أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الأخير إلى أن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لتقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي في حربه المتواصلة على قطاع غزة يعرض المدنيين لخطر كبير، مع تزايد المخاوف القانونية والإنسانية والأخلاقية المحيطة باستخدام هذه الأدوات. وتؤكد المنظمة أن تلك الأدوات ليست دقيقة بما يكفي لاتخاذ القرارات العسكرية، مما قد يتسبب في قتل وإصابة المدنيين بشكل غير قانوني.
أربع أدوات رئيسية للذكاء الاصطناعي
أوضحت "هيومن رايتس ووتش" أن الجيش الإسرائيلي يعتمد في عملياته العسكرية في غزة على أربع أدوات رقمية. تعمل هذه الأدوات على تقدير عدد المدنيين في المناطق المستهدفة قبل الهجوم، وتساعد الجنود في معرفة متى يبدأ الهجوم، كما تميز بين المدنيين والمقاتلين، وتحدد ما إذا كانت المباني مدنية أو عسكرية.
تشمل الأدوات:
1.  تتبع الهواتف الخلوية: تُستخدم هذه الأداة لمراقبة حركة إجلاء السكان الفلسطينيين من شمال غزة بعدما أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء المناطق هناك في 13 أكتوبر.
2.  أداة "غوسبل" (The Gospel): تُستخدم لتحديد قائمة بالمباني أو المنشآت التي ستتعرض للهجوم.
3.  أداة "لافندر" (Lavender): تُستخدم لتصنيف الأفراد في غزة كأهداف عسكرية محتملة.
4.  أداة "أين أبي؟" (Where’s Daddy?): تتيح للجيش الإسرائيلي معرفة الوقت الذي يتواجد فيه الهدف المطلوب في مكان معين.
تحذيرات من أخطاء فادحة
وأبرزت المنظمة أن هذه الأدوات الرقمية تعتمد على بيانات قد تكون غير دقيقة أو خاطئة، مما يعرض المدنيين لخطر الإصابة أو الموت. حيث أشار زاك كامبل، الباحث في مجال المراقبة لدى "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن استخدام الجيش الإسرائيلي لبيانات غير كاملة وأدوات تكنولوجية معيبة لاتخاذ قرارات مصيرية يزيد من احتمالية وقوع أضرار جسيمة على المدنيين.
وأضاف كامبل أن هذه الأدوات، بدلاً من أن تحد من الإصابات بين المدنيين، قد تتسبب في هجمات غير قانونية تؤدي إلى قتلهم أو إصابتهم بشكل مباشر.
شددت "هيومن رايتس ووتش" على أن استخدام هذه الأدوات الرقمية يثير مخاوف كبيرة بشأن الامتثال للقانون الدولي الإنساني. فالقانون الدولي ينص على ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين أثناء النزاعات المسلحة، ويُلزم الأطراف المتحاربة بأخذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين.
وأشارت المنظمة إلى أن هذه الأدوات تستند إلى بيانات جمعت قبل بدء الهجمات، بما يتنافى مع معايير حقوق الإنسان. فالاستخدام الممنهج للمراقبة الرقمية، بما في ذلك جمع البيانات الشخصية للفلسطينيين في غزة، يجعلها عرضة لسوء الاستخدام ويزيد من انتهاكات الخصوصية.
التحديات في التنفيذ والتأثيرات السلبية
من ضمن الانتقادات التي طرحتها "هيومن رايتس ووتش" هو أن هذه الأدوات قد تفتقر إلى الدقة في تقديم المعلومات المطلوبة لصنع القرارات العسكرية. فالبنية التحتية للاتصالات في غزة قد تعرضت لتدمير واسع، مما يجعل من الصعب جمع بيانات دقيقة. كما أن المخرجات التي تقدمها هذه الأدوات تعتمد بشكل كبير على برمجة الخوارزميات، والتي قد تعكس تحيزات مبرمجيها، مما يؤدي إلى قرارات عسكرية قد تكون مبنية على معلومات مغلوطة.
ولفت التقرير إلى أن الأدوات الرقمية، رغم أنها تعتبر محايدة، إلا أن الثقة المفرطة بها من قبل الجيش الإسرائيلي قد تؤدي إلى عواقب كارثية على المدنيين. فعدم دقة البيانات المستخدمة في الخوارزميات يفتح الباب أمام استهداف غير دقيق للأهداف العسكرية.
في ظل هذه المخاطر، دعت "هيومن رايتس ووتش" الجيش الإسرائيلي إلى مراجعة استخدامه لهذه الأدوات الرقمية في النزاعات العسكرية. وحذرت من أن استخدام هذه الأدوات دون فهم كامل للنتائج المحتملة قد يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
واختتم كامبل حديثه بالتأكيد على أنه ينبغي عدم السماح للتكنولوجيا المعيبة بأن تكون الأساس لاتخاذ قرارات مصيرية تؤثر على حياة الآلاف من المدنيين في غزة. وأضاف أن استخدام هذه الأدوات قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل في القطاع.
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتزايد أعداد الضحايا والمصابين بين المدنيين الفلسطينيين. فقد تجاوزت حصيلة الشهداء 41 ألفاً، بينما أُصيب أكثر من 94 ألف شخص بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقاً لتقارير وزارة الصحة في غزة.