تتصاعد المخاوف محليًا ودوليًا من توسع استخدام عقوبة الإعدام في مصر، مع تزايد لافت في أعداد الأحكام المنفذة والصادرة، خصوصًا خلال النصف الأول من عام 2025. وتشير تقارير حقوقية إلى أن السلطات تواصل اللجوء المكثف للعقوبة القصوى وسط انتقادات متكررة بخصوص غياب ضمانات المحاكمة العادلة.

ووفقًا لبيانات حديثة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد أصدرت المحاكم المصرية خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري أحكامًا بالإعدام ضد 269 شخصًا في 194 قضية متنوعة. وبلغ عدد الأحكام النهائية غير القابلة للطعن 17 حكمًا تمهيدًا لتنفيذها، بينما تم إحالة أوراق 197 متهمًا آخرين إلى مفتي الجمهورية في 137 قضية كإجراء تقليدي يسبق إصدار الأحكام.

أما على صعيد التنفيذ، فقد نُفذت بالفعل أحكام الإعدام بحق ثلاثة أشخاص خلال الفترة ذاتها. وأشارت المبادرة إلى أن هذه الإحصائيات تمثل الحد الأدنى للحالات الموثقة عبر متابعة المحاكمات ووسائل الإعلام والتواصل مع عائلات المتهمين، ما يفتح الباب لاحتمال أن تكون الأعداد الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

على المستوى الدولي، تُبرز الأرقام المتصاعدة لمعدلات الإعدام في مصر حضورها البارز بين الدول الأكثر استخدامًا لهذه العقوبة القاسية. فوفق تقارير منظمات حقوق الإنسان، المحلية والدولية، تحتل مصر مكانة متقدمة ضمن قوائم الدول الأعلى في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام على مدار السنوات الأخيرة.

وتُعد الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، وبالأخص بعد أحداث 3 يوليو 2013، مرحلة فارقة في تاريخ الإعدام بمصر، حيث شهدت البلاد قفزات غير مسبوقة في أعداد الأحكام الصادرة والتنفيذات الفعلية، مع تصاعد لافت للأحكام الجماعية، لا سيما في قضايا مرتبطة بالعنف السياسي والإرهاب.

 

تصاعد ملفت لأحكام الإعدام في مصر

تشير تقارير متكررة صادرة عن منظمات حقوقية كبرى، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والشبكة المصرية لحقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى نمط متواصل من التوسع في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام في مصر. فقد سجلت الفترة بين 2014 و2017 ارتفاعًا تدريجيًا في أعداد هذه الأحكام، خاصة في قضايا ذات طابع سياسي مرتبطة بالاضطرابات الداخلية. مثّلت تلك السنوات نقطة انطلاق لمرحلة غير مسبوقة في اللجوء لعقوبة الإعدام. واستمر هذا المنحنى التصاعدي خلال 2018 و2019، مع ازدياد واضح في عدد القضايا التي انتهت إلى أحكام بالإعدام. وبينما تختلف الأرقام الدقيقة بين التقارير، إلا أن المؤشر العام يظل ثابتًا باتجاه المزيد من الأحكام والتنفيذات.

شهد عام 2020 تحوّلًا حادًا ومقلقًا في ملف الإعدام بمصر، حيث وثّقت منظمة العفو الدولية قفزة بنسبة 45.4% في أعداد أحكام الإعدام مقارنة بعام 2019. ووفقًا لتقارير صادرة عن "كوميتي فور جستس" ومنصة "نحن نسجل"، احتلت مصر المرتبة الثالثة عالميًا في تنفيذ الإعدامات خلال هذا العام بعد الصين وإيران، مسجلة أعلى معدل منذ عام 2017.

هذا الاتجاه التصاعدي لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر خلال عام 2021، حيث حافظت مصر على المرتبة الثالثة عالميًا في تنفيذ الإعدامات. وفي عام 2022، كشف تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مصر كانت ضمن الدول الخمس الأكثر تنفيذًا لهذه العقوبة، بتنفيذ ما لا يقل عن 24 حكمًا بالإعدام. كما أشار مركز الشهاب لحقوق الإنسان إلى إصدار المحاكم 364 حكمًا بالإعدام خلال 2022، مع تأييد 33 حكمًا منها بشكل نهائي، بينما تم نقض 169 حكمًا آخر.

طالع الإنفوجراف

https://www.facebook.com/photo?fbid=1206407838179727&set=a.643680164452500

خلال 2024، استمر النهج ذاته، حيث تم توثيق ما لا يقل عن 365 حكم إعدام جديد، لتصعد مصر إلى المرتبة الثانية عالميًا بعد الصين من حيث عدد الأحكام الصادرة.

وعلى مدى السنوات الأخيرة، ظلت مصر تترأس القوائم الدولية للدول الأكثر إصدارًا وتنفيذًا لعقوبة الإعدام، غالبًا في المركز الثالث أو الرابع بعد الصين وإيران والسعودية، ما يضعها تحت انتقادات متزايدة دوليًا، ويثير أسئلة ملحّة حول التزامها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

منظمات حقوقية، مصرية ودولية، عبّرت مرارًا عن قلقها العميق من نمط المحاكمات في قضايا الإعدام، خاصة مع تكرار التقارير حول المحاكمات الجماعية التي تفتقر لأدنى معايير العدالة. وتزداد المخاوف في ظل تواتر شهادات عن تعرّض متهمين للتعذيب والإخفاء القسري قبل إصدار الأحكام، وهو ما يُلقي بظلال من الشك على نزاهة هذه المحاكمات وشرعية العقوبات الصادرة عنها.

تُوجّه المنظمات الحقوقية انتقادات حادة إلى ممارسات التعذيب والإخفاء القسري في مصر، مشيرة إلى أن العديد من الاعترافات التي تُبنى عليها أحكام الإعدام تُنتزع تحت التعذيب أو بعد فترات طويلة من الإخفاء القسري، ما يُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي. وإلى جانب الانتهاكات الإجرائية، تثير هذه المنظمات مخاوف جدية بشأن الطابع السياسي للعديد من قضايا الإعدام، لا سيما تلك التي تستهدف معارضين سياسيين أو تُصنّف تحت قضايا "الإرهاب"، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخلفيات السياسية للأحكام.

كما تنتقد هذه المنظمات بشدة انعدام الشفافية في تنفيذ أحكام الإعدام داخل مصر؛ إذ تُنفذ غالبية الإعدامات في سرية تامة، مما يعقّد جهود التوثيق ويحول دون التحقق من الأعداد الحقيقية وأوضاع السجناء قبل التنفيذ.