لا حركة حماس قالت إنّ نزع سلاح المقاومة مطلب أو مقترح مصري للتوصّل إلى اتفاق هدنة، ولا المواقع التي نشرت خبر اشتراط نزع السلاح كان اقتراحاً مصريّاً لإنجاح الوساطة، وحدَه وزير الحرب في حكومة الاحتلال الصهيوني، يسرائيل كاتس، قال إنّ مصر صاحبة شرط نزع سلاح المقاومة من أجل التوصّل إلى صفقة شاملة في قطاع غزّة. وبالتالي، تبدو غير مفهومة على الإطلاق هذه الجلبة القادمة من القاهرة التي تتهم كلّ النوافذ العربية بمحاولة النيْل من الدور المصري، حتى وصل الأمر برئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان إلى الخروج في حوار تلفزيوني ليشنّ هجوماً على من سمّاهم "المنسوبين لجنسية هذا البلد والذين ينعقون كالغربان في كلّ مكان خارج مصر، في محاولة للإساءة لموقف الشعب المصري، وليس حكومته".

 

جوهر المسألة من أوّلها إلى آخرها أنّ مصر الرسمية قبلت بأن تقوم بدور نقل (وتوصيل) المطلب (الشرط) المطلوب تنفيذه للتوصّل إلى اتفاق، وهو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة. وسواء كان هذا الشرط اقتراحاً مصريّاً كما زعم وزير الحرب الإسرائيلي من دون أن يُخرسه أحد بردٍّ قوي، أو مطلباً إسرائيليّاً أميركيّاً، فإنّ من المُعيب والمخجل أن تحمله دولة عربية وتضعه على مائدة التفاوض مع ممثلي المقاومة الفلسطينية، ويزيد الشعور بالخجل عندما تكون هذه الدولة العربية صاحبة تجارب عديدة في مقاومة الاحتلال على أراضيها، منذ الاحتلال الفرنسي مروراً بالاحتلال البريطاني في مدن القناة المصرية، وصولاً إلى ملحمة المقاومة في السويس بعد توغّل قوات الاحتلال بعد ثغرة حرب 1973 في عمق الأراضي المصرية.

 

كان حرياً برئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أن يلقّم، بهذه الصفة الرسمية، وزير الحرب الصهيوني حجراً، غير أنّه اختار لنفسه تعريف "نقيب الصحافيين السابق والمحلل السياسي" لكي يتهم كلّ من تناولوا خبر الاقتراح الفضيحة بأنهم يسيئون لموقف الشعب المصري، هذا الشعب الذي تحبس حكومته من يتظاهرون دعماً لفلسطين بعيداً عن حفلات التظاهر الرسمية.

 

لا يكفي هنا أن يقول "المحلّل ضياء رشوان" إنّ الشرط الإسرائيلي الذي حملته مصر وُضِع  أمام "حماس" على مائدة التفاوض الصهيوني في حضور أطراف من قطر وتركيا، حتى يكون الأمر مقبولاً ومُستساغاً، ففي المحصلة، ارتضت مصر، "مقبرة الغزاة" كما علّمونا في كتب التاريخ، أن تقوم بوظيفة حامل شروط أحقر الغزاة في التاريخ لتلقي بها في وجه المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي يضع حامل الحقيبة على مسافة واحدة بين المحتل الغازي والشقيق الواقع تحت الاحتلال.

 

يعلم صاحب الشرط وحامله أنّه في اللحظة التي تقبل فيها مقاومة وطنية مناقشة نزع سلاحها والتفاوض على تخلّيها عنه، تكون قد أقدمت على فعل انتحار، أو بالحدّ الأدنى تكون قد جرّدت نفسها من أيّة قدرات على التفاوض والتوصّل إلى اتفاق، لكنها قبل ذلك، إن قبلت بهذا الشرط، تكون قد فقدت شرفها وارتكبت جريمة خيانة في حقّ وطنها فلسطين وشعبها في غزّة، التي يبدو أنّ الوسيط العربي صار ينظر إليها بمعزلٍ عن فلسطين وكأنها وجود سياسي وجغرافي منفصل، الأمر الذي يتطلّب من هذا الوسيط أن يتعلّم من مواقف دول غير عربية تبدو أكثر قرابة بالقضيّة الفلسطينية مثل جنوب أفريقيا ودول أميركا اللاتينية، ومثل الصين وماليزيا اللتين أكّدتا في بيان مشترك قبل يومين أن غزّة جزءٌ من أرض فلسطين.

 

الذين يؤلمهم أن يتصاغر الموقف المصري إلى درجة حمل الشروط الإسرائيلية للتفاوض لا يسيئون لمصر أو شعبها، بل يسيء إليهما ذلك الذي يرى مصر تمارس هذا الدور ولا يشعر بالخجل والغضب، ويسيء لها أن توفّر سلطاتها الضيافة الفارهة والحماية لعشرات الآلاف من المستعمرين الصهاينة الذين دخلوا سيناء للاحتفال بالفصح، في وقتٍ حظرت فيه دولة جزر المالديف رسميّاً دخول حاملي جواز السفر الإسرائيلي إلى أراضيها.