منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، اتسم الموقف المصري بالصمت حيال الوضع في غزة. وبالإضافة إلى ضعف تعبئة الشارع والإعلام، تبدو القاهرة متقبلة للإملاءات الإسرائيلية بشأن الحد من دخول وخروج المساعدات والأشخاص عبر معبر رفح. وعلى الرغم من أن العملية العسكرية البرية تبدو وشيكة في جنوب القطاع، إلا أن إمكانية أي تصعيد من قبل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي تبقى ضئيلة.
شنَّت إسرائيل أعنف هجوم لها على قطاع غزة منذ انسحابها منه عام 2005، ورغم بحر الدماء الذي سال في القطاع فإن مصر -الدولة الوحيدة التي لديها حدود مع غزة- لم تخرج منها تصريحات تحمل نبرة تصعيد إلا عند الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر. وتصاعدت هذه النبرة في الأوساط غير الرسمية مع قرب بدء هجوم بري على رفح الفلسطينية واحتلال محور صلاح الدين/ فيلادلفيا.
بمجرد بدء القصف الإسرائيلي على القطاع التزمت مصر السيسي موقفها الثابت على مدار عقد من حكمه (اُنظر الفقرة آخر المقال)، فأُغلقت المعابر من الجانب المصري أمام البشر والمساعدات، وهو ما كشفه بايدن، بأن نقاشه مع السيسي أدى إلى فتح المعابر، في حين سارعت الرئاسة المصرية إلى تكذيب ذلك. لكن الواقع أن المساعدات التي تسمح بها إسرائيل لا تزال شديدة المحدودية؛ لا تكفي لإنهاء المجاعة في القطاع، ولا توفير الخدمات الأساسية لإنقاذ المرضى، أو توفير أساسيات الحياة للنازحين.
“دور محايد للوساطة”
انتشرت أيضا روايات فلسطينية عن رِشًا تطلبها إحدى الشركات التي تُعدّ واجهة لجهاز أمني من أجل السماح للفلسطينيين بالخروج من جحيم القصف والقتل، وقد وصل حجم المبالغ المطلوبة من الغزيّين الذين يريدون النجاة بأنفسهم قرابة 9 آلاف دولار، وهو ما نفته مصر على لسان رئيس هيئة الاستعلامات. أذكر جيدا مساهمتي مع الآلاف في تجهيز مساعدات إلى القطاع وقت أي عدوان خلال سنوات حكم مبارك، فضلا عن استقبال الجرحى في مستشفيات القاهرة وغيرها، والسماح للجمهور بزيارتهم دون قيود. ورغم الانتقادات التي واجهها مبارك في تعامله مع الفلسطينيين، إلا أن قرار فتح المعبر ظلّ قرارا مصريا لا علاقة له بإسرائيل.
يفسر اللواء نصر سالم، الرئيس السابق لجهاز الاستطلاع في المخابرات الحربية، هذا التفاوت في المواقف بأن “أمريكا توفر غطاء سياسيا ودوليا لإسرائيل، فتمنع أي دولة من التعرض إليها”، مستدلا على ذلك بالهجمات الأمريكية في العراق واليمن. وعن موقف مصر فإنه يرى أنها “تقوم بدور محايد للوساطة، فإذا أخذت موقفا ضد إسرائيل فإنها ستمنع دخول المساعدات إلى فلسطين، أو ترفض الوساطة المصرية، فالخسارة ستكون للفلسطينيين أكثر من مصر، لذا تقبل مصر أن تقوم بما تفعله الآن، لأن البديل هو الحرب، والحرب تعني محاربة أمريكا وحلف الناتو”، مشبِّهًا وضعها بـ“الممسك بالماء، إذا قبض يده سيخسره كله”.
هجوم رفح الوشيك يوتر العلاقات
أعلنت مصر بوضوح على لسان المتحدث باسم الخارجية المصرية أن العلاقات متوترة بين مصر وإسرائيل توتّراً بسبب عشرات الآلاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين، فضلاً عن اعتزام إسرائيل الهجوم على رفح، التي يتكدّس فيها قرابة 1.5 مليون نازح فلسطيني، وقد يجدون أنفسهم بين الهجمات الإسرائيلية وصحراء سيناء المصرية، ما يدفعهم إلى اجتياز الجدران الفاصلة بين القطاع ومصر.
والجانب الآخر من جوانب الخلاف المصري - الإسرائيلي خاص بتأكيد الإسرائيليين إعادة احتلال محور صلاح الدين/ فيلادلفيا، وهو الشريط الحدودي بعرض قطاع غزة من كرم أبو سالم إلى البحر الأبيض المتوسط، بطول 13.5 كم، وهو جزء يخضع للتسليح الخفيف وفقا لمعاهدة كامب ديفيد (1979)، ونَشر قوات في هذا الشريط وإجراء عمليات عسكرية يخالف المعاهدة، ما يُفترض أن يستدعي ردًّا مصريا.
أول تصريح لمسؤول مصري حول تداعيات عمليّة عسكرية إسرائيلية في رفح على مصر كان من وزير الخارجية سامح شكري خلال مؤتمر صحفي مع نظيرته السلوفينية تانيا فايون يوم 12 فبراير/ شباط الجاري، وذكر فيه:
• ردًّا على استفسار حول ما تردّد إعلاميا عن إمكانية تعليق مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل: "لقد حافظت مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل على مدار الأربعين عاماً الماضية، التي تم بموجبها إقامة العلاقات بين البلدين، فدائما ما تحافظ مصر على التزاماتها ما دام الأمر تبادليا بين الطرفين، ولذلك سأستبعد أي تعليقات تم الإدلاء بها في هذا الشأن.
• السياسات التي تنتهجها إسرائيل على الأرض تدفع نحو تحقيق سيناريو التهجير، ونحن نؤكّد على الرفض الكامل بكل السبل لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، إن أي محاولات لتنفيذ التهجير القسري للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية هي غير قانونية ولن تكون مقبولة".
أخبرنا اللواء أحمد العوضي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، أن الهجوم على رفح سيؤدي إلى مجرّد تعليق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل -دون أيّ ردّ فعل آخر من الجانب المصري- مؤكّداً أن البرلمان سيصدِّق على تعليقها إذا عُرض الأمر عليه.
إسرائيل “تُصدّر مشكلتها”
أحد مسؤولي الخارجية السابقين علّق على إمكانية تعليق الاتفاقية بأن “القانون الدولي لا يوجد فيه ما يسمى بتعليق الاتفاقيات، فإما أن تكون سارية أو ملغاة، وقد تقبل إسرائيل تجميد المعاهدة مؤقتا، ثم يتم تسخينها بعد ذلك وفك التجميد”.