دخل ملف "الإيجار القديم" مرحلة غليان غير مسبوقة، بعدما تم فضّ دور الانعقاد البرلماني قبل تصديق عبد الفتاح السيسي على القانون الجديد، مما فجّر فراغاً تشريعياً وصفه خبراء قانونيون بأنه ينذر بـ"فوضى قضائية عارمة" وصراع محتدم بين الملاك والمستأجرين.

وكان من المفترض أن تُصدر التعديلات المنتظرة على قانون الإيجارات القديمة إطاراً انتقالياً ينظّم العلاقة بين الطرفين، ويمنح المستأجرين مهلاً زمنية محددة للاستعداد لتحوّلات حتمية.

لكن قرار فضّ دور الانعقاد في 9 يوليو الجاري، بحسب القرار الجمهوري المنشور لاحقًا في الجريدة الرسمية، سبق التصديق الرئاسي، ما أوقف التشريع عند عتبة الإقرار دون أن يرى النور قانونيًا.

حكم دستوري بلا ضوابط تنفيذية
الفراغ القانوني الحالي فتح الباب أمام الملاك للتصرف استنادًا إلى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في نوفمبر الماضي، والذي قضى بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية في قانون الإيجار القديم، وربط سريان الحكم بانتهاء دور الانعقاد البرلماني.

تقول المحامية الحقوقية عزيزة الطويل إن ما حدث "كارثة قانونية واجتماعية"، إذ أصبح بإمكان الملاك اعتبارًا من 10 يوليو رفع دعاوى قضائية لزيادة القيمة الإيجارية لتتماشى مع أسعار السوق، دون وجود سقف قانوني أو آلية واضحة للتدرج، ما قد ينتج عنه "فوضى وشطط" في تحديد القيمة الجديدة.

وحذّرت الطويل من أن عشرات الآلاف من الأسر، ومعظمهم من الفئات الأكثر احتياجًا كالمسنين وأصحاب المعاشات والأرامل، سيكونون أولى ضحايا هذا الانفلات التشريعي، مشيرة إلى أن الكثير من هؤلاء المستأجرين "قد يجدون أنفسهم مطرودين من مساكنهم بشكل غير مباشر، فقط لعدم قدرتهم على دفع الإيجار الجديد الذي قد يصل إلى أضعاف دخلهم الشهري".

وتابعت: "إذا كان معاش المستأجر 2000 جنيه، كيف سيدفع 5000؟ هذه ليست زيادة، بل تهجير ناعم لفقراء المدن".

الملاك: الحكم إلى جانبنا لكننا لا نُريد الاستعجال
من جانبه، أكد مصطفى عبد الرحمن، أحد ممثلي رابطة ملاك الإيجار القديم، أن عددًا من الملاك بدأوا بالفعل في إرسال إنذارات قضائية للمستأجرين لإعلامهم بنيّة رفع الإيجار، بناءً على الحكم الدستوري، ومع ذلك، دعا عبد الرحمن إلى "التروي"، قائلاً: "الإجراءات القضائية قد تأخذ شهورًا، ومن الممكن أن يصدر القانون لاحقًا، ما قد يؤدي إلى بطلان الدعاوى الحالية".

وأضاف: "القانون الذي كنا ننتظره كان أكثر وضوحًا وعدالة، لكن بما أن الحكم الآن بين أيدينا، فلكل مالك أن يقرر المسار الذي يناسبه".

القانون المجمَّد: مهلة انتقالية كانت تنقذ الطرفين
وكان مجلس النواب قد وافق، في مطلع يوليو الجاري، على تعديلات قانون الإيجار القديم، وأقرّ مهلة انتقالية مدتها سبع سنوات للمساكن، وخمس سنوات لغير السكن، على أن تنتهي بعدها العلاقة الإيجارية، ويلتزم المستأجر بإخلاء الوحدة وردها للمالك.

كما تضمّن القانون التزام الحكومة بتوفير بدائل سكنية للمستأجر الأصلي وزوجه/زوجته، قبل عام على الأقل من تاريخ انتهاء المدة الانتقالية، وذلك عبر الوحدات التابعة لمشروعات الإسكان الاجتماعي أو الوحدات الحكومية المعدّة لهذا الغرض.

لكن هذه الضمانات، بحسب المحامية الطويل، "ذهبت أدراج الرياح مع فضّ البرلمان دون صدور القانون، ما جعل الفئات الأكثر هشاشة عرضة لعاصفة لا ترحم".

أزمة الثقة والمستقبل الغامض
تركت هذه التطورات حالة من الارتباك بين الملاك والمستأجرين على حد سواء، فالملاك يشعرون بأن العدالة تأخرت، والمستأجرون يشعرون أنهم باتوا مكشوفين بلا حماية تشريعية.

ويرى مراقبون أن هذه اللحظة تمثّل أحد أخطر المنعطفات في أزمة الإيجارات القديمة التي تم ترحيلها لعقود، إذ أنها تكشف عن عمق العجز في التنسيق بين السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وتضع المواطن الفقير في مواجهة مباشرة مع السوق الحرة بلا درع قانوني.

وفي غياب تدخل سريع من مؤسسة الرئاسة أو إصدار قانون عاجل يملأ هذا الفراغ، من المتوقع أن يشهد القضاء في الشهور المقبلة طوفانًا من الدعاوى والطعون، ما يعيد الجدل مجددًا حول ضرورة صياغة تشريعات عادلة وناجزة في قضايا تمس السكن والأمن الاجتماعي لعشرات الآلاف من الأسر.