أشار تحليل صادر عن تشاتام هاوس إلى أن الاضطرابات الأخيرة في طرابلس لا تعكس فقط هشاشة الاستقرار في الغرب الليبي، بل تفتح الباب أمام احتمال تدخل خليفة حفتر وقواته في الصراع الدائر، وسط تقاعس دولي مستمر عن معالجة الانقسام الليبي.
بدأت الأحداث عندما قُتل عبد الغني الككلي، المعروف بلقب "غنيوة"، قائد جهاز دعم الاستقرار وأحد أقوى الفاعلين في طرابلس، خلال اجتماع في معسكر تكبالي مع قادة قبائل متحالفة مع رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة. ساد الغموض تفاصيل الحادث، لكن المؤكد أن اشتباكًا مسلحًا وقع وأسفر عن مقتله ومرافقيه. هذا الاغتيال شكّل نقطة تحوّل في توازن القوى داخل العاصمة.
غنيوة، الذي سيطر على حي أبو سليم منذ عام 2011، دمج جماعته في البنية الأمنية الرسمية دون خضوع حقيقي للدولة. استغل موقعه للحصول على الشرعية والوصول إلى الموارد، بينما واصل توسيع نفوذه الشخصي، حتى داخل مؤسسات سيادية مثل المصرف المركزي ومكتب المراجعة. اتخذ خطوات لمحاصرة مؤسسات الدولة والتحكم في أموالها، وكان آخرها سعيه للسيطرة على شركة الاتصالات الوطنية، ما عجّل بالمواجهة.
رأت حكومة الدبيبة في نفوذ غنيوة تهديدًا مباشرًا، خصوصًا في ظل سعيها إلى تأسيس قوة عسكرية خاصة بها على غرار نموذج حفتر في الشرق، الذي يسيطر بالكامل على مفاصل الحكم عبر ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي. بينما اعتمد الدبيبة على مزيج من الموارد والتوازنات بين الجماعات المسلحة، ظل عاجزًا عن فرض سلطة فعلية مشابهة.
بعد اغتيال غنيوة، بادرت القوات الموالية لحكومة الدبيبة، مثل كتيبة 444، إلى التحرك السريع ضد مصالح جهاز دعم الاستقرار، لكن التحركات لم تحقق نتائج حاسمة. استغل فاعلون من مدينتي الزاوية والزنتان الفراغ الناتج وتدخلوا في المعركة. هؤلاء يحتفظون بروابط وثيقة مع حفتر، ويعارضون بقاء حكومة الدبيبة. دخولهم ساحة الصراع عزز احتمالات أن يسعى حفتر إلى التدخل بشكل مباشر، سواء عسكريًا أو سياسيًا، مستفيدًا من الانقسام وضعف الحكومة المركزية في طرابلس.
يشير التحليل إلى أن هذا التدخل قد لا يكون مفاجئًا، إذ طالما اعتبر حفتر أن طرابلس تمثل الحلقة الناقصة في مشروعه للسيطرة على ليبيا بأكملها. القوى الأمنية في الزنتان والزاوية التي تدعمه تمهّد بالفعل لخلق واقع جديد، مدفوع بضعف مؤسسات الغرب الليبي وتفككها.
هذا السيناريو يعيد إلى الواجهة تساؤلات حول قدرة حكومة الدبيبة على الصمود في مواجهة تحالفات جديدة مدعومة من الشرق، ويكشف في الوقت ذاته غياب تدخل دولي جاد لإيقاف الانهيار. تُظهر هذه التطورات، بحسب تشاتام هاوس، أن الاستقرار الذي روّجت له بعض الأطراف لم يكن سوى قشرة هشّة فوق صراعات كامنة، باتت اليوم قابلة للانفجار، وربما تسمح بعودة حفتر كلاعب رئيسي في غرب ليبيا.
https://www.chathamhouse.org/2025/05/escalating-conflict-tripoli-exposes-realities-false-stability-and-international-neglect