أين يمكن أن نبدأ؟ في كل مرة نحاول الحديث عن جريمة في غزة، تقع جريمة أخرى أسوأ. صحفيون فلسطينيون أحرقوا وهم أحياء، أطفال تجمدوا حتى الموت، مسعفون أُعدموا ودُفنوا في مقابر جماعية، وأطفال يُقتلون وهم نائمون. في المقابل، الحديث عن أطفال فلسطين في بعض الدول مثل أمريكا أو ألمانيا قد يضعك على قوائم الترحيل. المطالبة باحترام القانون الدولي قد تؤدي إلى الاعتقال.

بعد 18 شهراً من المجازر، لم يعد بالإمكان وصف ما يجري بأنه "حرب" أو "دفاع عن النفس". ما يحدث هو عملية إبادة جماعية، كما أكد العديد من الخبراء والمنظمات الحقوقية، بينهم منظمة العفو الدولية. ورغم ذلك، يواصل السياسيون تمويل هذا العنف.

الفلسطينيون لا يُقتلون بالقنابل فقط، بل بالمجاعة والأوبئة. في 2 مارس، أوقفت إسرائيل إدخال المساعدات، ضمن ما تسميه بعض وسائل الإعلام "حصاراً للمساعدات"، بينما هو في الواقع حملة تجويع منهجية. القطاع تحوّل إلى أنقاض، 90% من الماشية نفقت، و70% من الأراضي الزراعية دُمّرت، بحسب تحليل للأمم المتحدة. الماء يُستخدم كسلاح أيضاً، إذ قطعت إسرائيل الكهرباء عن محطة تحلية المياه الرئيسية في غزة.

وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: "غزة ساحة قتل، والمدنيون عالقون في حلقة موت لا تنتهي".

تحركات إسرائيل لا تخفى نواياها بعد الآن. برؤية مدعومة من دونالد ترامب، تسعى إسرائيل لإفراغ غزة وضم الضفة الغربية، عبر قتل وتجويع السكان حتى "يهاجروا طوعاً" إلى أماكن مثل السودان أو الصومال، وفقاً لتقارير عدة. نتنياهو قالها صراحة: "هذا هو المخطط، ولا نخفيه".

في تصريح إذاعي، دعا نائب رئيس الكنيست نيسيم فاتوري إلى "فصل النساء والأطفال وقتل الرجال في غزة"، وأضاف: "سنجعل جنين مثل غزة". هذه التصريحات لم تحظ بتغطية من وسائل الإعلام الغربية، رغم أنها تلاحق طلاب الجامعات الذين يرددون شعارات مؤيدة لفلسطين بتهم التحريض.

بدلاً من إدانة هذه الدعوات العلنية للإبادة، تسعى بعض المؤسسات لتبييض صورة المسؤولين عنها. على سبيل المثال، شارك يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، في لقاء ودي نظمته رابطة مناهضة التشهير في نيويورك، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تشمل استخدام التجويع كسلاح وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وفي نفس الوقت، يحرق صحفيون فلسطينيون أحياء.

لم نعد تكتب أملًا في تغيير قناعات أحد، بل لأن الصوت هو السلاح الوحيد المتبقي، بل نكتب لنقول إننا لا نوافق، وأننا ترفض أن ترتكب هذه الإبادة باسمنا بضرائبنا بصمتنا. تقول: "انتهيت من استجداء تعاطف العالم مع الفلسطينيين".

قال الصحفي عمر العقاد: "في يوم ما، حين يصبح من الآمن قول الحقيقة، وحين يفوت الأوان لمحاسبة أحد، سيزعم الجميع أنهم كانوا ضد هذه الفظائع منذ البداية". وعندما يحين ذلك اليوم، لن يستطيع أحد الادعاء بأنه لم يعرف.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/apr/13/gaza-killing-starved