تخطط حكومة الانقلاب لرفع الأسعار، وفقًا لاتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، ينفذ بدءًا من يوليو المقبل، يقضي بأن تتوقف الدولة عن دعم قطاع الطاقة بشقيها الكهرباء والبنزين، وتخفيض دعم الخبز، وتحويل الدعم العيني للسلع إلى دعم نقدي.

وفي هذا الإطار تدعو الحكومة المواطنين إلى حوار مجتمعي، للاختيار بين حلين كلاهما مرّ، إما استمرار أزمة كهرباء خانقة تؤرق المستهلكين ومواصلة تقنينها وقطعها بضع ساعات يوميًا، أو قبولهم ارتفاع سعر الكهرباء بمعدلات تصل إلى الضعف.

ويحدد بيان الحكومة للبرلمان أن الدعم المستهدف لسعر الغاز والسولار والبنزين خلال العام المالي المقبل 154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، و134.2 مليار جنيه للسلع التموينية، بينما تعمل الكهرباء بنظام "الدعم التبادلي" بين المستهلكين، بما يزيل عن الموازنة العامة أية أعباء مالية عن بيع الكهرباء للجمهور، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وتظهر تقارير وزارة الكهرباء، ارتفاعًا هائلًا في ديون القطاع، تصل قيمتها إلى نحو 32 مليار دولار، من جراء إقامة مشروعات التوليد والشبكات، بقروض مرتفعة التكلفة.

وقد فوجئ المواطن بوضع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، المستهلكين بين خيارين، إما أن تواصل الحكومة سياساتها المتبعة منذ عامين، بقطع التيار الكهربائي لمدد تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات يوميًا، أو أن يكون ثمن الكهرباء ثلاثة أضعاف السعر الحالي، مستدركًا بأن الدولة لا تريد أن تصل بالأسعار إلى هذا المستوى، إلا أن وزارة الكهرباء تواجه مشكلة في توفير البترول والطاقة بسعر يفوق ثمن ما تحصل عليه نظير الخدمة.

 

رغم رفع الدعم أين الكهرباء؟

تصريحات السيسي أثارت العديد من التساؤلات حول جدوى رفع الأسعار في ظل إلغاء الدعم عن الكهرباء منذ عام 2019، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز عام 2018 مما يضع علامات استفهام حول الأسباب الحقيقية وراء استمرار الأزمة وعدم قدرة الدولة على توفير الكهرباء بشكل مستمر.

إذا كانت الأزمة ليس في استمرار الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء فأين تكمن أزمة انقطاع التيار الكهربائي؟ ولماذا باتت مصر غير قادرة على توليد الكهرباء رغم وجود محطات كهرباء ضخمة وقادرة على إنتاج ضعفي حاجة البلاد؟

تعود أسباب الأزمة، بحسب محللين وخبراء اقتصاد إلى عدة عوامل متشابكة، من أهمها:

نقص الغاز: تعتمد مصر بشكل كبير على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، ولكن تُواجه نقصًا حادًا في هذا المورد الأهم بعد السماح بتصديره على حساب احتياجات المواطنين.

 عدم توافر العملة الصعبة: تُواجه مصر صعوبة في توفير العملة الصعبة لشراء كميات إضافية من الغاز من الخارج رغم حصولها على تدفقات بمليارات الدولارات مؤخرًا.

 زيادة الطلب: يشهد الطلب على الكهرباء في مصر ازديادًا مطردًا بسبب النمو السكاني والتوسع العمراني.

الدولار مقدم على الكهرباء

فند الخبير العالمي في مجال الطاقة، البروفيسور، عبد الحكيم حسبو، تخيير المصريين بفرض قطع الكهرباء كأمر واقع أو مضاعفة ثمنها، قائلًا: "الحكومة لا توجه أي دعم للكهرباء كما واضح في الموازنات العامة للدولة منذ عام 2019، وبالتالي فإن الحديث بأنها تباع بنصف ثمنها غير صحيح ولا يمت لبيانات الحكومة نفسها بصلة، وهي معلومات مغلوطة".

وأكد أن "الأمر لا يتعلق بنقص الغاز في مصر إنما في استخدام أكبر قدر ممكن من الغاز الذي يتم توفيره خلال فترات انقطاع الكهرباء وتصديره للحصول على عملة أجنبية من خلال البيع لأوروبا، من ناحية أخرى اتخاذ الأمر ذريعة لزيادة سعر الكهرباء، بالرغم أن الدعم مرفوع من عام 2019 لتحقيق إيرادات أكبر للدولة بطريقة سريعة ومضمونة"، وفقًا لـ"عربي 21".

واعتبر حسبو وهو أيضًا عميد الدراسات العليا في الطاقة المتجددة بجامعة كامبردج السويسرية، أن "توفير خدمة الكهرباء المستقرة هو من الأساسيات الضرورية والالتزامات الأساسية للحكومات تجاه المواطنين ولا يجب أن يكون محل مساومة أو يتم توظيفها لأي أغراض سياسية خارجية أو داخلية. للأسف مصر تعطي أولوية للمواطن الغربي وترسيخ العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية مع أوروبا وإسرائيل على حساب المواطن المصري واستقرار الإنتاج في المصانع والمؤسسات المصرية".

أسباب اقتصادية وسياسية

للأزمة أبعاد أخرى بحسب الأكاديمي ومقدم محتوى اقتصادي، الدكتور أحمد عبد ربه، أن "أزمة انقطاع الكهرباء في مصر تتعدى الأسباب الفنية وتعكس تحديات اقتصادية وسياسية معقدة.

 فعلى الصعيد الاقتصادي، تندرج الأزمة تحت عدم فاعلية إدارة المولدات الكهربائية والتوزيع العادل للطاقة، مما ينتج عنه ضربات مباشرة على الشركات والمصانع الصغيرة وأسر المواطنين. أما على الصعيد السياسي، فقد ترتبط أسباب الانقطاع برغبة السلطة في تحويل انتباه الجمهور عن القضايا الاجتماعية الحيوية إلى قضايا ثانوية وتجاهل المشكلات الرئيسة التي تعاني منها البلاد.

وبشأن تأثير تلك الأزمة وامتدادها أوضح أن "تكلفة هذا الانقطاع لا تقتصر على الأضرار المالية التي تتحملها الدولة، بل تمتد لتشمل تأثيراتها الواسعة على المواطنين والاقتصاد. فهو يؤثر على حياة الناس بشكل مباشر من خلال زيادة تكلفة المعيشة وضعف الإنتاجية الاقتصادية. كما يؤثر على الشركات والمصانع الصغيرة والورش، مما ينعكس سلبًا على نمو الاقتصاد وفرص العمل".

وأضاف عبد ربه الباحث السياسي: "لذا، ينبغي على السلطات السياسية والاقتصادية تبني سياسات شاملة وفعالة لحل هذه الأزمة، تركز على تحسين إدارة الطاقة وتوفير الكهرباء بشكل مستدام، إلى جانب التركيز على تعزيز القطاعات الاقتصادية المتأثرة وتخفيف تكاليف الانقطاع على المواطنين والشركات".

وحذر من توليد أزمات متنوعة قائلًا: "ومن المهم أيضًا أن تتخذ السلطة الإجراءات اللازمة لدعم المواطنين في هذه المرحلة الصعبة، ليشعر المواطنون بالثقة في قدرة الدولة على تجاوز الأزمة الاقتصادية. إذا لم تقم السلطة بتقديم الدعم المناسب، فقد تنتج عن ذلك أزمات أخرى تؤثر سلبًا على قيمة العملة المحلية وتضعف الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر".

‌كما أثار الحديث عن مضاعفة أسعار الكهرباء لتوفيرها طوال اليوم تساؤلات نشطاء ومراقبين؛ خاصة أن الموازنة الجديدة تُشير إلى عدم وجود أي دعم للكهرباء منذ عام 2019، بينما يزعم السيسي أنّ الكهرباء تُباع بنصف سعرها الحقيقي، وهناك اكتفاء ذاتي في إنتاج الغاز منذ سنوات إلى جانب استيرادها كميات ضخمة من إسرائيل لإعادة تصديره.