أعلنت شركة مصر للطيران، الناقل الوطني المصري، في 18 يونيو 2025 عن طلبية رسمية لشراء ست طائرات جديدة من طراز إيرباص A350-900، ليصل بذلك إجمالي عدد الطائرات من هذا الطراز التي تعاقدت عليها الشركة إلى 16 طائرة.

تم توقيع الاتفاقية خلال فعاليات معرض باريس الدولي للطيران 2025، بحضور الطيار أحمد عادل، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، ونائب الرئيس التنفيذي لمبيعات الطائرات التجارية في إيرباص بينوا دي سان إكزوبيري.

 

رفاهية الطيران ومعاناة المواطن

تدعي الشركة أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة مصر للطيران لتوسيع أسطولها الجوي، الذي يضم حالياً نحو 65 طائرة، بهدف الوصول إلى 125 طائرة خلال السنوات الخمس المقبلة.

وزادت الشركة أنها تهدف من خلال هذه الطائرات الجديدة إلى تعزيز قدراتها التشغيلية على الرحلات طويلة المدى، حيث تتميز طائرات A350-900 بقدرتها على الطيران لمسافة تصل إلى 9700 ميل (حوالي 15 ألف كيلومتر) دون توقف، مع كفاءة عالية في استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 25% مقارنة بطائرات الجيل السابق.

وادعت مصر للطيران أيضا أنها تهدف إلى تحسين تجربة السفر للمسافرين عبر مقصورة واسعة ومريحة، مع تجهيزات متطورة مثل مقاعد عريضة وأسقف عالية وإضاءة محيطية هادئة، إضافة إلى إمكانية تشغيل الطائرات بمزيج وقود طيران مستدام بنسبة 50%، مع خطط لإتمام التشغيل بوقود مستدام بنسبة 100% بحلول عام 2030.

يقول الصحفي الاقتصادي هشام يونس: "نحن أمام شركات عامة تُدار بعقلية شركات خاصة، بلا شفافية أو مساءلة، ويتم تحميل نتائج قراراتها الخاطئة للميزانية العامة".

ويضيف: "السيسي تحدث مرارًا عن ضرورة التقشف وشد الحزام، بينما تنفق حكومته أموالًا طائلة على رفاهية الطيران، وتترك المواطن يئن من أسعار المواصلات والغذاء والدواء".

بحسب بيان رسمي نشرته الشركة عبر موقعها الإلكتروني، تهدف مصر للطيران إلى "تعزيز أسطولها بطائرات حديثة تتماشى مع خطط التطوير"، ضمن ما وصفته بـ"استراتيجية التحديث الشامل حتى 2030".

وتعد طائرة A350-900 واحدة من أكثر الطائرات تكلفة في العالم، إذ تتجاوز قيمتها السوقية نحو 317 مليون دولار للطائرة الواحدة وفقًا لقائمة أسعار شركة إيرباص، ما يعني أن إجمالي الصفقة يتخطى 1.9 مليار دولار قبل الخصومات.

 

تسهيل مالي

حصلت الشركة القابضة لمصر للطيران على تسهيل مالي بقيمة 20 مليار جنيه من وزارة المالية المصرية في بداية 2025 لدعم تطوير الأسطول الجوي، وقد استلمت الشركة المبلغ في ديسمبر 2024، مع جدول زمني محدد للرد وفق بروتوكول تم توقيعه مؤخراً، تأتي هذه الخطوة وسط محاولات يائسة لمصر للطيران لتقليص ديونها وتلبية الطلب المتزايد على السفر الجوي.

تثير هذه الصفقة عدة تساؤلات حول أولويات الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر، ففي فبراير 2025، كشف خبراء اقتصاديون عن تحديات كبيرة تواجه الحكومة العسكرية، منها ارتفاع الدين العام والخارجي، وعجز تجاري كبير بين صادرات بنحو 40 مليار دولار وواردات تقارب 80 مليار دولار، إضافة إلى التزامات خارجية ضخمة يجب سدادها خلال 2025 تصل إلى 43.2 مليار دولار، منها فوائد بقيمة 5.9 مليارات دولار.

محمد عطية الفيومي، أمين صندوق الاتحاد العام للغرف التجارية، أكد أن هناك ست تحديات رئيسية على الحكومة التعامل معها، منها التحولات في السياسات الاقتصادية العالمية، وارتفاع أسعار السلع والطاقة، وإدارة الدين العام وتكلفة التأمين على الديون السيادية، مطالباً بإعادة هيكلة شاملة للاقتصاد تقلل من دور العسكر في الاقتصاد وتعزز دور القطاع الخاص، مع التركيز على توفير التعليم والصحة وحماية الطبقات الفقيرة.

ضخ موارد مالية كبيرة في تحديث أسطول الطيران في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية حادة يعكس استمرار سياسة الإنفاق غير المستدام، التي تتجاهل احتياجات المواطنين الأساسية، كما أن صفقة شراء طائرات بعيدة المدى قد لا تتناسب مع الأولويات الحقيقية للسوق المحلية، خصوصاً بعد بيع مصر للطيران أسطول طائرات A220-300 في أبريل 2024 بسبب أعطال فنية، ما أثار جدلاً حول التخطيط الاستراتيجي للشركة.

يرى النقاد أن هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار سياسات اقتصادية تفرضها اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن خفض الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية، ما يفاقم معاناة الطبقات الفقيرة والوسطى، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة، في وقت كان من المفترض أن تركز فيه الحكومة على استقرار الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة.

الطيار أحمد عادل، رئيس مجلس إدارة مصر للطيران، أكد أن الصفقة تعكس التزام الشركة بتقديم تجربة سفر أكثر راحة واستدامة، ودعم خطط التوسع خلال السنوات الخمس القادمة، مع التركيز على تقليل الانبعاثات الكربونية.

من جانبه، وصف بينوا دي سان إكزوبيري من إيرباص الطائرات بأنها تشكل ركيزة أساسية في نمو مصر للطيران ونجاحها المستمر، مع مساهمة فعالة في أهداف الاسمرارية وتقليل الانبعاثات.

رغم الطموحات التي تعلنها مصر للطيران، فإن المعارضة تحذر من أن استمرار سياسة التوسع المكلفة في ظل أزمات اقتصادية هيكلية قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الاقتصاد الوطني، وزيادة الديون، وتفاقم الأزمات الاجتماعية.

كما تشير إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تركز على دعم مؤسسات الدولة العسكرية على حساب تطوير القطاع الخاص وتحسين حياة المواطنين.

 

الرفاهية في السماء والجوع على الأرض

تبدو صفقة A350 الجديدة تجسيدًا فجًا للفجوة بين الواقع والمأمول، بينما تُحلق الحكومة في فضاء الطموحات الجوية، يعاني المواطن من انهيار الخدمات الأساسية، وتدهور مستوى المعيشة، وغياب الرؤية الاقتصادية، وفي بلد لا يجد ملايين مواطنيه ثمن الدواء أو وجبة غذاء متكاملة، تصبح صفقة طائرات فاخرة بحجم مليارات الدولارات عنوانًا للفشل السياسي والاقتصادي معًا.