بقلم/ محمود الرمادي
دعا نوح عليه السلام قومه ألف سنة إلا خمسين، ولم يستجب له إلا القليل، وليتهم توقفوا عند التكذيب، بل استهزؤوا، واستكبروا، وقلبوا الحقائق، وظنوا أنهم المسيطرون والمتحكمون في الأمر، وأخذوا في إقناع أبنائهم وأحفادهم بضلال نوح وكذبه، وبُعده عن المعقولية، فهو يظن بإمكاناته الضعيفة، وقدراته المحدودة – من وجهة نظرهم – وصنعه للسفينة على الأرض الجرداء، واللامعقولية في تصرفاته، أنه يستطيع أن ينتصر عليهم، بل ويدعي أن هذه السفينة المتترسة في هذه الأرض الجرداء وسيلة للنجاة، وأن الهلاك والدمار سيصل لكل المكذبين الذين يظنون أنهم سيطروا على كل المقدرات والأفكار.
وكانوا يعتقدون – وهم يستمعون إلى نوح عليه السلام – أنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافهم، وما هو إلا أن يموت نوح فتذهب فكرته ودعوته أدراج الرياح.
فإذا بهم في اليوم الموعود، يأتيهم الطوفان من كل مكان – من فوقهم ومن تحتهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم – فيزلزلهم زلزلة شديدة، ويشردهم ويقضي عليهم وعلى أفكارهم وأحلامهم وأمانيهم الخبيثة.
وذهب هؤلاء جميعًا، وبقي نوح، وبقيت دعوته وفكرته رغم شدة الأمواج، وعنف الصدمات التي تلقتها السفينة السائرة بأمر الله، ورغم الخوف والهلع الذي انتاب أصحاب السفينة، ولكنهم في النهاية استووا على الجودي.
وهاهو طوفان اليوم يذكرنا بطوفان الأمس، فهؤلاء المحتلون حاربوا أهل الحق، وسلبوهم أرضهم، وأرادوا القضاء على فكرتهم ودعوتهم – الحرية – واستمالوا ضعاف القلوب، وأصحاب الشهوات إليهم، وأيقنوا أنهم في طريقهم للنصر، وهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافهم، وأقنعوا أذنابهم بذلك فأسرعوا إليهم، وجهروا بالتودد إليهم بعد أن كان ذلك سرًا، وخلعوا برقع الحياء، وتنكروا للأخوة والعروبة، وظنوا أنهم قد لاذوا بركن شديد.
فإذا بطوفان السابع من أكتوبر يزلزلهم جميعًا، ويأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وتضيق عليهم الأرض بما رحبت، فيُقضى على مخططاتهم، وتذوب أحلامهم، وتُدمر مشاريعهم، وتتقاذفهم أمواج المفاجأة، فلا يعلمون لهم شاطئًا ليرسوا عليه، ولا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، فلا هداية لهم ولا رشاد.
وإذا بالفكرة المستوحاة من دعوة نوح عليه السلام تعود للواجهة، وتحيا في نفوس الملايين – بعد أن أوهموا الكثير بأنها تحتضر – وتتصدر المشهد رغم المعاناة والألم، وإن سكونها على الجودي بإذن الله لقريب.