دعنا الآن من الحديث عن توقيت زيادة سعر الغاز في مصر، وأن قرار زيادة سعر أسطوانات الغاز الطبيعي الذي تم الإعلان عنه اليوم، مجرد "عربون محبة" لبعثة صندوق النقد الدولي التي ستزور القاهرة خلال أيام، أو أن موعد صدور القرار الصادم للرأي العام جاء مبكراً بعض الوقت واستغلالا لحدث مهم وقع في لبنان مساء يوم الثلاثاء حيث تفجير إسرائيل أجهزة اتصالات "البيجر" التي أدت إلى مصرع وإصابة ما يزيد عن ثلاثة آلاف لبناني.

ودعك أيضا من أن قرار الزيادة القياسية في سعر الغاز المستخدم في الطهي تم التمهيد له على عجل بإطلاق عدة "عصافير" في آن واحد في مسلسل إلهاء الرأي العام وتشتيته منها، عصفورة الاتهامات والمزاعم التي لاحقت واحدا من مشايخ الطرق الصوفية هو صلاح الدين التيجاني، والهجوم العنيف على شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب عقب تحريف خطابه الأخير، وإثارة ملف قديم جديد هو مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي وغيره.

دعك من كل ذلك لتركز على نقطة جوهرية هي أن المواطن المصري "استوى حرفيا" وبات "يكلم نفسه" في الشارع بسبب أعباء المعيشة وتكاليف الحياة التي تنوء جبال راسيات عن تحملها، وأصبح يصرخ من قفزات الأسعار المتواصلة والتي لا تقتصر على سلع ترفيهية أو حتى منزلية وكهربائية واستهلاكية، بل تتعلق بالسلع الحياتية من الأغذية وبيض المائدة ورغيف الخبز والخضروات واللحوم والفواكه والألبان وغيرها، وهي سلع لا يمكن الاستغناء عنها أو حتى تقليص معدلات استهلاكها، وإلا تعرض الشخص لخطر المجاعة وربما الموت.

اليوم وعلى حين غرة أصدرت الحكومة قرارا يقضي بإجراء عدة زيادات في سلعة أساسية أخرى، هي سعر الغاز الموجه للطهي، حيث تمت زيادة أسعار بيع أسطوانات الغاز السائل (البوتاغاز)، للأغراض المنزلية والتجارية بنسبة 50%، لتصل إلى 150 جنيهاً (سعر تسليم المصنع) للأسطوانة المنزلية الصغيرة سعة 12.5 كيلوغراماً، ورفعها من 200 جنيه إلى 300 جنيه (نحو 6.2 دولارات)، للأسطوانة التجارية الكبيرة سعة 25 كيلوغراماً.

ونص القرار أيضا على زيادة سعر الطن من الغاز الصب (غير شامل نولون النقل) من ثمانية آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه بزيادة 50%، وتضمنت الزيادات رفع سعر طن المازوت المورد إلى محطات توليد وإنتاج الكهرباء من 2500 جنيه إلى 6500 جنيه بزيادة 160%.

سعر الغاز يؤثر في أسعار العديد من السلع
ما يهمنا هنا أكثر هي الزيادة الخاصة بأسعار إسطوانات غاز الطهي التي تستخدم على نطاق واسع في المطاعم والمحال التجارية ومحال بيع اللحوم والدواجن والتي ارتفعت 7 مرات في 13 عامًا وبنسبة 2000%، وذلك باعتبار تلك الزيادة لصيقة بالمواطن.

فهذه الزيادة تأتي في وقت حرج للأسرة المصرية حيث موسم المدارس والجامعات والدروس على الأبواب، وتأتي بعد أيام من زيادات كبيرة في فواتير أخرى مثل النفع العام كالكهرباء ومياه الشرب ومترو الأنفاق والمواصلات العامة ورسوم الطرق، وكذا زيادات كبيرة في أسعار الأدوية ومشتقات الوقود من بنزين وسولار.

لكن الأخطر هنا هو أن تلك الزيادة في سعر الغاز المستخدم في الطهي ستؤدي على الفور إلى حدوث قفزات في أسعار الأغذية الشعبية في مصر بداية من ساندويتش الفول الذي قفز سعره إلى ما بين ثمانية وعشرة جنيهات إثر زيادة أسعار الغاز مباشرة، وكذا سعر ساندويتش الطعمية والوجبات الغذائية التي قفزت في المحال والمطاعم الشعبية التي تبيع الفلافل والكشري وخلافه.

وهناك زيادات مرتقبة في أسعار الخبز السياحي (الحر) بقيمة تتراوح بين 50 و100 قرش للرغيف الواحد، في المخابز السياحية والإفرنجية التي تستخدم أسطوانات الغاز الطبيعي في عملية الإنتاج بعد زيادة الأسعار اليوم، وذلك حسب إعلان الشعبة العامة للمخابز باتحاد الغرف التجارية.

الخلاصة هي أن الزيادات الجديدة في أسعار إسطوانات الغاز، ورغم عدم منطقيتها من حيث التوقيت مع تراجع أسعار الغاز عالميا، تسببت في تعقيد مهمة عثور أغلب الأسر المصرية على وجبة إفطار مقبولة أو تناول طبق فول في الصباح، بل وتحويلها إلى مهمة شاقة لأغلب الأسر من طلاب وعمال وحرفيين وصنايعية وصغار موظفين يتناولون وجبة الإفطار على عربات الفول المنتشرة في الشوارع وعلى جانبي الطرقات، وبالقرب من مقار المدارس والجامعات والمصانع والمصالح الحكومية والورش، حيث زاد سعر "طلب الفول" من 18 إلى 22 جنيهاً بسبب زيادة أسعار الغاز، ومن 25 إلى 30 جنيهاً في حال تضمن الطلب بيضة واحدة.

السؤال هنا: هل الحكومة تسابق الزمن لتعويم المواطن وتجريده من أي قوة شرائية، أم تعتبر أن التعويم السريع للسلع الأساسية هو البديل الأمن لتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار؟