إن صلاح الذرية من أعظم النعم التي ينعم بها الله- سبحانه وتعالى- على الآباء والأمهات،  فالأبناء الصالحون زينة الحياة الدنيا، لأنهم ينشرون القيم والمبادئ الإيجابية، ويحافظون على الدين والأخلاق، وبذلك يمنحون الوالدين والأهل راحة البال والسعادة، ويُشعرونهم بالفخر والاعتزاز، ومن ناحية أخرى يشفعون لهم في الآخرة.

والصالحون من عباد الله يجتهدون في صلاح أبنائهم ويعلمون أنّ الأمر كله بيد الله- عز وجل-، وأن من أعظم أسباب صلاح أبنائهم كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم، ومن قبل ذلك الدعاء باختيار الزوجة الصالحة التي تعين على التربية الصالحة، ثم اختيار الأصدقاء الصالحين للأبناء، والحرص على التربية الإسلامية، والقدوة الطيبة.

وسائل معينة على صلاح الذرية  
وإذا كان صلاح الذرية بهجة الدنيا وزينتُها وفرحها وقرة عين الآباء والأمهات وأقصى أمنية يريدونها لأبنائهم، فإن تحقيق هذه الأمنية يتطلب بعض الوسائل المعينة، من أبرزها: 

١- صلاح الآباء: فهذا سببٌ لصلاح الأبناء واستقامتهم، والعكس بالعكس، فمن حرص على طاعة الله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، رزقه الله من الأبناء ما تَقَرُّ به عينُه، وتطيب به نفسُه، قال تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ [الكهف: 82]، فعلى كل أب أن يعلم بأن عمله الصالح سيبقى من بعده، ويظهر أثره بعد مماته، وأول من تظهر عليهم آثار ذلك العمل هم أبناؤه من بعده، قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]. 

٢_ اختيار الزوجة الصالحة: وهذه من أهم مراحل صلاح الأبناء، فهي أساس البيت وعنوان التربية، وأكثر الوالدين ملازمة للأبناء، فالتربية في الدرجة الأولى تقع على عاتقها، وهي أسمى مهمة من مهماتها، وهي المسؤولة المباشرة عنها، فإذا كانت صالحة غرست قيم الخير فيهم، وزرعت الأخلاق الفاضلة فيهم، فينشأ الابن على ما رُبِّي عليه وما تعلَّمه من أمه وأبيه، لذا حثَّنا النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- على أهمية اختيار الزوجة الصالحة التقيَّة، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ” (البخاري ومسلم). 

٣_الدعاء لهم: وهو عبادة عظيمة، وطاعة جليلة لا يُوفَّق إليها إلا من أحبَّه الله تعالى وقرَّبه، وأعظم من ترفع لهم الأيدي بالدّعاء هم الأبناء والذرية، فأحدنا يفرح إذا رأى من صلبه ولدًا صالحًا طائعًا لله تعالى، والدعاء بصلاح الأبناء من سُنَن الأنبياء، فهذا الخليل إبراهيم- عليه السلام- يرفع يده متضرِّعًا إلى الله- جل وعلا- وهو يقول: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100]، وهذا زكريا- عليه السلام- يسأل ربه أن يرزقه ولدًا صالحًا مرضي العمل، وهو قد بلغ من الكبر عتيًّا ولم يُرزَق بولد فكان يقول: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: 5، 6]، وقد سار الصالحون بعدهم يسألون الله تعالى أن يرزقهم ذرية صالحة تَقَرُّ بها أعينُهم، وتفرح بها نفوسُهم وحالهم ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]. 
عدم الدعاء عليهم: وحذرنا النبي- صلى الله عليه وسلم- من أن ندعو عليهم بالهلاك والغواية والبلاء، فقال: “لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ” (مسلم). 

٤_ اختيار الأصدقاء الصالحين: فالصديق تأثيره مثل تأثير الوالدين في المنزل، فهو يسحب صاحبه إلى ما هو عليه من الخير أو الشر، وقد ورد في الحديث قوله- صلى الله عليه وسلم-: “المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِه فَلْيَنْظُر أحدُكم مَنْ يُخالِل..” (صحيح أبي داود)، فاختيار الصديق الصالح، ومجالسة أهل الخير من أعظم أسباب الثبات والاستقامة على الحق، ومخالطة أصدقاء السوء من أسباب الانحراف والميل عن الحق. 

٥_ حُسن التربية والحرص على غرس قيم الإسلام ومبادئه في الأبناء منذ الصغر: فالأبناء إذا رُبُّوا على الخير والصلاح اعتادته نفوسهم، وغرس في أذهانهم ذلك الخير، وإذا عُوِّدوا على المعصية ألِفُوها وأحبُّوها فيصعُب التخلي عنها إذا كبروا، أغلب فساد الأبناء اليوم ناتج عن عدم التربية في المنزل وإهمال الآباء تأديبهم وتنشئتهم التنشئة الصالحة على تعاليم الدين وقيمه، يقول ابن القيم- رحمه الله-: “فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدًى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم،
وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارًا”. 

٦_ القدوة الصالحة: فالطفل في سنواته الأولى يُقلِّد ما يراه من حوله، خصوصًا الوالدين؛ فهم أقرب الناس إليه، وأكثرهم اختلاطًا به، فإذا رأى أعمالًا صالحةً عمل مثلها، واقتدى بمن راه يعملها، وإن رأى غير ذلك عمل مثل الذي يراه؛ لذلك نبَّه الله- سبحانه وتعالى- على أهمية القدوات في القرآن، وضرورة أن يرتبط الطفل بأشخاص قبله حازوا من الفضائل والخير مبلغًا عظيمًا، وعلى رأسهم الأنبياء والصالحون، يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. 
مراعاة آداب الإسلام مع المولود: فجاءت السنة بحلق شعر رأسه، والأذان بأذنه؛ ليكون صوت الحق أول شيء يطرق سمعه، ثم اختيار الاسم الصالح، والعقيقة. 

٧_ التعاون في التربية: ومن أسباب صلاحهم تفاهم الأب والأم في إصلاح الأولاد، على أن لا يكون الأب في جانبٍ والأم في ضد ذلك؛ بل لا بد من تعاون كلٍ من الأب والأم في إصلاح هذا النشء، والتعاون على حلول مشاكله. 
إبعاد الأولاد عن المشكلات: فحتى إذا وقع الطلاق بين الرجل والمرأة فلا بد من تقوى الله في هؤلاء النشء، ولا يكونوا ضحية للنزاع أو الاختلاف، فينشأون في أزمات نفسية، وقلق نفسي، واضطراب يؤثر ذلك على سلوكهم وتعليمهم وحياتهم المستقبلية.  

ثمرات صلاح الذرية  
إنّ صلاح الذرية فيه خير في الدنيا والآخرة، وأمّا في الدنيا فبالراحة والطمأنينة والسعادة بهم، ففرق بين ابن أو ابنة قد منّ الله عليهما بالهداية فما نراهما إلا بارين مطيعين لله ذاكرين مصلّين خاشعين، وبين ابن أو ابنة نراهما عاقين عاصين مفرطين ولصلاتهما مضيعين، ومن أبرز ثمرات صلاح الأبناء ما يلي:

التذكير بأفعال الخير: فالأبناء حين يكبرون ويشبون على التقوى والصلاح يفيدون الآباء والأمهات في التذكير بأعمال الخير والإعانة عليه وتسهيل السبل إليها. 
كسب الأجر والثواب: وذلك على ما يعملون من أعمال صالحة واجبة أو مستحبة علمناهم إياها كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا” (مسلم). 
الدعاء للآباء والأمهات بعد الممات: ومن ثمرة صلاح الأبناء والبنات دعاؤهم لوالديهم بعد موتهم، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (مسلم). 
النجاة من النار: ويمتدّ الأثر الطيِّب للولد الصالح في عالم الآخرة ليكون صلاحه منقذا للوالدين من عذاب النار. 
ومن هنا، فإنه حريٌّ بالآباء أن يتوسلوا بالله- جل وعلا- لتحقيق أمنية صلاح الذرية، مستفيدين من تعاليم الإسلام التي ركَّزت على العوامل المؤثّرة في إنتاج الأولاد الصالحين, ابتداءً من وقت العزم على الزواج، مرورًا بمحطّات كثيرة منها اختيار الزوجة ومباشرتها وغذاؤها أيّام الحمل وما يفعل مع الولد حين ولادته وبعدها إلى أن يصبح محلّاً للتربية التي أرادها الله تعالى ضمن أساليب حدَّدتها الشريعة المقدَّسة بكلّ دقّة