كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصة تروث سوشيال: "يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور عبر قناتَي بنما والسويس بحُريّة، هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف ترامب: "طلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو معالجة هذه القضية فورًا".
فهل كان للولايات المتحدة علاقة بإنشاء قناة السويس؟
من التأسيس إلى التأميم
تعتبر قناة السويس أقصر الطرق البحرية التي تربط دول أوروبا في حوض البحر المتوسط، مع دول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي.
وعلى الرغم من أن التاريخ الحديث للقناة يبدأ في 30 نوفمبر عام 1854، عندما وقع حاكم مصر محمد سعيد باشا امتيازًا يمنح السياسي الفرنسي فرديناند ديليسبس لإنشاء شركة تشرف على مشروع قناة السويس لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، إلا أن التاريخ الفعلي للقناة يعود لقرون، إذ تشير بعض المصادر إلى أن فكرة القناة تعود لفرعون مصر سنوسرت الثالث.
استمر العمل في القناة أكثر من عشر سنوات، وافتتحت بشكلها الحالي في 17 نوفمبر 1869.
ومنذ افتتاحها أدارت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شؤون القناة، وتناوب على إدارة الشركة رؤساء فرنسيون.
تأسست الشركة بنظام الأسهم بقيمة 200 مليون فرنك (قرابة 8 ملايين جنيه مصري)، وملكت مصر أكثر من نصف أسهم الشركة.
ولم يكن للولايات المتحدة دور مباشر في تأسيس القناة، إلا أنها ملكت - إلى جانب دول أخرى منها بريطانيا والنمسا وروسيا - أسهمًا في الشركة المشغلة للقناة، وفقًا لـ"BBC".
وفي 6 يوليو 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس ونقل جميع أصول شركة القناة وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة، وتعهّد بتعويض جميع المساهمين وأصحاب الأسهم، ومنذ ذلك الحين عادت ملكية القناة إلى مصر بشكل كامل.
على مر السنين، شهدت القناة عمليات صيانة وتوسعة عديدة، كان آخرها عام 2014، ليصل طولها إلى 72 كيلومترًا.
وتمر عبر قناة السويس قرابة 10% من سفن التجارة العالمية، وتعتمد عليها القاهرة لتأمين العملة الأجنبية، إذ بلغت إيراداتها في عام 2023 قرابة 9.4 مليارات دولار بحسب ما أعلنت إدارة القناة.
وبسبب التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، بعد أن بدأت جماعة الحوثيين في اليمن باستهداف السفن التجارية "المرتبطة بإسرائيل" في البحر الأحمر، ردًا على الحرب المستمرة في قطاع غزة، انخفض عدد السفن العابرة من قناة السويس بنسبة 50% لتصل إلى 13213 سفينة خلال عام 2024. كما تراجعت إيرادات القناة بنسبة 61% لتسجل 3.991 مليار دولار العام الماضي، وفق تصريحات رسمية لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع.
"ابتزاز" أمريكي
وأثارت تصريحات ترامب حول قناة السويس جدلًا واسعًا، إذ اعتبر خبير القانون الدولي المصري أيمن سلامة في منشور على فيسبوك، أن قناة السويس، تخضع لنظام قانوني مصري يستند إلى تشريعات واضحة، ولوائح تنظيمية دقيقة، تحدد رسوم المرور وحالات الإعفاء المحدودة، مؤكدًا أن مطالبة ترامب باستثناء الولايات المتحدة وحدها من دفع الرسوم تفتقر إلى أي أساس قانوني أو منطقي.
فيما رأى عضو البرلمان المقرب من الجهات الأمنية، مصطفى بكري، أن مطالبة ترامب بمثابة "ابتزاز لدولة ذات سيادة"، مؤكدًا أن "قناة السويس قناة مصرية خالصة"، وأن "الاعتداء على سيادة الدولة المصرية، أمر مرفوض وغير مقبول جملة وتفصيلًا".
وخلال الأسابيع الماضية، أعلنت لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأمريكية فتح تحقيق حول "نقاط الاختناق البحرية العالمية"، الذي يشمل قناة السويس.
وقالت اللجنة إن الهدف من التحقيق، تقييم "الظروف غير المواتية" للتجارة الأمريكية، التي قد تتسبب فيها دول أو شركات شحن في الممرات الملاحية.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات، تشير إلى محاولة ترامب الضغط على الدول المالكة للممرات الملاحية العالمية، بما في ذلك قناة السويس، لتخفيض رسوم المرور للسفن الأمريكية.
ما وراء تصريح الرئيس الأمريكي
الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، يقول "إن الربط الذي أجراه ترامب بين قناة بنما وقناة السويس «غير صحيح».
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تلعب أي دور في حفر أو إنشاء قناة السويس، مشيرًا إلى أن المشروع مصري-فرنسي بالأساس، في وقت كانت فيه أمريكا منشغلة بالحرب الأهلية ومشكلاتها الداخلية، وفقًا لـ«المصري لايت».
وأضاف عفيفي أن قناة بنما تختلف تمامًا عن قناة السويس، إذ أسهمت الولايات المتحدة بوضوح في إنشاء قناة بنما بداية القرن العشرين، بينما ظل دورها محدودًا للغاية في سياق قناة السويس.
وأشار أستاذ التاريخ إلى أن الولايات المتحدة لم تتدخل سياسيًا أو ماليًا في مراحل إنشاء قناة السويس، سواء أثناء الحفر أو الافتتاح أو حتى بعد ذلك.
وحول توقيت تصريحات ترامب، رجّح عفيفي أن تكون مرتبطة بالتحركات العسكرية الأمريكية مؤخرًا في البحر الأحمر ضد الحوثيين، معتبرًا أن الرئيس الأمريكي ربما يسعى لتبرير هذه العمليات أو الحصول على امتيازات ملاحية لصالح السفن الأمريكية.
ووصف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر تصريحات ترامب بأنها تأتي ضمن «حالة البلطجة الدولية» التي ميزت الكثير من مواقفه السياسية.