في الآونة الأخيرة، أدلى رئيس وزراء الانقلاب  المصري بتصريحات تشير إلى إمكانية دخول مصر في اقتصاد حرب، وهي تصريحات أثارت قلقًا واسعًا بين المواطنين. تُعيد هذه التصريحات إلى الأذهان تجارب مصر السابقة مع اقتصاد الحرب، والتي كانت دائمًا تعني زيادة في معاناة الشعب، من تقنين للموارد، وارتفاع في الأسعار، وتوجيه كافة الجهود والموارد لدعم الجيش على حساب احتياجات المواطنين. في هذا التقرير، نرصد أبرز مراحل مصر مع اقتصاد الحرب، وكيف كان لها تأثير مباشر على حياة المصريين.

حرب 1948: البدايات الأولى للاقتصاد الموجه للحرب
خلال حرب فلسطين عام 1948، والتي تُعرف بالنكبة، دخلت مصر أول مواجهة عسكرية كبيرة بعد استقلالها النسبي عن الاستعمار البريطاني. على الرغم من أن الحكومة المصرية في تلك الفترة خصصت جزءًا كبيرًا من الموارد لدعم الجيش، فإن الحرب لم تصل إلى مستوى استدعاء اقتصاد حرب شامل. ومع ذلك، كانت هناك بعض الإشارات الأولية لتحويل الاقتصاد نحو الإنفاق العسكري.

زاد الإنفاق العسكري بشكل ملحوظ لدعم القوات المصرية في فلسطين، لكن المواطنين في تلك الفترة لم يشعروا بتأثير كبير في حياتهم اليومية مقارنة بالحروب التالية. كانت الموارد المتاحة لا تزال موجهة نحو دعم التنمية الداخلية، وإن كان هناك تحول في توزيعها لدعم الجهود العسكرية.

العدوان الثلاثي 1956: تقنين الموارد تحت الحصار
بعد تأميم قناة السويس في 1956، تعرضت مصر لهجوم من بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل فيما يُعرف بالعدوان الثلاثي. كانت هذه أول مرة يُفرض فيها نوع من اقتصاد الحرب على الشعب المصري بشكل مباشر.

بسبب الحصار البحري المفروض من القوى المعتدية، عانت مصر من نقص حاد في المواد الأساسية مثل الوقود والمواد الغذائية. قامت الحكومة بتقنين بعض السلع وتوجيه الموارد الحيوية لدعم الجيش. كان لهذه الفترة تأثير مباشر على حياة المصريين، حيث بدأ المواطنون يشعرون بتأثير الحرب على حياتهم اليومية. ومع ذلك، كانت الإدارة الحكومية لا تزال تُحاول موازنة الاحتياجات العسكرية والمدنية، ولم يكن الاقتصاد موجهاً بالكامل نحو الحرب.

حرب 1967 وحرب الاستنزاف: تأميم الاقتصاد والتعبئة الشاملة
كانت هزيمة حرب 1967 نقطة تحول كبيرة في تاريخ مصر، حيث فقدت البلاد شبه جزيرة سيناء بالكامل. تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر، تبنت مصر نظام اقتصاد حرب شامل لدعم حرب الاستنزاف التي بدأت بعد الهزيمة مباشرة واستمرت حتى عام 1970.

شهدت هذه الفترة تأميم العديد من الصناعات الكبرى، وتوجيه الاقتصاد بشكل كبير نحو الإنتاج العسكري. تم تخصيص نسبة كبيرة من الميزانية لدعم الجيش، بما في ذلك البحث والتطوير في مجال التسليح. كما شملت التعبئة العامة تجنيد أعداد كبيرة من الشباب للعمل إما في الخدمة العسكرية أو في المصانع التي كانت موجهة بشكل كامل لدعم المجهود الحربي.

أدى هذا النظام إلى تضخم كبير وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، ما أثر على حياة المصريين بشكل مباشر. الاقتصاد المصري الذي كان يعاني بالفعل من آثار الاستعمار والإدارة الفاشلة، وجد نفسه تحت ضغوط إضافية بسبب توجيه معظم الموارد نحو الجيش، ما تسبب في معاناة واسعة النطاق بين المواطنين.

حرب أكتوبر 1973: الاقتصاد تحت ضغط الحرب والمساعدات الخارجية
خلال حرب أكتوبر 1973، كان الاقتصاد المصري قد أصبح موجهًا بالكامل لدعم المجهود الحربي. شملت هذه الفترة تعبئة عامة للموارد، حيث تم تحويل العديد من الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية لدعم الجيش في الحرب. تم تقنين السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، وكان الجيش المصري يعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، خاصة من الدول العربية مثل السعودية وليبيا، التي قدمت دعمًا ماليًا هائلًا.

رغم النجاح العسكري النسبي في حرب أكتوبر، فإن المواطن المصري كان يعاني من شدة التقنين والندرة في السلع الأساسية. المصانع المصرية كانت تعمل بكامل طاقتها لإنتاج المعدات العسكرية وإصلاح الدبابات والطائرات، ما أدى إلى تحويل جزء كبير من الاقتصاد لصالح المجهود الحربي على حساب احتياجات الشعب.

اقتصاد الحرب: معاناة مستمرة للمواطنين
على مر التاريخ، ارتبط اقتصاد الحرب في مصر بزيادة معاناة الشعب. سواء كان ذلك في شكل تقنين للموارد أو ارتفاع في الأسعار أو تحويل الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية، فإن المواطن المصري كان دائمًا من يدفع الثمن.

اليوم، مع تصريحات رئيس الوزراء حول إمكانية دخول مصر في اقتصاد حرب، يتجدد القلق لدى الشعب المصري. في ظل أوضاع اقتصادية متردية بالفعل، وارتفاع في معدلات التضخم، يبدو أن الحديث عن اقتصاد الحرب يعيد نفس السيناريوهات السابقة: تخصيص الموارد للجيش على حساب التنمية الداخلية، وترك المواطنين يواجهون آثار نقص الموارد وارتفاع الأسعار.
إن التاريخ المصري مليء بالدروس التي تشير إلى أن اقتصاد الحرب لم يكن يومًا في صالح المواطن العادي، بل كان دائمًا يعني تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد الأعباء على الشعب. اليوم، ومع تلميحات الحكومة بإمكانية تكرار هذا السيناريو، يظل السؤال المطروح: هل يستطيع الشعب المصري تحمل المزيد من المعاناة في ظل إدارة حكومية تفضل توجيه الموارد نحو الأغراض العسكرية على حساب احتياجات الشعب الأساسية؟

ختاما؛ تاريخ مصر مع اقتصاد الحرب يشير بوضوح إلى أن هذا النوع من الإدارة الاقتصادية لم يكن أبدًا في مصلحة المواطنين. فمع كل حرب أو مواجهة عسكرية، كانت الحكومة تلجأ إلى تقنين الموارد ورفع معدلات الإنفاق العسكري، مما جعل حياة المصريين أكثر صعوبة. وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، فإن الحديث عن اقتصاد حرب قد يعني المزيد من التحديات للمواطنين الذين يعانون بالفعل من الأزمات الاقتصادية المتراكمة.