استنكر سياسيون وحقوقيون وقادة رأي ونشطاء تصريحات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، التي أكد فيها على رغبته في سحق حماس والمقومة الفلسطينية، والتي وصف أعمالها بالإرهاب في حين أنه لم يصف اعتداء الصهاينة على الشعب الفلسطيني بذلك.

وقال السيسي خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة أمس الأربعاء: "إذا كانت هناك فكرة للتقدير، فتوجد صحراء النقب التي يمكن أن يتم نقل الفلسطينيين إليها إلى حين انتهاء إسرائيل من خطتها المعلنة في تصفية المقاومة أو القضاء على الجماعات المسلحة، حماس والجهاد وغيرهما، ثم ترجعهم إذا شاءت".

 

أعمق من إسرائيل

وأعادت تصريحات السيسي بشأن "المقاومة الفلسطينية" موقف الإعلام المحلي من المقاومة في حرب صيف عام 2014، مع الأيام الأولى لتوليه السلطة وظلت الحرب مستعرة في قطاع غزة قرابة 50 يومًا والتي بارك فيها آلة الحرب الإسرائيلية في "إبادة المقاومة".

وانتشرت موجة عداء غير مسبوقة في الإعلام، الذي تهيمن عليه أجهزة الدولة الأمنية وعلى رأسها المخابرات العامة، وترددت تصريحات تهاجم المقاومة وتذمها وتدعو إلى إبادتها وتحملها أسباب الحرب ودماء آلاف الشهداء والمصابين.

وأدهش الموقف الرسمي الجديد دولة الاحتلال، وقال رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الجنرال، عاموس جلعاد: "نحن لا نتحدث فقط عن تطابق مطلق في المصالح بيننا وبين المصريين بشأن الحاجة إلى القضاء على حركة حماس، بل إن الدوافع التي تحث الجانب المصري على تحقيق هذا الهدف أكثر تشعبًا وأعمق من الدوافع التي تحركنا".

وقالت وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، إن "هناك تفاهمًا بيننا وبين المصريين على خنق حماس، ونحن متفقون على أن هذه نتيجة أي مفاوضات على وقف إطلاق نار دائم بيننا وبين غزة".

 

دوافع قديمة

وقال الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، "إذا كانت تصريحات السيسي كارثية بالنسبة للفلسطينيين فإن الكارثة الأكبر هي العقلية التي يفكر بها واستعداده لتبني سياسة التهجير ضد أي مكون اجتماعي في مصر، سبق وفعلها في سيناء، مَنْ أمر بذبح المصريين في رابعة ليس لديه مانع في ذبح أي شعب في أي مكان".

وتابع عبد الشافي: "مجرم الحرب الأول فيما يحدث في غزة ليس نتنياهو أو بايدن أو ترامب أو بوش أو من سيأتي سبقهم وسيأتي بعدهم مجرم الحرب الأول فيما يحدث: هو النظام المصري، هو الجيش المصري، هو سلطة محمود عباس، هو النظام الأردني، هو النظام السعودي، هو النظام الإيراني؛ لأن هذه النظم تمتلك من الإمكانيات والقدرات ما تستطيع به إزالة إسرائيل من الوجود، ليس فقط من باب الدفاع عن فلسطين وأمنها القومي، ولكن من باب أن بقاء وتمدد إسرائيل هو تهديد للأمن القومي لهذه الدول إن كان حكامها يهمهم أمن دولهم، وليس فقط أمن كراسيهم وعروشهم.. اللهم لك الأمر ومنك النصر والتمكين لعبادك المخلصين".

 

اجتثاث المقاومة

قال عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري سابقا، محمد عماد صابر، "السيسي كان واضحًا في حديثه الأخير: المقاومة الفلسطينية في غزة إرهابية، ولدى إسرائيل الحق في القضاء عليها، كما لا يمانع مبدئيا فكرة تهجير أهل غزة وبذلك اقترح صحراء النقب - أصلا أرض محتلة- كبديل عن سيناء حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها (القضاء على حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة) مثله مثل بعض الأنظمة العربية تماشيًا مع مشروع (صفقة القرن) وقيادة إسرائيل للمنطقة والقضاء على فكرة أي حراك شعبي أو أي مقاومة في المنطقة".

وأضاف صابر، في حديثه لـ"عربي21": "هم يريدون شعوبًا خانعة مستسلمة تمامًا تحت حكمهم واستبدادهم تمامًا كخنوعهم أمام أسيادهم الغربيين.. فكل ما يخشاه زعماء العرب هو إقدام إسرائيل على ارتكاب مجازر وحشية أثناء تهجير أهل غزة، الأمر الذي من شأنه أن يحرك الشارع العربي والإسلامي ويشكل خطرًا على عروشهم في ظل تواطؤ تلك الأنظمة العربية التي أدمنت الخيانة والعمالة والانبطاح أمام أسيادهم الغربيين".

وأعرب صابر عن اعتقاده بأنه "لن يفلح المخطط الصهيوني في اجتثاث المقاومة في غزة، ولو اجتمع عليها التحالف الصهيو صليبي وأعوانهم من أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية، هذه لحظة تاريخية عصيبة ستمر كما مرت شدائد غيرها، وكنا ظننا وقتها أنها لن تمر، وقد مرَت، ولكن الحرب هذه المرة تختلف عن الحروب الأخرى، ولها ما بعدها، واهتزازاتها عابرة للحدود، فهذه الحرب على وشك أن تتوسع، والمناوشات بين حزب الله وإسرائيل تتزايد شيئًا فشيئًا على الحدود اللبنانية - الفلسطينية المحتلة".‌

 

سياسة التفريط

وفي السياق نفسه، انتقد الدكتور أحمد عبد العزيز، المستشار الإعلامي للرئيس المصري الراحل، تصريحات السيسي مشيرًا إلي أنها تنسجم مع نهج السيسي التفريطي في كل شيء متسائلا ألم يفرط في جزيرتي تيران وصنافير من أجل كم شوال رز؟

وتابع عبد العزيز تساؤلاته عليى منصة "إكس"، "ألم يفرط في مياه النيل، حتى يضطر الشعب المصري إلى الموافقة على تقاسم حصته من مياه النيل مع الكيان الصهيوني، وإلا فالموت عطشًا؟ ألم يفرط في مساحات هائلة من مياه مصر الاقتصادية في البحر المتوسط لصالح الكيان الصهيوني وقبرص واليونان نكاية في تركيا، وفقدت مصر بذلك مخزونًا هائلًا من الغاز؟! ألم يفرط في سيادة مصر، ويضعها في موقع التابع المتسول لدول الخليج؟".

تفريط.. تفريط.. تفريط فماذا تنتظرون منه؟ هل تنتظرون منه أن يطالب أهل غزة بالصمود؟ هل تنتظرون منه أن يفتح معبر رفح، ويُدخل المساعدات الإنسانية لأهل غزة رغمًا عن أنف الكيان الصهيوني؟ هل تنتظرون منه أن يسمح لملايين المصريين بالزحف إلى حدود غزة!"

 

حرصًا على إسرائيل

من جانبه أكد الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامي، محمد إلهامي، بأن  تصريحات السيسي في المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني، ربما هي الأكثر صراحة ووضوحًا في هذا الملف.. يبدو أن الضغوط عليه لم تسمح له حتى بانتقاء الكلمات..

وأضاف في تغريدة له علىي منصة "إكس"، "هو في هذه التصريحات بدا كما لو أنه وزير يهودي في حكومة الحرب الإسرائيلية، إلا أنه يختلف معهم في فكرة التهجير إلى مصر.. لا دفاعًا عن الشعب الفلسطيني ولا حرصًا على المدنيين بل حرصًا على إسرائيل نفسها، وعلى استقراره هو في حكم مصر".

وتابع قائلًا "تمامًا مثلما يختلف الوزراء الإسرائيليون معا حول فكرة “الاجتياح البري”، لا يفعلون ذلك لا رحمة ولا شفقة بالناس بل تقديرًا لمصالحهم هم".

ولفت إلىي أن تصريحات السيسي تضمنت عبارات خطيرة، من المهم أن نستوعبها جيدًا، فمن ذلك مثلًا أنه ألقى باللائمة على إسرائيل التي لم تستطع طوال الفترة الماضية كسر البنية العسكرية لحركات المقاومة، فتحت سيطرتها حصل كل هذا النمو العسكري الذي أنتج لها هذه الكارثة.. فهذا ذنبها، ولا يجب الآن أن تحل مشكلتها على حسابي أنا".

ومن ضمن هذه التصريحات تعليقه بأن من أسباب فشلها هذا أنها لم توافق على إنشاء دولة فلسطينية “هذا حتى الآن أعظم وأقوى اعتراف بأن الدولة الفلسطينية المنشودة مهمتها حماية إسرائيل وسحق المقاومة”، ورفضت كل المبادرات التي عرضت عليها بحل الدولتين.. وبالتالي لم تعد لدينا دولة فلسطينية، وحصلت هذه الكارثة!

واستهجن إلهامي بشدة تأكيد السيسي على أنه إذا كانت إسرائيل تفكر في التهجير، فلتنقلهم إلى صحراء النقب حتى تستكمل قضاءها على حماس والجهاد الإسلامي ثم تعيد الفلسطينيين إلى غزة مرة أخرى، لافتًا إلىي أن السيسي في هذا الخطاب لم يهتم أن يضبط مصطلحاته، فقال بكل صراحة: حتى تقضي إسرائيل على (المقاومة).. على (الحركات المسلحة).. وقال أيضًا: سيقومون بعمليات (إرهابية) ضد إسرائيل.

وأوضح "أنا أكتب الآن من الذاكرة، لكن مَنْ عاد إلى الخطاب سيرى رجلًا صهيونيًا تمامًا، يتكلم عن المقاومة باعتبارها إرهابًا، وعن حق إسرائيل في القضاء عليها، وعن لوم إسرائيل في عدم القضاء عليها طوال السنين الماضية".

وتعد هذه أول مرة يقترح فيها رئيس مصري أو عربي تهجير الفلسطينيين من أماكنهم إلى مناطق أخرى لحين انتهاء دولة الاحتلال من مهمتها العسكرية في القضاء على المقاومة في قطاع غزة، ما أثار ردود فعل غاضبة واسعة، في الشارع المحلي والعربي.

في فبراير 2015 قضت محكمة مصرية بإدراج حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) كجماعة إرهابية وذلك بعد نحو شهر على صدور حكم آخر باعتبار الجناح العسكري للحركة جماعة إرهابية، قبل أن تلغيه محكمة أخرى في وقت لاحق.