لم يتمكن الفلسطيني مهند كنعان وهو صاحب مزرعة خاصة بالعجول والمواشي من افتتاح موسم الأضاحي العام الحالي جراء التداعيات الخطيرة التي سبّبها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي، والذي خلّف 130 ألف شهيد ومفقود وجريح.

وسبّب العدوان الإسرائيلي إفشال موسم الأضاحي السنوي إفشالاً تاماً، جراء استهداف الأراضي الزراعية على طول الحدود الشرقية، من بيت حانون شمالاً، حتى رفح جنوباً، وتدمير المزارع الخاصة بالمواشي وتجريفها، كذلك بفعل إغلاق المعابر ومنع دخول العجول والمواشي، والأعلاف المُخصصة للحيوانات.

وتغيب عن أسواق قطاع غزة الملامح الخاصة باستقبال موسم عيد الأضحى، والذي كان يبدأ التجهيز له قبل أسابيع من حلوله، في حين تعج المذابح والمحال الخاصة بالجزارة، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها في عروض أسعار اللحوم وتصنيفاتها، كذلك بأسعار "الحصص"، ويتم فيها اشتراك عدد من المواطنين في أضحية واحدة.

ويلفت كنعان إلى أن العدوان الإسرائيلي سبّب تجريف المزرعة التابعة لعائلته، والتي يتم فيها استقبال العجول، والأبقار، والخرفان، والمواشي قبل فترة من حلول عيد الأضحى، والعناية بها وتسمينها وفق أنظمة غذائية وصحية تقليدية، ما يعني فساد الموسم، خاصة في ظل حالة النزوح التي يعيشونها، وعدم استقرار الأوضاع الميدانية.


يُشير كنعان إلى أن الحرب على غزة ألقت بظلالها الصعبة على مختلف القطاعات الاقتصادية، كذلك أفشلت مواسم استقبال المناسبات الاجتماعية والأعياد، ومنها موسم عيد الأضحى، والذي يعتمد عليه أصحاب المهنة اعتماداً أساسياً. ويقول: "يُعتبر موسم الأضاحي الموسم الأبرز في عملنا طيلة العام، والذي نقوم بالتجهيز له قبل أسابيع من حلوله".

من ناحيته، يوضح مُزارع ومُربي عجول آخر   أن الموسم الحالي للأضاحي فاشل تماماً، مُرجعاً سبب الفشل إلى التأثيرات الكارثية للحرب الإسرائيلية على مُختلف النواحي المعيشية والاقتصادية، والتي جعلت الهمّ الأول والأخير للفلسطينيين خلال العدوان هو مُحاولة النجاة من الاستهداف الواضح والصريح للمدنيين في مختلف محافظات القطاع، إلى جانب مُعضِلة توفير المتطلبات الأساسية لأسرهم من ماء وغذاء ودواء.

ويُبين  أنه على الرغم من الأهمية الدينية والاجتماعية والاقتصادية لموسم الأضاحي، إلا أنه يتزامن مع ظروف مُعقدة وغاية في السوء، يجتمع فيها الخطر، مع الإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر ومنع دخول المواشي والأعلاف، وإحكام حصار قطاع غزة من مُختلف المنافذ، إلى جانب الغلاء الفاحش في الأسعار، في ظل انعدام القدرة الشرائية نتيجة الوضع المالي والاقتصادي الصعب والمتدهور يوماً بعد الآخر.

ويُشير المربي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قام بتجريف مزرعته التي كان يعمل بها خمسة عشر شخصاً، ويتم توزيع الأدوار فيما بينهم، ما بين التغذية، والعناية الصحية، والتنظيف، والرعاية اليومية والذبح والتقطيع والوزن، مُبيناً أن تدمير المزرعة حرم كل هؤلاء العُمال من مصدر رزقهم الموسمي.

ولا يقتصر إفشال موسم الأضاحي على المزارِع وبيع المواشي فقط، وإنما على مجموعة مِهن مُرتبطة بها مباشرة كمهنة الذباح والتي توفر فرصة دخل سنوية لآلاف المواطنين، حيث يتشارك في عملية الذبح عُمال التقطيع، والتنظيف، والتغليف، علاوة على مهنة طحن اللحوم، وشَيّ الكباب، والتي يزيد الإقبال عليها بفعل توفر اللحوم.

ويقول فلسطيني آخر، إنه يُحاول التغلب على انعدام فرص العمل بالعمل في مجموعة مهن مؤقتة، من بينها مهنة ذبح الاضاحي، ويشاركه فيها ثلاثة زملاء، يختص كل واحد منهم بمهمة لإتمام العمل على وجه السُّرعة، خاصة في الأيام الأولى لعيد الأضحى، والتي تشهد طلباً مُتزايداً، وحجوزات عديدة يجب الإيفاء بها.

ويلفت إلى أن الحرب على قطاع غزة دمّرت مختلف أشكال الحياة الطبيعية، كذلك فرص العمل الدائمة والمؤقتة، ومنها مهنة الذبح التي كان يعتمد عليها لتوفير مستلزمات أسرته ومتطلباتها، وكسوة أطفاله الخمسة، مُضيفاً: "منذ بداية الحرب خسرنا كل شيء، حتى المهن الصغيرة التي يُمكنها توفير قوت أبنائنا".

فالحرب الإسرائيلية فاقمت البطالة في غزة إلى 80%
وقال المدير العام لمنظمة العمل الدولية جيلبرت هونغبو، في تصريحات خلال جلسة ضمن أعمال الدورة 112 لمؤتمر العمل الدولي، يوم الخميس الماضي، إن نحو 200 ألف وظيفة فُقدت في غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع.

ويؤثر تواصل العدوان الإسرائيلي على الموسم العام لعيد الأضحى، والذي يعتمد عليه التُجار اعتماداً أساسيّاً إلى جانب موسم عيد الفطر، والذي فشل كذلك لحلوله خلال الحرب، كما فشلت مجموعة من المواسم التجارية كموسم الملابس، والأحذية، والإكسسوارات، ومواد التجميل والعطور وديكورات البيوت، والحلويات ومستلزمات الضيافة، وغيرها من المواسم المُرافقة، والتي كانت تشهد رواجاً مع قرب حلول الأعياد.
وفي عيد الأضحى الماضي تم ذبح 17 ألف رأس من العجول، إلى جانب 24 ألفاً من الخرفان والأغنام وفق توضيح وزارة الزراعة في غزة، في حين يمنع تواصل العدوان الفلسطينيين من ممارسة طقوسهم السنوية بحجز الأضاحي وذبحها الموسم الجاري.

ويتزامن عيد هذا العام مع استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق للعام الـ17 على التوالي، ومنع استيراد السلع والبضائع، وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وخلال فترة الحرب، استهلك الفلسطينيون والجمعيات الخيرية التي تقدم الوجبات للمواطنين ما كان يتبقى في القطاع من مواش، وفق مختصين في الشأن الاقتصادي.

وكانت هيئة علماء فلسطين قد أصدرت فتوى، في الخامس من يونيو/ حزيران الجاري، قالت فيها إن "إغاثة المحتاجين مقدمة على عمرة وحج النافلة، وإن بذل الأموال المخصصة للأضاحي وتقديمها للمنكوبين في قطاع غزة وغيرها من بلاد المسلمين أعظم أجراً وأفضل بكثير من أداء مناسك التطوع".

وتشهد أسعار الأعداد القليلة من المواشي والأضاحي الموجودة في غزة ارتفاعاً كبيراً يترافق مع انعدام القدرة الشرائية لدى غالبية السكان، الذين فقد معظمهم وظائف كانوا يعملون بها قبل الحرب. كما استهدف جيش الاحتلال منذ بدء حربه المدمرة مزارع المواشي في مناطق مختلفة من القطاع، الأمر الذي فاقم شحها.

العربي الجديد