يعتذر الممثل الأسترالي ريتشارد روكسبرج للمشاهدين قبل عرض فيلم The Correspondent قائلاً: "لا مفر من وجهي طوال مدة الفيلم".
لكن إن كان الفيلم يستغرق ساعتين، فإن قصة بيتر جريستي، الصحفي الأسترالي، امتدت 400 يوم خلف القضبان في سجن مصري، ولا تزال آثارها مستمرة حتى الآن، إذ ما زال مداناً بالإرهاب في مصر رغم إطلاق سراحه عام 2015.
جريستي واجه موقفاً محرجاً مؤخراً في مطار أوكلاند، عندما مُنع من التوجه لصالة الترانزيت، واضطر للتدخل عبر وزارة الخارجية الأسترالية حتى يُسمح له بإكمال رحلته.
لإيصال التجربة الكابوسية التي مر بها جريستي في مصر، اختار المخرج كريف ستندرز أن يظهر روكسبرج في كل مشهد من الفيلم. تجربة التصوير استمرت ستة أسابيع فقط، لكنها بدت أطول بكثير، كما يقول روكسبرج، واصفاً الفيلم بأنه أشبه بتجربة اجتماعية.
جريستي اعتُقل قبل أيام من عيد الميلاد عام 2013، خلال تغطيته للمظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري لصالح قناة الجزيرة.
أُدين لاحقاً في محكمة مصرية بتهم مرتبطة بالإرهاب، بينها تشويه صورة البلاد. حتى مبلغ 1500 دولار، وهو مخصصات للرحلة، قُدم كدليل على تمويله "منظمة إرهابية".
يُصوّر الفيلم هذا الواقع الكئيب، لكن يضيف إليه مشاهد إنسانية وعلاقات معقدة بين جريستي وزميليه محمد فهمي وباهر محمد.
تزداد التوترات بين الثلاثة مع تقدم المحاكمة، وتبرز خلافات في الاستراتيجيات القانونية.
في لحظات معينة، يصبح الإضراب عن الطعام خياراً مطروحاً.
يؤكد جريستي على أهمية إظهار وجهة نظر زميله فهمي، رغم اختلافهما، مشيراً إلى أن التعدد في وجهات النظر ضروري لفهم السياق الكامل.
يُظهر الفيلم أيضاً دور الحكومة الأسترالية، وإن بصورة أقل فاعلية من الواقع. لكن جريستي يوضح أن التدخل الحاسم جاء من لاتفيا، حيث يحمل الجنسية المزدوجة، وهو ما عجّل بإطلاق سراحه.
جانب آخر من القصة يتعلق بالناشط المصري-البريطاني علاء عبد الفتاح، الذي لعب دوراً مهماً في دعم جريستي نفسياً أثناء السجن. عبد الفتاح لا يزال معتقلاً حتى اليوم، رغم وعود بالإفراج عنه في سبتمبر الماضي.
يواصل الآن إضرابه عن الطعام مع والدته، احتجاجاً على استمرار سجنه دون مبرر.
جريستي نفسه دخل في إضراب عن الطعام هذا العام، لمدة 21 يوماً، تضامناً مع عبد الفتاح. يقول: "الإضراب عن الطعام هو السلاح الأخير لمن لا يملك شيئاً، الجسد هو الشيء الوحيد الذي تبقى له السيطرة عليه".
رغم أن الفيلم يركز على تجربة السجن، إلا أن رسالة حرية الصحافة حاضرة بقوة. جريستي، وهو أحد مؤسسي "تحالف حرية الصحفيين"، يسلط الضوء الآن على تراجع حرية الإعلام، حتى في دول مثل الولايات المتحدة، مشيراً إلى قرارات منع وسائل إعلامية من تغطية الأحداث، وتقليص الدعم لمؤسسات إعلامية دولية.
في أستراليا أيضاً، الوضع مقلق. تراجعت البلاد من المرتبة 18 إلى 36 في تصنيف حرية الصحافة العالمي. يشير غريستي إلى قضية ديفيد ماكبرايد، المبلغ عن جرائم حرب، الذي يقضي حكماً بالسجن، كمثال على قمع حرية التعبير.
ورغم مغادرته السجن، إلا أن حكم الإدانة بحق جريستي لا يزال سارياً في جميع الدول التي وقعت على اتفاقية تسليم المطلوبين مع مصر، ما يجعل جزءاً كبيراً من القارة الأفريقية خارج حدود الأمان بالنسبة له، رغم أنه عمل فيها مراسلاً لسنوات.
لم يزر روكسبرج مصر في حياته، لكنه يتساءل إن كان تجسيده لشخصية جريستي في الفيلم قد يجعله عرضة للخطر إذا قرر زيارتها. جريستي يجيبه مازحاً بجدية: "سأعرقلك على مدرج المطار لو حاولت الصعود على متن الطائرة".