شهد العالم كله أول مناظرة بين رئيسين للولايات المتحدة، الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب. وتضمنت القضايا الأميركية الداخلية، مثل الاقتصاد والمهاجرين والإجهاض، وتطرقت بالطبع إلى السياسة الخارجية الأميركية، التي ركزت بالطبع على الحرب على غزة والحرب الروسية على أوكرانيا. وتنافس الاثنان في تملق العدو الصهيوني لإظهار من هو أكثر محبة ووفاء للكيان ومن هو صهيوني أكثر من الآخر.

تفاخر جو بايدن بأن إدارته تواصل إرسال موظفي المخابرات إلى غزة للعثور على القادة العسكريين لحماس حتى تتمكن من القضاء على حماس، كما فعلت مع بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، الذي قتله في باكستان عام 2011. 

وشدد بايدن على أن بلاده هي أكبر مصدر دعم لإسرائيل في العالم، مدعيا أن حماس هي الطرف الوحيد الذي يريد أن تستمر الحرب وأن خطته لوقف إطلاق النار حظيت بموافقة الجميع، بما في ذلك مجلس الأمن ودول مجموعة السبع والإسرائيليون. ونتنياهو نفسه، رغم أن هذا كذب وافتراء ومخالف للحقيقة. ولم ترفض حماس الخطة بشكل كامل، بل تحفظت على بعض بنودها وطالبت بتعديلها، أما الذي رفضها بشكل كامل هو رئيس وزراء الدولة الصهيونية بنيامين نتنياهو. 

وهذا ما أكده الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كشف أكاذيب بايدن وتضليله، قائلا إن إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يريد أن تستمر الحرب، وأن نتنياهو لم يوافق على الخطة. وطبعاً هذا ليس دفاعاً عن حماس، لا سمح الله! لقد أوضح هدفه قائلاً: "في الواقع، إسرائيل هي التي (تريد الاستمرار)، ويجب أن تتركهم يرحلوا وتتركهم ينهون المهمة. إنه (بايدن) لا يريد أن يفعل ذلك. وهذا لا يعني فقط أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب، بل يعني أيضاً أن الرئيس الأميركي يحاول كبح جماح الحكومة الإسرائيلية".

تمادى ترامب في مغازلة الصهاينة بقوله إن بايدن "أصبح مثل الفلسطيني، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيء للغاية. إنه شخص ضعيف".

أما بايدن، الذي كان دائما فخورا منذ أن كان عضوا في مجلس الشيوخ بأنه صهيوني، و"لو لم تكن دولة إسرائيل موجودة لأقامتها الولايات المتحدة"، كان أيضا فخورا بدوره في حماية إسرائيل. وإنقاذ إسرائيل من إيران وصد هجوم إيران على إسرائيل. قال: "أنا الرجل الذي نظم العالم ضد إيران عندما شنوا هجومًا صاروخيًا باليستيًا شاملاً على إسرائيل. ولم يصب أحد بأذى. لا – قُتل إسرائيلي واحد عن طريق الخطأ. وتوقف. لقد أنقذنا إسرائيل".

كنا نشاهد نقاشًا حول الحب والتملق للدولة الصهيونية، ومن هو الأكثر صهيونية والأكثر دعمًا للكيان الغاصب. لقد كانت مناظرة شكلت فضيحة مدوية لأمريكا أكثر مما كانت للرجلين؛ إذ كان الرجلان المتنافسان على رئاسة أكبر دولة في العالم من المفترض أن تدير شؤون العالم يتفاخران بإعلان ولائهما إلى دولة أجنبية صغيرة ترتكب حكومتها جريمة إبادة جماعية؛ دولة عنصرية تمارس التطهير العرقي ضد الفلسطينيين. وهذا دليل على الانحطاط والبؤس الذي وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى دولة في العالم.

ولا أحد يجادل بأن المناظرة أظهرت ضعف بايدن وافتقاره إلى التركيز الذهني، الأمر الذي صدم موظفي البيت الأبيض. ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إنه تم تبادل رسائل نصية جماعية بين الموظفين بعد المناظرة قائلة إنها "ليست جيدة" وأن الجميع كانوا مكتئبين ومتشائمين.

أما بايدن فظهر بعد ساعات من المناظرة مع ترامب مؤكدًا نيته الفوز بالانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل وخوض السباق الرئاسي رغم ضعف أدائه. وقال في تجمع حاشد في ولاية كارولينا الشمالية: "أعلم أنني لست شابًا. أنا لا أمشي بسهولة كما اعتدت. أنا لا أتحدث بسلاسة كما اعتدت. لم أعد أجادل كما كنت أفعل من قبل، لكني أعرف ما أعرفه: أعرف كيف أقول الحقيقة. أعرف الصواب من الخطأ. وأنا أعرف كيف أقوم بهذه المهمة؛ أنا أعرف كيفية إنجاز الأمور. وأنا أعلم ما يعرفه ملايين الأميركيين: عندما تسقط، يمكنك النهوض من جديد".

ورغم ضعف أداء بايدن في المناظرة، وعدم تركيزه، وارتباكه في كثير من المواقف، فإن ترامب لم يكن أفضل منه كثيرا. كلاهما وصل إلى القاع، وكلاهما يدل على مدى الركود والبؤس الذي وصلت إليه حالة الطبقة السياسية في الولايات المتحدة، القوة العظمى العالمية والقطب الوحيد في العالم الذي يدير شؤون العالم. وأتساءل هل أمريكا التي يبلغ عدد سكانها 341801048 نسمة قد عقمت أكثر الشباب الواعدين لقيادة هذه الإمبراطورية العظيمة، وبالتالي لم تجد غير هذا الرجل الخرف الذي ينسى أسماء الرؤساء وأسماء الدول، أو الأحمق الذي يواجه قضايا في المحاكم، وكلاهما يبلغ من العمر 80 عامًا تقريبًا.

إذا لم يقدم الحزبان الرئيسيان في أميركا، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، مرشحين غير بايدن وترامب، فإن أميركا ستحفر قبرها بنفسها وتختفي. لقد بدأ العد التنازلي لأكبر إمبراطورية في العصر الحديث، وهكذا تغرب شمس الإمبراطوريات ويتلاشى نجمها ويختفي. وهذا ما علمنا إياه التاريخ.

https://www.middleeastmonitor.com/20240701-a-debate-between-a-senile-man-and-a-madman/