 373 شهيدًا و970 جريحًا، في حين تم انتشال جثامين 624 شهيدًا من تحت الأنقاض، وهو ما يفضح حجم الخروقات واستمرار استهداف المدنيين.

 

ومع احتساب شهداء العدوان منذ 7 أكتوبر 2023، ارتفع الإجمالي إلى 70,360 شهيدًا و171,047 جريحًا، وهي حصيلة غير مسبوقة في تاريخ الصراع.

 

ساعات دامية: 5 شهداء و11 مصاباً.. وأعداد تحت الأنقاض

 

وفي تحديث جديد، أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول 5 شهداء — بينهم اثنان تم انتشالهما — إضافة إلى 11 جريحًا خلال 24 ساعة فقط.

 

ومنذ بدء الهدنة (10 أكتوبر 2025) توثق الوزارة 376 شهيدًا و981 جريحًا، إلى جانب 626 جثمانًا انتُشل من تحت الركام، فيما تؤكد أن عشرات الضحايا لا تزال جثامينهم تحت الأنقاض في مناطق تمنع قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إليها.

 

الاستهداف المنهجي للطواقم الطبية: اعتقال المسعف مخلص خفاجة

 

وفي سياق الانتهاكات المستمرة، أدانت وزارة الصحة اعتقال المسعف مخلص محمد خفاجة الذي اختطفته قوات الاحتلال أثناء أدائه واجبه الإنساني. وقالت الوزارة إن اعتقاله يأتي ضمن “سياسة ممنهجة لاستهداف الكوادر الصحية”، مشيرةً إلى اعتقال 362 من الطواقم الطبية، في وقت لا يزال عدد كبير منهم قيد الإخفاء القسري وسط ظروف اعتقال قاسية.

 

وطالبت الوزارة المؤسسات الدولية بالتحرك الفوري لـ“وقف العدوان على العاملين في القطاع الصحي”، معتبرة أن استهدافهم “جريمة حرب مكتملة الأركان”.

 

بعد شهرين من وقف إطلاق النار: غزة ما تزال في قلب الكارثة

 

رغم مرور شهرين على وقف إطلاق النار، لا تزال غزة أسيرة واقع يتدهور يوميًا. فالهدنة لم تحمل انفراجًا، بل فتحت مرحلة جديدة تتسم بالبطء القاتل: لا حرب كاملة — كما كانت في عامي 2023 و2024 — ولا سلام يسمح بإعادة البناء، بل “سكون ثقيل” كما وصفته مؤسسات دولية.

 

فالدمار يمتد من البيوت إلى الأرواح، ومن المدارس إلى المستشفيات، وكل مساحات القطاع تبدو — كما يصف سكانه — “مدينة أُنهكت حتى آخر نفس”.

 

الشوارع التي كانت تضج بالحياة، تحولت إلى مساحات باهتة، تنقصها المياه والكهرباء والخدمات الأساسية، بينما يحاول الطلاب متابعة تعليمهم وسط مدارس نصفها ركام، ونصفها الآخر ملاجئ مكتظة.

 

الغارديان: الهدنة وهمٌ خطير

 

صحيفة الغارديان البريطانية خصصت تقريرًا مطولًا قالت فيه إن وصف الوضع بأنه “هدنة” هو “وهم خطير”، لأن الفلسطينيين يعيشون حربًا بطيئة لا تقل قسوة عما سبقها.

 

وأشارت الصحيفة إلى:

 

مقتل أكثر من 360 فلسطينيًا منذ توقيع الهدنة.

 

استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في مناطق “الخط الأصفر” الذي حصر 2.2 مليون فلسطيني في مساحة 42% من قطاع غزة.

 

بقاء سبعة فلسطينيين يُقتلون يوميًا في المتوسط، وهو معدل يعادل بل يفوق مناطق النزاعات النشطة حول العالم.

 

كما وثّقت الصحيفة واقعًا مرعبًا: 81% من منازل غزة مدمرة أو متضررة بشدة، فيما تسعة من كل عشرة فلسطينيين بلا مأوى.

 

The Nation: الحرب لم تتوقف بل تغيَّر شكلها

 

مجلة The Nation الأميركية أكدت أن “الحرب لم تنتهِ، بل ارتدت قناع الهدنة”، موضحة أن غزة تعيش مرحلة أشبه بـ“العقاب المتواصل” في ظل حصار خانق يشل حياة السكان ويمنع أي عملية تعافٍ أو إعادة بناء.

 

وتضيف المجلة أن: المرضى هم الفئة الأكثر تضررًا، و16500 شخص — بينهم آلاف الأطفال — يحتاجون لرعاية طبية عاجلة غير متوفرة.

 

الهدنة فشلت في إعادة الأسرى، ولم تُنهِ سيطرة الاحتلال على المعابر والإمدادات.

 

سكان غزة يشعرون بأنهم تُركوا ليواجهوا مصيرهم وحدهم.

 

المسؤول الأممي أوموهانجي: الغزيّون محاصرون بالجوع والمرض

 

ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، نيستور أوموهانجي، وصف المشهد الإنساني قائلًا:

 

“الناس لم يعودوا يطلبون منازل أو مدارس… بل يطلبون خيمة جافة، ومدفأة صغيرة، وإضاءة”.

 

وكشف أن: العائلات تعيش في ملاجئ مكتظة تُهددها الأمراض يوميًا.

 

النساء يتحملن العبء الأكبر، إذ تُعيل 57 ألف أسرة في ظروف بالغة القسوة.

 

ثلث المرافق الصحية فقط تعمل جزئيًا وبإمكانات شبه منعدمة.

 

ورغم ذلك، يواصل العاملون في القطاع الصحي عملهم بإصرار يُعد — كما قال — “أحد آخر مصادر الصمود في غزة”.

 

انهيار المنظومة الصحية: مخزون الدواء يلامس الصفر

 

تواجه غزة واحدة من أسوأ الأزمات الطبية في تاريخها، إذ أعلنت وزارة الصحة أن مخزون الأدوية وصل إلى مستويات “كارثية وغير مسبوقة”.

 

أرقام صادمة:

 

52 % من الأدوية الأساسية نفدت بالكامل.

 

71 % من المستهلكات الطبية غير متوفرة.

 

70 % من المستلزمات المخبرية مفقودة.

 

وباتت العمليات الجراحية تُؤجّل بشكل متكرر، بينما تُجرى بعضها بإمكانات بدائية. وفي بعض المستشفيات، تُسجَّل حالات بتر أطراف لغياب المواد اللازمة لإعادة البناء، ويموت مرضى السرطان بسبب انقطاع العلاج الكيميائي.

 

أزمة غاز الطهي: كارثة يومية جديدة

 

سمحت إسرائيل منذ بدء الهدنة بدخول 104 شاحنات فقط من أصل 660 شاحنة مقررة — أي 16% فقط.

 

ونتيجة ذلك: 218 ألف أسرة لم تحصل على أي حصة من الغاز.

 

الأسر تلجأ لحرق البلاستيك والأخشاب داخل الملاجئ مما تسبب بارتفاع في حالات الاختناق والحرائق.

 

الأمم المتحدة أكدت أن الاحتلال يتحكم بالمعابر بطريقة “تُبقي غزة تحت مستوى الحياة بقليل”.

 

الحجب الإعلامي: صحفيون أجانب يكشفون “المسرحية” داخل غزة


في خطوة وصفتها لجنة حماية الصحفيين بأنها “عرض دعائي”، سمح جيش الاحتلال لعدد محدود من الصحفيين الأجانب بدخول غزة ضمن جولات منسقة بدقة.

 

شهادات الصحفيين

 

نوغا تارنوبولسكي – فرانس 24: “ما رأيناه ليس عملًا صحفيًا… بل مسرحية كاملة. لم نتحدث إلى أي فلسطيني”.

 

أندريا كروغمان – مستقلة: “كل الصور والفيديوهات كان يجب عرضها على الجيش قبل النشر”.

 

دانيال إسترين – NPR: “رحلة عسكرية خاضعة للرقابة الشديدة… ترى فقط ما يريد الجيش أن تراه”.

 

ووفق بيانات حكومية، استشهد 257 صحفيًا فلسطينيًا منذ بدء حرب الإبادة، في أكبر حصيلة لصحفيين يُقتلون في نزاع خلال القرن الحالي.

 

الغارديان: إسرائيل تتجسس على قوات أميركية تراقب وقف إطلاق النار

 

في تطور خطير، كشفت الغارديان عن عمليات تجسس إسرائيلية استهدفت القوات الأميركية داخل مركز التنسيق الأمني المكلف بمراقبة وقف إطلاق النار في غزة.

 

ووفق التسريبات: جمع الإسرائيليون معلومات حساسة عن تحركات وخطط القوات الأميركية.

 

قائد القاعدة الأميركية الجنرال باتريك فرانك استدعى قائدًا إسرائيليًا وأبلغه بوضوح: “التسجيل يجب أن يتوقف هنا”.

 

المركز — الواقع في كريات غات — يلعب دورًا حيويًا في تعديل قوائم المساعدات الإنسانية، لكنه يعمل دون أي تمثيل فلسطيني، ما يثير تساؤلات حول شفافية عملية المراقبة.

 

إعدامات داخل السجون: 50 أسيرًا من غزة استشهدوا تحت التعذيب

 

كشف “مركز فلسطين لدراسات الأسرى” عن استشهاد 50 معتقلًا من غزة داخل سجون الاحتلال منذ 7 أكتوبر، مؤكدًا أن العدد الحقيقي “أكبر بكثير” بسبب إخفاء الاحتلال لأسماء المئات.

 

ووفق المركز:

 

عدد المعتقلين من غزة تجاوز 14 ألف معتقل.

 

التعذيب “ممنهج” ويشمل الحرمان من النوم والضرب والصعق والتجويع.

 

مئات المعتقلين لا يُعرف مكانهم أو وضعهم الصحي.

 

حقوقيون وصفوا ما يجري بأنه “إعدامات خلف الجدران” تستدعي تحقيقًا دوليًا عاجلًا.