كشفت وسائل إعلام إسرائيلية وفلسطينية، أن جيش الاحتلال الاسرائيلي أبلغ مصر نيته احتلال منطقة "محور فيلادلفيا" الحدودية بين قطاع غزة ومصر، القريبة من معبر رفح، وبدأ عملية عسكرية هناك بالفعل.

ونقلت "شبكة قدس" الفلسطينية عن مصادر، قولها إن الاحتلال الإسرائيلي أبلغ مصر، أمس السبت 23 ديسمبر 2023، نيته احتلال منطقة الحدود في محور "فيلادلفيا" على الحدود بين رفح وقطاع غزة، وطلب من الجنود المصريين إخلاء الحدود. وأضافت الشبكة أن الاحتلال أخبر مصر بأنه "غير مسؤول عن سلامة أي جندي مصري خلال محاولته احتلال الحدود معها، وأن العملية العسكرية في المنطقة مستمرة سواء قبلت مصر أو رفضت".

 

ما هو محو فيلادلفيا؟

قال رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية، العميد سمير راغب، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج الحكاية، تقديم الإعلامي المقرب من الجهات الأمنية عمرو أديب، إن قطاع غزة له حدود مع مصر تمتد لـ 14 كيلومترًا.

وأشار العميد سمير راغب أنه قبل العام 2005 كانت هناك منطقة فاصلة بين القطاع والحدود المصرية وهو «محور فيلادلفيا - صلاح الدين» والذي كان يحتله الجانب الإسرائيلي في الفترة التي كان يحتل فيها القطاع.

وأضاف راغب، أنه بعد توقيع اتفاقية فك الارتباط، انسحب الجيش الإسرائيلي من منطقة فيلادلفيا - صلاح الدين، على أن تتولي الدولة المصرية مع السلطة الفلسطينية السيطرة على هذا المحور كلٍ من جانبه.

وأكد رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية، أن محور فيلادلفيا يقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأشار إلى أن أهمية محور فيلادلفيا تتلخص في وصول المساعدات إلى معبر كرم أبو سالم ومن ثم دخولها قطاع غزة، مشيرًا إلى أن أي توترات في هذه المنطقة قد تعطل معبر كرم أبو سالم ومن ثم تعطيل دخول المساعدات من معبر رفح، وفي حالة احتلال الجانب الإسرائيلي لهذه المنطقة سيكون الاحتلال مسؤولًا عن كل شيء داخل قطاع غزة سواء على مستوى دخول المساعدات أو حتى الأفراد.

يقع المحور بالكامل في المنطقة منزوعة السلاح (ج) التي نصت عليها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، وتم الاتفاق بين مصر و"إسرائيل" على اعتبار هذا المحور منطقة عازلة، حيث كانت إسرائيل تسيطر على المحور حتى عام 2005، عندما انسحبت من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، وفقًا لـ"بي بي سي".

في عام 2005، وقعت إسرائيل ومصر اتفاق فيلادلفيا، الذي يسمح لمصر بنشر 750 فردًا من حرس الحدود لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية الأخرى على الحدود، وأيضًا الهجرة بين المنطقتين.

في عام 2006، قامت حركة حماس بخطف جندي إسرائيلي عبر أحد الأنفاق، مما أدى إلى حرب 2006 بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.

في عام 2009، قامت إسرائيل بشن عملية الرصاص المصبوب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، واستهدفت المحور والأنفاق بالقصف الجوي والبري.

 

لماذا تريد "إسرائيل" احتلال إعادة احتلال هذه المنطقة؟

بعد سيطرة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" على الحكم في غزة عام 2007، أصبح المحور خاضعًا لها من الجانب الفلسطيني، وهو الوضع الذي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تغييره في الحرب الحالية، ضمن خطة يسعى خلالها للسيطرة على جميع المعابر البرية الخاصة بقطاع غزة.

وكان الفلسطينيون يلجأون إلى حفر أنفاق تهريب تحت محور صلاح الدين لإدخال وتهريب الطعام والشراب والسلع الغذائية خلال سنوات الحصار، وكذلك تهريب السلاح بمساعدة من بعض المصريين على الطرف الآخر، حيث ظلت الأنفاق لسنوات، من أهم طرق دخول السلع إلى القطاع، وفقًا لـ"عربي بوست".

وفي يناير 2008، ومع اشتداد الحصار على سكان قطاع غزة من قبل "إسرائيل"، قام عدد من المسلحين الفلسطينيين بتدمير أجزاء من الجدار الحدودي مع الشريط الحدودي بالقرب من مدينة رفح. وتدفق على أثر هذا الفعل الآلاف من سكان قطاع غزة إلى الأراضي المصرية؛ للبحث عن الطعام والمؤن. وأفادت وكالة رويترز بأنه منذ ذلك الحين يفكر الجيش الإسرائيلي في استعادة احتلال منطقة محور فيلادلفيا؛ "من أجل السيطرة على كافة حدود القطاع ومنع حماس من إعادة التسلح".

 

تدمير السيسي للأنفاق وبناء جدار فولاذي جديد ليسا كافيين بالنسبة لـ"إسرائيل"

لكن بعد انقلاب الجيش المصري على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي في عام 2013 ووصول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لسدة الحك، قرر الأخير على الفور في أكتوبر 2014، إزالة المنطقة السكنية بمدينة رفح المصرية لحماية الحدود المصرية، و"للحد من خطر الأنفاق الممتدة منها حتى رفح الفلسطينية"، بحسب قراره.

وتم تنفيذ الإزالة على 4 مراحل بواقع 500 متر لكل مرحلة، بدأت من أكتوبر 2014 حتى نوفمبر 2017، ونفذ الجيش المصري حملة كبيرة لحفر قناة عرضية من ساحل البحر شمالًا حتى معبر رفح جنوبًا؛ للتأكد من قطع الإمداد عن الأنفاق وتدميرها كليًا.

وبعد ذلك بنى السيسي جدارًا فولاذيًا؛ لإحكام قبضته الأمنية أكثر على تلك المنطقة، في تكريس لمنطقة عازلة موازية على الأراضي المصرية؛ لمنع أي محاولة مستقبلية للتسلل أو تهريب بالاتجاهين٬ ولتأكيد ذلك تم تهجير سكان منطقة رفح المصرية بالكامل وإفراغها من أي سكان مع رفض أي مطالبات بإعادتهم إلى أحيائهم السابقة.

لكن ذلك لم يكن كافيًا لإسرائيل، التي لا تزال تعتقد أن حماس قادرة على تهريب السلاح وكل ما تحتاجه عبر الأراضي المصرية. لذلك تهدد تل أبيب منذ بداية الحرب بإعادة احتلال محور فيلادلفيا والمنطقة العازلة بأكملها٬ رغم أن ذلك لم يكن احتلالًا لأراض فلسطينية فحسب، بل سيكون تعديًا أمنيًا على مصر وعلى اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، أو سيكون بتنسيق أمني مشترك بين الطرفين بنية تشديد الحصار على القطاع والمقاومة بداخله.

 

"قوات مشتركة"

تأتي العمليات العسكرية الإسرائيلية في منطقة محور فيلادلفيا، بعد أيام من زيارة وفد استخباراتي إسرائيلي للقاهرة للمفاوضة حول إدارة الدعم الإنساني والإغاثي للقطاع، حيث قالت هيئة البث الإسرائيلية، الإثنين 18 ديسمبر، إن القاهرة خلال لقاء الوفد الإسرائيلي رفضت نشر قوات مشتركة مع "إسرائيل" على محور فيلادلفيا (صلاح الدين) الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وأكدت أن "المنطقة خالية من أي أنفاق".

وأضافت هيئة البث الإسرائيلية: "أثار قصف إسرائيلي متكرر لمحور فيلادلفيا مؤخرًا، المُتاخم للشريط الحدودي بين مصر و"إسرائيل"، حفيظة القاهرة، لا سيما أن المحور يخضع لاتفاقية ثنائية تستوجب الحصول على إذن مسبق قبل تنفيذ أي أعمال عسكرية".

وتابعت: "تؤكد السلطات المصرية أن إسرائيل قامت بهذه الخطوة دون الرجوع إليها والتنسيق معها، علمًا بأن المسؤولين المصريين كرروا خلال لقاءاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين ضرورة إبعاد العمليات العسكرية عن هذه المنطقة، جراء تأثيرها المباشر على الوضع في سيناء".