أعلنت حكومة الانقلاب إعادة تطبيق خطة تخفيف الأحمال وعودة انقطاع التيار الكهربائي مرة أخرى، وذلك بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط الشعبية وعلى مواقع التواصل حول موعد انتهاء الأزمة التي بدأت العام الماضي.

وتشير تقارير مختلفة إلى أن الأزمة كانت في سبيلها للانتهاء، خاصة وأن حكومة الانقلاب أعلنت منذ سنوات عن تحقيق إنجازات غير مسبوقة في مجال البنية التحتية في الكهرباء ووجود فائض في الإنتاج يتم بيعه لدول أخرى، ما يعني حصيلة دولارية جيدة للدولة، إلى جانب أن الحكومة رفعت الدعم عن الكهرباء بشكل كامل اعتبارًا من العام المالي 2020- 2021.

وكانت مصر، في إطار تحديث البنية التحتية لقطاع الكهرباء، قد اشترت من شركة سيمنز الألمانية ثلاث محطات لتوليد الكهرباء لمواجهة الارتفاع الكبير في الاستهلاك، وهي المحطات الأكبر والأحدث لتوليد الكهرباء في العالم، بحسب ما نُشر، بقدرة  14.4 جيجاوات بما يسد نحو 45 في المئة من احتياجات مصر من الكهرباء، كما يفترض أنها تستهلك كميات أقل من الغاز الطبيعي.

وبحسب بيانات حكومية فإن التكلفة الاستثمارية لشراء المحطات وصلت إلى 6 مليارات يورو (6.48 مليار دولار) في اتفاق مولته ثلاثة بنوك.

 

أضرار جانبية متعددة

في 18 يناير من عام 2021 ، تحدث رئيس الوزراء عن الاكتفاء الذاتي من البترول بحلول 2023 وكان من المفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء. لكن بعد عامين من حديثه وجد المصريون أنفسهم وسط أزمة كبرى نتج عنها إعلان الحكومة زيادة فترات انقطاع التيار الكهربائي إلى ساعتين يوميًا.

وعلق محمد. أ. فؤاد على صفحته بمنصة "إكس"، أنه "في 18 يناير 2021، أطلق رئيس الوزراء هذا التصريح أو ما يمكن توصيفه حاليًا بالنكتة. كونه يصدر تصريح بخصوص الاكتفاء الذاتي من البترول بحلول 23 وبعد سنتين نبقى عندنا 50% عجز غاز ده اسمه هزل.. مافيش بجنيه تخطيط ولا تنفيذ ولا تحمل مسئولية.. فيه أعذار وطجرمة ومساومات بائسة".

ويشير خبراء ورجال أعمال إلى أن فكرة قطع التيار الكهربي لعدة ساعات تحت أي ذريعة ينتج عنها خسائر هائلة. ويشير هؤلاء إلى أن الخسائر تتضح بشكل أكبر لدى أصحاب المصانع الصغيرة والمحال التجارية البسيطة، الذين تفسد السلع لديهم أو تتعطل أجهزة الإنتاج. كما توقع آخرون تراجع حجم الإنتاج وارتفاع تكلفة المنتج النهائي واحتمال تراجع الصادرات بسبب أزمة الكهرباء.

أيضًا يشير الخبراء إلى مخاوف من أن عمليات قطع التيار الكهربائي قد تؤثر على شبكات توزيع الكهرباء نفسها وسلامة البنية التحتية للشبكة العامة، كما أن ذلك يعطي صورة شديدة السلبية للمستثمر العربي أو الأجنبي، الذي سيفكر كثيرًا قبل وضع أمواله في سوق لا تستقر فيه إمدادات الكهرباء.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي سخر المصريون بشدة بعد ما نشر عن انقطاع التيار الكهربي عن مبنى البورصة المصرية واستنكروا عدم وجود مولد للكهرباء في مكان حساس كهذا، وهو ما أدى "لتعطيل تنفيذ بعض أوامر الشراء والبيع من شركات السمسرة في البورصة"، بحسب تصريحات أحد المسئولين.

كما اشتكى مواطنون من ضياع فرص عمل لهم مع شركات خارج مصر بسبب انقطاع التيار الكهربائي وبالتالي توقف خدمات الإنترنت، كما أنه من الجوانب السلبية أيضًا حدوث حالات وفاة لأشخاص علقوا داخل مصاعد بعد انقطاع الكهرباء، وهو ما أدى لتصاعد غضب كثير من المواطنين وخصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما انتقدوا قطع خدمة سددوا ثمنها بالفعل ورفعت الدولة عنها الدعم بشكل كامل.

 

أسباب مشكلة قطع التيار الكهربائي

يقول الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي ومستشار وزير التموين، إن انقطاع التيار الكهربائي في مصر يحدث لعدة أسباب: "أولها عدم تخطيط الطاقة بشكل جيد وهو ما كان يستلزم تخطيط الانتاج والاستهلاك لفترات طويلة، والسبب الثاني هو النقص الحاد في الوقود نتيجة اختيار الحكومة للتصدير بدلًا من توفيره محليًا لشركة الكهرباء، علمًا بأن الكهرباء هي المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي في مصر" .

وأضاف نافع في تصريحات لـ"دويتشه فيله" أن "السبب الثالث هو التقديرات المبالغ فيها بشأن حجم إنتاج الغاز الطبيعي في أهم حقل في مصر وهو "حقل ظهر"، حيث زاد معدل الإنهاك أو الاستخراج من الحقل بشكل مرتفع للغاية، ما أدى إلى تراجع معدلات الاستخراج منه، وهو الحقل الذي كان في فترة من الفترات يمثل نحو  40% إنتاج مصر من الغاز الطبيعي".

ويتطابق ما قاله نافع مع تقارير اقتصادية متخصصة تحدثت عن أن زياده معدلات سحب الغاز من حقل ظُهر بما يتجاوز طاقته الإنتاجية القصوى أدت الي تسريب المياه بداخله وبالتالي تراجع الإنتاج منه بشكل كبير.

وقال نافع إنه "عند وضع كل هذه العوامل إلى جانب بعضها البعض سنجد أن المشكلة ليست مشكلة قدرة الشبكة على الانتاج وإنما هي مشكلة الطاقة اللازمة لتشغيل الشبكة"، وأشار إلى أن "شركة الكهرباء المصرية هي أكبر مستهلك للغاز الطبيعي في مصر وبالتالي هي أكبر مدين لوزارة البترول، التي لا تحصل على عوائد توفير الغاز لشركة الكهرباء وهي العوائد اللازمة لشراء الاحتياجات الإضافية من الغاز والوقود".

 

الجدوى الاقتصادية

ويرى خبراء أن هناك مشكلة في عملية التوازن بين قطع الكهرباء وبين توفير الاحتياجات الضرورية.

وفي هذا الشأن، يقول هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، إنه "لا يوجد توازن بالمرة بين الأمرين، فبالنسبة للتدفقات المالية نتيجة صفقة رأس الحكمة فهي أموال لم تدفع كلها بعد، أما الاتفاق مع صندوق النقد والاتحاد الأوروبي فهذه اتفاقيات طويلة الأجل لا ينتج عنها دخول هذه الأموال فورًا للدولة لكنها ستحل جزئيًا نسبة من العجز في الاحتياجات الدولارية على مدار السنوات القادمة، وهي بالتأكيد لا تكفي إطلاقًا لحل الأزمة الاقتصادية".

بدوره يقول مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، إن "المشكلة هي أزمة طاقة أو بالتحديد أزمة غاز طبيعي لأن المازوت يتم اللجوء إليه عندما ينخفض سعره وهي حالات نادرة، كما أن التحويل بين الغاز والمازوت قد يؤثر على كفاءة محطات الكهرباء والشبكات مع الوقت"، لافتًا إلى أن "المشكلة تكمن في سوء التخطيط". وأضاف أن "مصر لديها فائض قدرة إنتاجية من الكهرباء ولكن ليس لديها فائض طاقة وهذا الفائض من الكهرباء هو ما يتم بيعه للدول الأخرى".

وأضاف أنه "لتحديد حجم تأثير قرار قطع الكهرباء على أرض الواقع يجب التمييز بين التكلفة المباشرة وبين تكلفة الفرصة البديلة، وللأسف الشديد فإن وزارة الكهرباء وشركة الكهرباء تحديدًا ومِن ورائِها المجموعة الاقتصادية ينظرون دائمًا إلى التكلفة المباشرة.. ومن أجل تقدير تكلفة الفرصة البديلة والتكاليف غير المباشرة يجب أن يتم ذلك في سياق تخطيطي وليس في سياق سياسة إطفاء الحرائق".

وتابع الخبير الاقتصادي قائلًا: "لذلك نقول إن غياب تخطيط الطاقة كان السبب الأهم والأول والمصدر الرئيس للأزمة، وهو ما جعل الحكومة تلجأ إلى التخطيط المباشر وهو تخفيض الاستهلاك نظرًا للاحتياج إلى الغاز لتصديره والحصول على دولار مقابل بيعه ليتم استخدامه في شراء السلع الأساسية من الخارج، وهذا السلوك يتنافى مع فكرة وجود تخطيط طويل الأجل وهو ما يجعلنا نرى العواقب الحالية في السوق والبورصة".