طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتعيين قاضي تحقيق مستقل لكشف ملابسات مقتل الشابين يوسف السرحاني وفرج الفزاري، اللذين لقيا حتفهما بعد ساعات من تسليم نفسيهما إلى جهاز الأمن الوطني، عقب وساطة بين عواقل قبائل المنطقة وضباط الجهاز، مقابل الإفراج عن عدد من النساء كن محتجزات للضغط على الأهالي.

وتصاعدت ردود الأفعال المحلية بعد إعلان وزارة الداخلية أن الشابين قُتلا خلال اشتباك مع قوات الأمن، في حين تؤكد روايات الشهود والمحامين والوسطاء أن الجريمة تمت بدم بارد بعد تسليمهما طوعًا، ما أدى إلى تعليق التعاون الكامل بين مشايخ وعمد مطروح وأجهزة الشرطة، وسط مخاوف من تصاعد الاحتقان القبلي وتدهور الثقة في مؤسسات الدولة.

بداية القصة: ثلاث جثث، ثم اعتقالات، فوساطة دامية
تعود جذور الواقعة إلى 9 أبريل الجاري، عندما أسفرت حملة أمنية عن مقتل ثلاثة أمناء شرطة أثناء محاولة القبض على شخص مطلوب في مدينة النجيلة، الواقعة على الطريق الدولي غرب مدينة مرسى مطروح. في أعقاب الحادث، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات عشوائية طالت أكثر من 20 سيدة من أهالي المدينة، في خطوة وصفتها شهادات قانونية بأنها كانت «رهائن» للضغط على العائلات من أجل تسليم المطلوبين.

في اليوم التالي، جرت وساطة عاجلة قادها اثنان من وجهاء القبائل المحلية، أحدهما عمدة النجيلة، مع ضباط الأمن الوطني في مدينة السلوم، بهدف الإفراج عن النساء مقابل تسليم شابين من أقارب المطلوبين، أحدهما شقيقه والآخر زوج شقيقته، تتراوح أعمارهما بين 18 و21 عامًا.

وبحسب شهادات الوسطاء، تلقوا تعهدات رسمية من ضابط في جهاز الأمن الوطني بعدم إيذاء الشابين، على أن يجري استجوابهما ثم إطلاق سراحهما. وتم الاتفاق على تسليم الشابين في منطقة "أبو زريبة"، خارج المقار الرسمية، بسيارتين دون لوحات معدنية. وبعد ساعات فقط، تلقى الوسطاء مكالمة هاتفية من أحد الضباط تفيد بوقوع أمر خطير دون ذكر التفاصيل.

المفاجأة: مكالمة غامضة ثم بيان مقتضب من الداخلية
في 11 أبريل، نشرت وزارة الداخلية بيانًا مقتضبًا أعلنت فيه مقتل "عنصرين إجراميين شديدي الخطورة" خلال تبادل لإطلاق النار، زاعمة أنهما من المشاركين في مقتل رجال الشرطة الثلاثة. غير أن شهود عيان في المنطقة أكدوا سماعهم أصوات إطلاق نار بعد عملية التسليم، قبل العثور على آثار دماء وأحذية الشابين.

وأفادت المبادرة المصرية، نقلاً عن شهادات الوسطاء والمحامين، أن الشابين لم يكونا من بين المتهمين الأساسيين في الجريمة، وأن تسليمهما جاء ضمن اتفاق مباشر مع الأمن الوطني مقابل الإفراج عن النساء.

جنازات غاضبة ورفض للتسويات
في 13 أبريل، شيّع أهالي سيدي براني جثمان الشاب فرج الفزاري، بعدما تسلمت أسرته جثته من مشرحة كوم الدكة بالإسكندرية. وكانت أسرة يوسف السرحاني قد تسلمت جثمانه ودفنته في اليوم السابق. وبحسب ممدوح الدربالي، نقيب محامين مطروح الأسبق، حضر وفد من نحو 200 محامٍ جلسة التحقيق، وشهدت الجلسة شهادات تفصيلية من الوسطاء الذين شاركوا في عملية التسليم.

وأوضح الدربالي أن الضابط المسؤول عن العملية قال في مكالمة لاحقة: «أنا اتخَنت، والأمر أكبر مني»، وهو ما أكد للوسطاء وقوع عملية تصفية خارج إطار القانون.

في المقابل، رفضت الأسر وأهالي النجيلة عروضًا لتسوية القضية عبر الطرق العرفية، وهو ما أكدته تصريحات رسمية وشعبية عقب الجلسة.

توتر متصاعد وسياق سابق من القمع الأمني
الواقعة تأتي ضمن سياق متكرر من التوتر الأمني في مطروح. ففي يوليو 2023، شهدت مدينة سيدي براني مقتل مواطن على يد ضابط شرطة، أعقبه اشتباكات بين الأهالي والشرطة، قبل أن تُبرأ المحكمة الضابط لاحقًا. هذه الحوادث تركت أثرًا عميقًا في العلاقة بين القبائل المحلية والأجهزة الأمنية.

من جانبه، قال تبارك ريزة، أحد عواقل مطروح، إن الأهالي يشعرون بالحزن على الشابين وعلى رجال الشرطة على حد سواء، لكن ما يزيد الغضب هو تصاعد الضغط الأمني في السنوات الأخيرة، معتبرًا أن «الشرطة تكرر أخطاء كارثية قد تؤدي لانفجار يصعب احتواؤه».

نفي رسمي وتضارب في شهادة الوفاة
وعلى خلفية الجدل حول شهادة وفاة الشابين، نفت مديرية الشؤون الصحية بمطروح وجود أي تزوير، موضحة أن عبارة «قيد البحث» إجراء معتاد في حالات الوفاة الجنائية. إلا أن تداول معلومات عن تضارب في مكان الوفاة بالشهادة الطبية، زاد من الشكوك لدى الأهالي، في ظل غياب تقرير الطب الشرعي حتى الآن.

مطالب بتحقيق مستقل واستعادة الثقة
في بيانها، شددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على ضرورة تعيين قاضٍ مستقل للتحقيق في ملابسات الحادث، بوصفه السبيل الوحيد لاستعادة الاستقرار والسلم المجتمعي، بعد أن أدى مقتل الشابين إلى تعليق التعاون الكامل بين العمد والمشايخ وأجهزة الأمن، وهو تصعيد غير مسبوق في المحافظة.

وأكدت المبادرة أن ما جرى يمثل «جريمة انتقام بدم بارد»، ويكشف عن خلل عميق في منظومة العدالة، ما لم يُحاسب المسؤولون عنه.