في ضواحي القاهرة حيث تمتزج المدينة بالصحراء، ينتظر مئات اللاجئين السودانيين تحت شمس حارقة للحصول على مساعدات غذائية في منطقة مساكن عثمان بمدينة السادس من أكتوبر، بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في وطنهم.
تتجمع الأمهات مع أطفالهن وسط ازدحام يطغى عليه التعب واليأس، ويشكل الطعام هنا شريان حياة وحفظًا للكرامة في ظل حياة تفتقر إلى الاستقرار.
وسط هذا المشهد، تقف ريمـاز إبراهيم حسن، لاجئة سودانية تبلغ من العمر 26 عامًا، تحاول تقديم الدعم للمحتاجين. تقول: "عندما وصلت إلى مصر في يونيو 2023، رأيت أن السودانيين الموجودين هنا يساعدون القادمين بعد الحرب. فقلت لنفسي: أنا أيضًا من هؤلاء، ويجب أن أساعد".
يشهد عدد السودانيين الفارين إلى مصر ارتفاعًا هائلًا، إذ تؤكد كريستين بشاي، المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن 1.5 مليون سوداني دخلوا مصر منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وأكثر من 900 ألف منهم طلبوا تسجيلهم لدى المفوضية.
بدأت ريماز بطبخ وجبات في منزلها مستخدمة مدخراتها، ثم أسست في أكتوبر 2023 مدرسة صغيرة باسم "مستقبل مشرق"، لتعليم الأطفال اللغة الإنجليزية والقرآن. تحولت المدرسة لاحقًا إلى مركز مجتمعي يقدم المساعدة في التسجيل بالمفوضية وتنظيم الوضع القانوني في مصر، وتوسعت المبادرة لاحقًا لتصبح "الفجر المشرق" التي توفر دعمًا طبيًا، مساعدات للإيجار، دعمًا نفسيًا، ومبادرات لتمكين النساء، إضافة إلى دورات مهنية في الحياكة والقيادة وغيرها.
لكن ظروف العمل الصعبة في مصر تقف عائقًا أمام كثيرين، خاصة من يعانون من أمراض أو إعاقات. خالدة محمد زين، امرأة سودانية تعاني من الصرع، اضطرت للقدوم إلى مصر بعد انقطاع وصول دوائها. فقدت عائلتها بالكامل وتعيش ظروفًا قاسية، إذ لا تتمكن من العمل بسبب حالتها الصحية، وتقول: "لا أجد علاجًا مناسبًا، والدخل الذي أحققه ضئيل جدًا، وفي بعض الأيام لا أجني شيئًا".
تتلقى خالدة دعمًا غذائيًا بقيمة 750 جنيهًا شهريًا من برنامج الأغذية العالمي، لكنها الآن مهددة بالطرد لعدم قدرتها على دفع الإيجار، ولا تجد جهة تؤمن لها العلاج أو مصدر دخل مستقر.
في المقابل، تختلف الظروف بالنسبة للبعض. يوسف يحيى، رائد أعمال شاب، أسس شركة سافانا، وهى حاضنة أعمال وشركة استشارات سودانية، عام 2018 لدعم الابتكار في السودان، واضطر لاحقًا لنقل نشاطه إلى مصر بعد الحرب. طوّر مشروعه ليعمل رقميًا ويواصل دعم رواد الأعمال السودانيين عبر شراكة مع مبادرة "انطلاق"، التي تسعى إلى إزالة الحواجز القانونية أمام اللاجئين وتمكينهم اقتصاديًا.
يقول يوسف إن اللاجئين يواجهون عراقيل بيروقراطية كبيرة، وشراكتهم مع "انطلاق" أسهمت في إنشاء وحدة دعم قانوني تساعد على تخطي هذه العقبات. يضيف: "رغم كل التحديات، يظهر السودانيون مرونة وقدرة هائلة على التكيف".
غالبية اللاجئين المسجلين في مصر منذ بداية الحرب هم من النساء والأطفال وكبار السن، وغالبيتهم فروا من الخرطوم. سمح اتفاق "الحريات الأربع" بين مصر والسودان لبعض الفئات بالدخول دون تأشيرة، لكن الرجال البالغين واجهوا قيودًا، ما أدى إلى تفرق العديد من العائلات.
مع استمرار النزوح، تشير كريستين إلى أن الوضع الحالي يختلف عن الموجات السابقة من اللاجئين من حيث المستوى التعليمي والخلفية الاجتماعية، مما يخلق احتياجات متنوعة ومعقدة. ورغم تضاعف أعداد المحتاجين، لم يزد تمويل المفوضية. تقول: "كنا نتلقى 50 مليون دولار لـ300 ألف شخص، أما الآن فنتلقى أقل من ذلك لأكثر من مليون".
في ظل هذا العجز، تواجه مبادرة ريماز صعوبات كثيرة، خصوصًا في توفير عمليات جراحية وأدوية، وتقول: "بعض اللاجئين جاءوا بإصابات من الحرب، ولا نملك الموارد الكافية لعلاجهم".
أما فكرة العودة إلى السودان، فلا تزال بعيدة عن أذهان معظم اللاجئين. رغم الأخبار عن "تحرير الخرطوم"، ترى ريماز أن السلام لم يتحقق بعد. وتؤكد خالدة أن لا أمل بالعودة في ظل دمار شامل: "لا بيت، لا مال، لا أمان... لا شيء. وحتى مصر ليست مكانًا للاستقرار، بل محطة مؤقتة. لا مستقبل هنا".
https://www.newarab.com/features/sudanese-strive-new-future-egypt-after-two-years-war