في ظل استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية في مصر، لا يزال ملف المعتقلين السياسيين يشكل نقطة ضعف كبيرة في سجل حقوق الإنسان في البلاد.

على الرغم من محاولات حكومة السيسي تقديم إشارات قد توحي بوجود انفراجة قريبة في هذا الملف، فإن هذه الخطوات لا تبعث على التفاؤل، بل تثير المزيد من الشكوك حول جدية هذه الإجراءات، خاصة في ظل الممارسات السابقة التي أظهرت غيابًا تامًا لأي تقدم ملموس.

قبل أيام، بدأت سلطات السيسي في السجون إجراءات للحصول على تواقيع آلاف السجناء السياسيين على استمارات الإفراج الشرطي، ما أثار تكهنات حول إمكانية الإفراج عنهم في المستقبل القريب.

هذه الخطوة تأتي في وقت حساس حيث يسعى النظام لإظهار استجابته لتوصيات صندوق النقد الدولي بخصوص حقوق الإنسان.

ولكن على الرغم من هذا التوجه، يرى حقوقيون أن نظام السيسي لا يزال يحاول خلق "أمل كاذب" للمعتقلين السياسيين وذويهم، حيث يدفع هؤلاء مبلغًا ماليًا رمزيًا قدره 200 جنيه للحصول على الاستمارة، مما يشير إلى أن القضية ليست إلا مجرد إجراء شكلي، غير مصحوب بأي خطوات فعلية نحو الإفراج.

وفي تصريحات لعدد من الحقوقيين، يعتبرون أن هذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها النظام مثل هذه الخطوات.

فمنذ سنوات، تم تكرار ذات الممارسات في مناسبات مختلفة مثل ذكرى ثورة يوليو 1952، أو عيد تحرير سيناء، أو حتى ذكرى ثورة 25 يناير 2011، ولكن دون أن تفضي هذه الإجراءات إلى نتائج ملموسة.

فقد تم إقناع العديد من المعتقلين وأسرهم بأن الإفراج عنهم سيكون قريبًا، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك تمامًا.

ووفقًا للمصادر الحقوقية، فإن المعتقلين السياسيين الذين وقعوا على الاستمارات هم أولئك الذين قضوا نصف مدة عقوبتهم وفقًا للقانون، لكن هناك تساؤلات كبيرة حول كيفية تطبيق هذه الإجراءات.

فقد أشار العديد من الحقوقيين إلى أن الإفراج الشرطي كان محصورًا في السجناء الجنائيين، بينما ظل السجناء السياسيون بعيدين عن الاستفادة من هذا الحق لعقود طويلة.

ولذا، فإن شمول المعتقلين السياسيين بالإفراج الشرطي يعتبر خطوة غير مسبوقة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستشمل جميع السجناء السياسيين على اختلاف انتماءاتهم، خاصة إذا كانوا من جماعة الإخوان المسلمين أو من المحسوبين على ما يسميه نظام السيسي بتيار الإسلام السياسي.

الحقوقي خالد المصري، الذي كشف مؤخرًا عن بدء مصلحة السجون في جمع التوقيعات للإفراج الشرطي، أوضح أن هذا الإفراج لا يعني إطلاق سراح السجناء تمامًا، بل سيخضعون لقيود كبيرة.

ويشمل ذلك التزامهم بالمراقبة المستمرة من الأجهزة الأمنية، وهو ما يحد من حرية السجين بعد الإفراج عنه. 

ورغم أن نظام السيسي يروج لهذه الخطوات كجزء من إصلاحات حقوق الإنسان، فإن غياب الإجراءات الفعالة لتنفيذ هذه الوعود يجعل من الصعب التفاؤل بنتائج ملموسة.

وفي نفس السياق، شكك العديد من الحقوقيين والمراقبين في جدية هذا التوجه الإصلاحي.

جمال عيد، المدير التنفيذي لشبكة معلومات حقوق الإنسان، أكد أنه لا يمكن تأكيد جدية نظام السيسي في تنفيذ هذه الخطوات قبل أن يصدر بيان رسمي من وزارة الداخلية أو العدل يوضح تفاصيل العملية.

كما أشار إلى أنه حتى في الحالات التي ينهي فيها السجناء مدة عقوبتهم، لا يزال يتم تدويرهم في قضايا جديدة، مما يعرقل فرص الإفراج عنهم.

من جانبه، شدد أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، على ضرورة وجود ضوابط قانونية وموضوعية لضمان أن الإفراج الشرطي لا يتحول إلى أداة سياسية تستخدم للتمييز بين السجناء وفقًا لانتماءاتهم السياسية.

وأضاف أنه في حال تنفيذ هذه الخطوة بشكل عادل، فإنها ستكون بمثابة انفراجة حقيقية، لكن يبقى من الضروري أن يتم الإطلاق على أساس قانوني مستقل دون تدخلات من الأجهزة الأمنية.

بينما يبدي بعض الحقوقيين تفاؤلًا حذرًا، أكد هشام قاسم، الناشر المصري، أن نظام السيسي لا يتخذ خطوات جادة نحو الإصلاح، بل يبقى في إطار الخطاب الإعلامي فقط.

وفي ظل استمرار الكذب المتكرر حول نية الإصلاح، لا يمكن أن تكون هناك نية طيبة في تنفيذ هذه الوعود.

فنظام السيسي لم يتخذ أي خطوة حقيقية لتحسين صورته سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، كما أن استمرار التعاطي مع ملف الحريات في مصر يبقى رهينًا بالاعتبارات السياسية والضغط الدولي.