تميزت الحضارة الإسلامية بالاهتمام بتأديب الأبناء وتعليمهم، حتى كان كثير منهم يستقدم لأولاده مؤدباً ومعلماً، وقد أورد ابن قتيبة في «عيون الأخبار» أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدّب ولده: يا عبد الصمد، ‌ليكن ‌إصلاحك ‌بَنيّ إصلاحك نفسك، فإنّ عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت، وعلّمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهدّدهم بي وأدّبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء؛ ولا تتّكلنّ على عذر منّي، فإني قد اتّكلت على كفاية منك..

وفيما يأتي بيان ما يجب على المعلم تجاه طلابه:

أولاً: الحرص على تعليم الناس ابتغاء وجه الله:

إن الحرص على التعليم بإخلاص لله تعالى أدعى إلى الحصول على الأجر والثواب، وقد ذكر ابن السمعاني أن الشيخ أبا منصور الخيّاط رؤي في النوم بعد وفاته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ‌بتعليم ‌الصبيان فاتحة الكتاب..

ثانياً: الرفق والرحمة بالطلاب:

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ‌لِنْتَ ‌لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159)، وفي صحيح مسلم عَنْ ‌مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ‌مَا ‌رَأَيْتُ ‌مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ».

ثالثاً: القدوة:

إن المتعلم يقتدي بالمعلم في أفعاله قبل أقواله، بل إنه يقلده في غالب الأحيان دون أن يشعر، ولهذا كان عتبة بن أبي سفيان يقول لمؤدّب ولده: ‌ليكن ‌إصلاحك ‌بَنيّ إصلاحك نفسك، فإنّ عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت(3).

رابعاً: التشويق وإثارة الفضول:

يجب أن يتعمد المعلم تشويق طلابه فلا يكثر عليهم حتى لا يملوا، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عن عبدالله بن مسعود قال: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَراهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا.

ومن التشويق وإثارة الفضول أن يعرض المعلم على الطالب أبواباً من المعرفة التي يحتاج إليها وتنفعه في دنياه وأخراه، وقد أوردت السُّنة النبوية أمثلة عديدة لذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟»، قالُوا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: «إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ».

ومنه أيضاً ما رواه الترمذي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم، وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟»، قالوا: بلَى، قالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى»، وغير ذلك الكثير من أساليب التشويق وإثارة الفضول.

خامساً: التنوع في أساليب العرض:

إن المعلم يجب ألا يثبت في تناول موضوعاته على طريقة واحدة، بل يتعمد التنوع في الأداء، فمرة يشرح بأسلوب المحاضرة، وأخرى بالمناظرة، وثالثة بالحوار والمناقشة، ورابعة بالسؤال والجواب، وخامسة بالقصة وضرب المثال، حتى لا يمل الطلاب، بل حتى يستمتع الطلاب بالطرق المتنوعة للتعليم.

سادساً: الزيادة في الجواب عن أسئلة الطلاب إذا كان في ذلك فائدة:

قد يسأل الطالب سؤالاً يحتاج الإجابة عنه، وفي هذه الحالة يجب على المعلم أن يجيب عن السؤال، ويزيد في الإجابة إذا وجد أن الطالب قد يستفيد من هذه الزيادة علماً ينفعه.

عن أبي هريرة أن رجلاً سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّا نركَبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ من الماءِ فإن تَوضَّأنا به عَطِشْنا أفنتوضَّأُ من ماءِ البحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «هو الطَّهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتُه»، فقد سأل السائل عن الوضوء بماء البحر، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم زاده في الجواب بما ينفعه في حياته التي يركب فيها البحر كثيراً.