نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" افتتاحية حول محنة الصحفيين في غزة، بعد مقتل المزيد منهم في النزاع الذي شهد مقتل وجرح العاملين في الإعلام أكثر من أي بلد آخر.

 

وقالت الصحيفة إن الأزمة الإنسانية الكارثية تتعمق في غزة، في الوقت الذي تشنّ فيه إسرائيل غارات جوية على رفح، وسط تحذيرات من هجوم أوسع على المدينة الحدودية في جنوب غزة، حيث أُجبر أكثر من مليون شخص على مغادرة بيوتهم، ويعيشون الآن في خيام مزدحمة، ولذا فإن الكارثة الإنسانية ستزداد سوءا.

 

ولم يتبق أي مكان آمن في قطاع غزة، والتهديد بالمجاعة والأمراض تحوم فوق 2,3 مليون نسمة هناك. ومع تدهور الأوضاع، بات دور الصحفيين الشجعان لإخبار العالم حول ما يجري أكثر أهمية. ولكنهم يواجهون معاناة لا تصدق وخسائر فادحة.

 

وتقول لجنة حماية الصحفيين، إن عدد القتلى بين الصحفيين في الحرب الإسرائيلية على غزة هي الأعلى في أي بلد وفي أي عام منذ بداية توثيق اللجنة مقتل الصحفيين في عام 1992.

 

وحتى نهاية الأسبوع، قالت اللجنة إن حوالي 85 صحفيا وعاملا في الإعلام، قُتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر.

 

ومقارنة مع الحرب في غزة، فقد قتل 69 صحفيا حول العالم في 2022، منهم 15 صحفيا أوكرانياً، وقُتل أقل من 100 صحفي في العام الماضي.

 

وهناك عمليات قتل كانت مقصودة حسب لجنة حماية الصحفيين التي تستند على تقارير “موثوقة” من منظمات إعلامية وحقوق إنسان، قالت إن الجيش الإسرائيلي أغار على جنوب لبنان في 13 أكتوبر مما أدى لمقتل صحفي وكالة رويترز، عصام عبدالله، بطريقة غير قانونية.

 

وتقوم اللجنة بالتحقيق في حالات أخرى. وقدمت منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة أخرى تحقق في قتل الصحفيين بغزة، ملفي شكوى للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم حرب ضد الصحفيين في غزة.

 

ومقتل الصحفيين هو مثل قتل الأطباء وعمال الطوارئ والمدرسين وغيرهم من العاملين المهمين في غزة. وفي أي نزاع، يلعب الصحفيون دورا مهما في نقل فظائع الحرب إلى المشاهدين العالميين، بمن فيهم صناع القرار الذين يجب عليهم قيادة الجهود الدبلوماسية لمنح السلام فرصة وتقديم الإغاثة الإنسانية.

 

وعادة ما يقوم الصحفيون بالكشف عن التفاصيل الأولى للجرائم والمذابح التي تشكل لاحقا أساسا للاتهامات التي يوجهها المدعون. ولأن إسرائيل لا تسمح بدخول الصحفيين إلى قطاع غزة، إلا في حالات معنية ومن خلال رحلات يشرف عليها الجيش الإسرائيلي بدقّة، فإن العالم يعتمد على الصحفيين المحليين لنقل ما يجري هناك.

 

وهؤلاء يعملون في ظروف قاسية لم يسبق له مثيل في نزاعات أخرى. وأجبروا أنفسهم على الرحيل من بيوتهم ومن المناطق المكتظة بالسكان والتي سواها الجيش الإسرائيلي بالتراب. ومعظمهم الآن في رفح. وكغالبية سكان غزة، فمعظم الصحفيين عالقون داخل القطاع المحاصر، حيث ترفض إسرائيل منحهم تصاريح للمغادرة.

 

وهم لا يعملون فقط بل يكافحون هم وعائلاتهم من أجل البقاء على قيد الحياة. ومقارنة مع المصاعب الشديدة التي تواجه الصحفيين المحليين والأجانب الذين يغطون معاناة غزة، فقد منحت إسرائيل تصاريح عمل إلى حوالي 2,800 صحفي أجنبي وصلوا إلى إسرائيل منذ أكتوبر.

 

ويجب على الدول الأجنبية زيادة الضغوط على إسرائيل وعلى مصر في الجنوب لفتح الباب أمام الإعلام الأجنبي. ويجب الضغط على كل أطراف النزاع من أجل حماية الصحفيين كمدنيين، وتذكيرهم بأن استهداف الصحافيين عن قصد هي جريمة حرب. فخسارة الكثير من الصحفيين وتدمير مكاتب الإعلام، هو تحطيم لأسس إعلام فاعل بعد نهاية الحرب. وهي مثال آخر عن الضرر الذي لحق بالنسيج المادي والاجتماعي في غزة. وبدون وقف فوري للنار، فلن يتبقى شيء.