رفعت محكمة العدل الدولية جلستها، أمس الجمعة، بعد الاستماع للفريق القانوني الإسرائيلي في قضية ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وعلقت جنوب إفريقيا صاحبة الدعوى على مرافعة إسرائيل بأن تل أبيب أخفقت في الرد على الأدلة المقدمة.

وتشير الدعوى المؤلفة من 84 صفحة إلى أن إسرائيل أخفقت في تقديم الأغذية الأساسية والمياه والأدوية والوقود، وتوفير الملاجئ والمساعدات الإنسانية الأخرى لسكان القطاع، وفقًا لـ"الجزيرة".

وسيقوم قضاة المحكمة ببحث حجج الطرفين بعدما استمعوا الخميس إلى المسوغات والأدلة التي قدمتها جنوب إفريقيا، ثم الرد الإسرائيلي الجمعة.

ومن المنتظر أن تصدر المحكمة خلال الشهر الجاري حكمًا بشأن قرار عاجل محتمل يأمر إسرائيل بوقف الحرب، لكنها لن تبتّ سريعًا في اتهامات الإبادة الجماعية لأن هذه المسألة قد تستغرق سنوات.

ويشن الجيش الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر الماضي، حربًا مدمرة على غزة خلّفت حتى اليوم السبت "23 ألفًا و843 شهيدًا و60 ألفًا و317 مصابًا"، معظمهم أطفال ونساء، ودمارًا هائلًا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقًا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

 

7 تداعيات مختلفة

ومن بين التداعيات التي تخشاها إسرائيل، أن تمهد أي إدانة لها في محكمة العدل لمحاكمة قادة ومسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية (في لاهاي أيضًا)، والإضرار بمكانة إسرائيل، وخلق رأي عام مناهض، وزيادة المقاطعة لها، والامتناع عن تزوديها بأسلحة، وفرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها، إلى جانب قطع علاقات سياسية واقتصادية معها، بحسب معهد بحثي وصحيفتين إسرائيليين.

 

دولة منبوذة

وقال معهد "ديمقراطية إسرائيل"، في دراسة، الأربعاء، إن "قضية جنوب إفريقيا تمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل، وتتعامل معه تل أبيب بجدية وتستثمر موارد قانونية ومالية كبيرة في القضية".

وتابع: "ولزيادة فرص نجاحها، يجب على إسرائيل أن تتصرف بقوة أكبر ضد الدعوات التي تطلقها شخصيات عامة (إسرائيلية) من وقت إلى آخر ويمكن تفسيرها حرفيًا على أنها دعوات للإبادة الجماعية"، وفقًا لـ"الأناضول".

المعهد اعتبر أن "طلب جنوب إفريقيا جزء من الجهود المستمرة التي يبذلها الفلسطينيون والعديد من الدول لوضع إسرائيل كدولة منبوذة".

وأردف أن "خسارة القضية يمكن أن تضع إسرائيل في موقف إشكالي للغاية على الساحة الدولية.. والمحكمة تتمتع بسلطة إصدار "تدابير مؤقتة" في الحالات العاجلة، وقد تكون هذه التدابير غامضة إلى حد ما".

وكمثال على ذلك احتمال "إصدار المحكمة أمر لإسرائيل بعدم ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو بوقف إطلاق النار فورًا، أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل غير محدود"، كما زاد المعهد.

وقال إنه "يبدو أن التركيز الرئيس لإسرائيل في الإجراءات ينصب على ضمان عدم النظر إلى الإجراءات التي تتخذها المحكمة على أنها تدخل في المجهود الحربي في غزة".

واستدرك: "لكن بينما ليس لدى المحكمة قوة شرطة أو عسكرية لتنفيذ أحكامها، إلا أنه إذا انتهكت إسرائيل أوامر أو أحكام المحكمة، فستنظر إليها دول عديدة من منظور سلبي للغاية، ما سيُضر بمكانة إسرائيل في الساحة الدولية، وقد تمتنع دول عديدة عن بيع أسلحة لإسرائيل".

 

كرة ثلج خطيرة

فيما قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن "المحكمة تستمتع إلى الالتماسات أمام لجنة كاملة مكونة من 15 قاضيًا من مختلف البلدان، وجلسات الاستماع تستمر لسنوات، لكن جنوب إفريقيا طلبت أيضًا تدابير مؤقتة (لحين البت في القضية)، أي إصدار أمر لإسرائيل بوقف القتال فورًا"، بحسب تقرير الثلاثاء.

ورأت أن "فرص نجاح مثل هذا الطلب غير واضحة، ويمكن للمحكمة أيضًا أن تصدر تدبيرًا أكثر تساهلًا يأمر إسرائيل بوقف الأعمال التي تعرض المدنيين للخطر، وهو يحمل المعنى نفسه".

واستدركت: "لكن، بينما ليس لأمر كهذا تأثير مباشر على إسرائيل، إلا أنه قد يدفع بعض الدول إلى الاستشهاد به في مجلس الأمن في جهودها لفرض عقوبات عسكرية واقتصادية على إسرائيل".

وتابعت: "من المحتمل أيضًا أن تنظر إليه دول ومنظمات مختلفة على أنه تأكيد على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين وتستخدمها كذريعة لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية".

وواصفة الأمر بأنه "مثل كرة ثلج خطيرة"، حذرت الصحيفة من أن "أعداء إسرائيل سيستغلونها بالتأكيد في وسائل الإعلام المختلفة والجامعات لخلق رأي عام مناهض لإسرائيل".

واعتبرت أن "مثل هذا الضغط يمكن أن يؤثر حتى على إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن (الداعم لتل أبيب في حربها على غزة) إلى درجة أنها قد تقيد مبيعات أنظمة الأسلحة لإسرائيل".

وتابعت: "ويمكن أن تؤدي كذلك إلى إجراء تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية ربما يُتوج بمحاكمة القادة الإسرائيليين وضباط الجيش الذين شاركوا بالحرب".

 

مقاطعة وعقوبات

و"على الرغم من أنها لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، إلا أن إجراءات المحكمة، مثل الأمر بوقف الحرب فورًا، من شأنها أن تثبت أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية، مما يتسبب في عزلتها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها أو ضد الشركات الإسرائيلية"، وفقًا لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الخميس.

وتابعت: "كما يمكن للإجراءات غير الرسمية في المحكمة أن تؤثر على الإجراءات في المحكمة الجنائية، فإذا تقرر في محكمة العدل أن إسرائيل ترتكب أعمالًا تشكل إبادة جماعية، فيمكن للمدعي العام في المحكمة الجنائية النظر في اتخاذ خطوات ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين لتورطهم في هذه الأعمال".

الصحيفة لفتت إلى أنه في حال أمرت المحكمة بوقف إطلاق النار في غزة فإن "أمر المحكمة يُلزم إسرائيل (قانونًا)، باعتبارها دولة موقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".

واستدركت: "ولكن يمكن لإسرائيل أيضًا أن تقرر عدم تنفيذ الأمر (المؤقت) أو الادعاء بأن الخطوات المطلوبة ليست ذات صلة".

وشدت على أنه في هذه الحالة "ستكون الدول الأخرى مسؤولة عن اتخاذ إجراءات خاصة بها ضد إسرائيل، على المستوى الدولي".

 

3 عناصر ستؤثر على قضاة العدل الدولية

ومن جهته، قال الأكاديمي اليهودي والباحث في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نورمان فينكلشتاين، إن هناك 3 عناصر أساسية من شأنها أن تؤثر على كل قاض عند اتخاذه قرارًا بشأن دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حربها على قطاع غزة.

وأوضح فينكلشتاين، في مداخلة عبر قناة الجزيرة أن أول هذ العناصر يتمثل في ما تكشفه الوقائع القانونية التي تسوقها الأطراف في المحاكمة، والثاني في الضغوطات السياسية التي ستمارس على كل عضو من طرف دولته، وأخيرًا تأثر مصداقيته كقاض في المحكمة ومصداقية المحكمة بصورة عامة، إذا صدر حكم يخالف التصورات الشعبية للقضية.

ولم يستبعد أن تمارس اللوبيات اليهودية ضغطًا لعدم صدور حكم ضد إسرائيل، إلا أنه يرى أن هذه الضغوطات ستمارس على مستوى الحكومات المختلفة تجاه القضاة التابعين لها.

وحول ما إذا كانت صورة إسرائيل ستتضرر في حال صدر حكم ضدها من طرف المحكمة، أكد الأكاديمي اليهودي أن الصورة قد تضررت ضررا دائما بالفعل، بسبب ما ترتكبه في غزة من إبادة جماعية، ثم لمجرد النظر في القضية أمام المحكمة حتى وإن لم يصدر حكم ضدها.

ويرى فينكلشتاين أنه في حال صدر حكم من محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، فإن ذلك سيسبب "انزعاجًا بدرجة معينة" للرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، حسب تعبيره.