لم تكن الزيادة الجديدة في أسعار المحروقات التي اعتمدت منذ أيام والتي شهدت ارتفاع سعر لتر البنزين بمقدار 2 جنيه صاعقة على الفقراء فقط بل امتدت لأصحاب الشركات وخاصة شركات التطوير العقاري المتعثرة بمصر لتتلقى ضربة جديدة، زادت من أعبائها التشغيلية وعمقت أزماتها المالية، لا سيما تلك التي تواجه صعوبات في استكمال مشروعاتها وتسليم وحداتها.
هذا الضغط المتصاعد دفع عدداً من الشركات إلى البحث عن حلول تمويلية عاجلة، سواء عبر الدخول في شراكات مع مطورين لديهم الملاءة المالية والخبرة التشغيلية، أو من خلال طلب تسهيلات مباشرة من الجهات الحكومية، وعلى رأسها شركة العاصمة الإدارية، والتي تلقت بالفعل مطالب من بعض المطورين بمدّ فترات التنفيذ وتقليل غرامات التأخير.
تلك الصعوبات التي أثقلتهم القرارات الأخيرة رغم أنه كان في الإمكان تأجيلها، حركت شريحة من الشركات العقارية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما تترقب السوق ككل مزيداً من الإجراءات لتخفيف الضغط عن القطاع، وسط مخاوف من تباطؤ أوسع في تنفيذ المشروعات الجديدة.
تنفيذ المشاريع أصبح صعبا
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات العقارية التي تواجه صعوبات في التنفيذ، والذي طلب عدم ذكر اسمه أو اسم شركته، إن الشركة تواجه تحديات كبيرة نتيجة للزيادة غير المتوقعة في سعر الدولار العام الماضي، وقبلها تعويم الجنيه، ما أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل ملحوظ.
وأوضح أن الشركة كانت قد باعت وحداتها بناءً على الأسعار القديمة قبل حدوث تغيرات في السياسات المالية للدولة، إلا أن التكاليف وفقاً للأسعار الجديدة زادت بأكثر من 100%، مما جعل تنفيذ المشاريع أمراً صعباً في ظل العقود الموقعة بأسعار أقل.
ولفت إلى أن الشركة تعتمد بشكل أساسي على تحصيلات مبيعات العملاء، ما أثر على ملاءتها المالية بشكل كبير بسبب الفجوة بين الأسعار القديمة والتكاليف الجديدة للتنفيذ.
وقال إن شركته بدأت في البحث عن شركات وساطة تمويلية لتوريق شيكات العملاء للخروج من الأزمة الحالية واستكمال تنفيذ المشاريع، كما بدأت في التفاوض مع البنوك الحكومية والخاصة للحصول على الدعم المالي اللازم.
الحلول التمويلية باتت صعبة
قال عبدالرحمن خليل، مستشار التطوير وإدارة الأعمال، إنه تلقى مؤخراً عدداً متزايداً من الطلبات من شركات تطوير عقاري تبحث عن حلول تمويلية لتجاوز أزماتها، مشيراً إلى أن تلك الحلول تُحدَّد بناءً على الوضع التنفيذي للشركة وحجم أعمالها.
وأوضح خليل أن بعض الشركات يمكنها الدخول في شراكات مع شركات مقاولات أو مطورين كبار يمتلكون الملاءة المالية والخبرة، مقابل تقاسم العوائد.
في المقابل، هناك شركات لا يناسبها هذا النموذج، لأنها باعت بالفعل معظم وحداتها ولا تملك مخزوناً كافياً لتمويل الشراكة.
إن بعض الشركات المتعثرة تسعى للحصول على مشروعات جديدة لبيعها بأسعار السوق الحالية، رغم أنها لا تملك الخبرة أو الملاءة أو سجل إنجازات كافٍ، وهو ما يجعل هذا التوجه محفوفاً بالمخاطر.
في حالات أخرى، تلجأ بعض الشركات لبيع المشروع بالكامل لمطور آخر دون مقابل مالي أو مقابل ضعيف، لتجنب المسؤولية.
ثغرات قانونية
من ناحية أخرى، يرى خبراء أن الشركات الصغيرة قد تجد أن التفاوض مع العملاء لزيادة أسعار الوحدات هو الخيار الأفضل لتغطية التكاليف المتزايدة، حيث أن التأخير في التسليم يعتبر تحدياً حقيقياً، خصوصاً في ظل العقود التي تفتقر إلى ضمانات قانونية واضحة في حالات التأخير.
تسهيلات لتجاوز الأزمة
ومن جانبه، قال مصدر بشركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" إن الشركة تعمل بشكل وثيق مع جميع المطورين في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تعتبرهم شركاء في نجاح المشروع، موضحاً أنه تم تقديم العديد من التسهيلات للمطورين منذ أزمة كورونا بداية عام 2020 وحتى الآن، بما في ذلك منح أدوار إضافية وهو يعد حوالي 30% زيادة في مساحة المشروع، فضلاً عن تقسيط المتأخرات، ومد فترات الأقساط والتنفيذ.
وأضاف أن شركة "العاصمة الإدارية" لا تنوي سحب الأراضي من المطورين الذين يواجهون تحديات في التنفيذ بشرط الجدية في استكمال الأعمال، مشيراً إلى أن الشركة مستمرة في تقديم الدعم والتسهيلات للمطورين لتعويض تأثيرات الأزمة الأخيرة على السوق العقاري.
المطورون يتجهون للتخارج من السوق
وتوقع خليل الإعلان عن صفقات استحواذ واندماجات جديدة في النصف الثاني من 2025، خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، في العاصمة الإدارية الجديدة والساحل الشمالي وغرب القاهرة، مشيراً إلى وجود مفاوضات جارية مع مستثمرين أجانب وشركات إدارة محافظ استثمارية، لرغبة العديد من المطورين للخروج من السوق العقاري.
وأوضح أن تقييم الشركات المتعثرة تنخفض كلما طال أمد تعثرها، مما قد يشجع على إتمام صفقات استحواذ مستقبلية بشروط أفضل للمستثمرين.
قال باسم الشربيني، الرئيس التنفيذي لشركة "إتقان للاستشارات المالية والتسويقية" ورئيس لجنة
العاصمة الإدارية في جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، إن شركته تلقت عدداً من الطلبات لدراسة الأوضاع المالية للشركات المتوقفة عن التنفيذ بسبب الأزمة التمويلية، وتقوم الشركة بتقييم الوضع المالي للمشروعات المتوقفة من خلال مقارنة الأوضاع الحالية بما كان مخططاً له في بداية المشروع، ومن ثم إعداد دراسة جديدة تعتمد على الواقع الفعلي من حيث التنفيذ والسيولة والإيرادات.
كما كشف الشربيني عن تلقيه طلبات لبيع شركات بمشروعاتها نظراً لصعوبة تنفيذها، موضحاً أن بعض الجهات لا تسمح ببيع الأراضي لشركات أخرى، لذا تلجأ الشركات المتعثرة إلى بيع سجلاتها التجارية بالكامل عبر صفقات اندماج أو استحواذ.