لم تتحسن الظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطنون في مصر عند الاستعداد لإجراء انتخابات الرئاسة 2023، عن تلك الظروف التي مروا بها في الانتخابات الرئاسة 2018، وإنما ازداد الوضع الاقتصادي سوءًا وتراجعًا من ناحية، وقلّ الدعم المالي العربي من ناحية أخرى.

وخلال ولاية قائد الانقلاب السيسي الثانية تضاعف الدين الخارجي لمصر، وبلغ التضخم أرقاما قياسية جديدة، بعد تخفيض قيمة الجنيه أكثر من مرة.

 

قيمة الجنيه

ففي نوفمبر 2016، وبناء على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، تم تحرير الجنيه ليبلغ الدولار الأمريكي الواحد نحو 14 جنيهًا تقريبًا بعد أن كان بسبعة جنيهات تقريبًا.

وفي 2022، كان الدولار قد وصل إلى نحو 16 جنيهًا لكن تم تخفيض قيمته بعد ضغط من الصندوق ليبلغ الدولار 31 جنيهًا حاليًا رسميًا، بينما يجري تداوله منذ شهور عند نحو 40 جنيهًا في السوق السوداء. 

وأدّى تراجع قيمة الجنيه في العام 2016 إلى تقليص الأجور الحقيقية بنسبة 40% على مدى السنوات الثلاث التالية، ما رفع معدل الفقر ليشمل أكثر من 30% من السكان، بحسب مركز كارنيجي للشرق الأوسط.

الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي

أزمة الغلاء وارتفاع التضخم

أما خفض قيمة العملة بالمقدار نفسه تقريبًا، في عام 2022، أدى إلى تداعيات أيضًا، حيث سجل التضخم رقما قياسيًا جديدًا، في أغسطس، إذ بلغ حوالي 40%، ليصل بذلك إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في الشهرين السابقين.

وبالمقارنة مع ما قبل انتخابات الرئاسة التي أجريت في مارس 2018، كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قد أعلن عن أن معدل التضخم السنوي لشهر فبراير 2018 وصل إلى 14.3%، مقابل 31.7% معدل التضخم السنوي للشهر المماثل في 2017)، وبعد أن كان المعدل السنوي قد سجل 17% خلال يناير 2018.

وجاء هذا التضخم مدفوعًا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4% على أساس سنوي.

وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاعًا سنويًا بنسبة 15.2 في المئة في أسعار النقل، و23.6 في المئة بأسعار الملابس، و57.6% في المشروبات الكحولية والدخان.

وفرضت أزمة الغلاء وارتفاع نسب التضخم على الساحة في الشارع المصري الآن، إذ أصبح المواطنون يتداولون تدهور الوضع الاقتصادي في أحاديثهم اليومية وعلى وسائل الإعلام وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن مصر لم تشهد أبدًا انخفاضًا في الأسعار، ولو بشكل قليل، مثلما حدث في بقية العالم، مشيرًا إلى أن "ما يحدث من غلاء، ليس تضخمًا بقدر ما هو ارتفاع لتكلفة المعيشة نتيجة تآكل العملة المحلية"، وفقًا لموقع "الحرة".

 

الدين الخارجي

وقبل شهرين من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مارس 2018، كان الدين الخارجي قد تزايد ليصل إلى 79 مليار دولار، بحسب تحليل حينها لمعهد واشنطن، محذرًا من أن هذا الرقم "يدق ناقوس الخطر".

لكن بعد نحو ست سنوات، تضاعف هذا الرقم ليصل إلى 165.4 مليار دولار، والتي يتعين على مصر سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار العام المقبل، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط و"رويترز".

وتضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير، في ظل المشاريع الكثيرة لقائد الانقلاب السيسي، والتي هي بدون جدوى ولن تفيد المواطن المصري من محدودي أو متوسطي الدخل فضلاً عن الفقراء والمعوزين.

وتنفق الحكومة أكثر من 40% من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، وفق وكالة "رويترز".

وتعد مصر الآن واحدة من الدول الخمس الأكثر تعرضًا لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، وفقا لوكالة "موديز".

وفي تحليل لمركز كارنيجي للشرق الأوسط في مايو الماضي، ذكر أنه "منذ العام 2014، بلغت صادرات السلع والخدمات حوالي 50 مليار دولار سنويًا (في المتوسط، 15% فقط من الناتج المحلي الإجمالي)، وما يثير القلق أن مناخ الأعمال كان سيئًا للغاية لدرجة أن الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه في العام 2016 فشل في إثارة استجابة لتعويض نقص المعروض السلعي وتحقيق زيادة مستدامة في الصادرات".

وأضاف التحليل أن "هذا مهم بشكل خاص لأن الدين الخارجي نما بنحو 100 مليار دولار في الفترة نفسها، وكانت الفجوة بين الفوائد المستحقة على الدين الخارجي والقدرة على السداد وفقًا لإيرادات التصدير آخذة في الاتساع بشكل كبير تقريبًا، ولا سيما منذ العام 2016"، مشيرًا إلى "هذه الفجوة بين زيادة الاقتراض وعدم ارتفاع القدرة على السداد تقع في صُلب الأزمة المالية الحالية".

الاقتراض والصادرات قبل وبعد برنامج صندوق النقد الدولي لعام 2016

خنق الشعب المصري

وترى وكالة "بلومبيرج" أنه تم تحديد موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية في وقت أبكر مما كان متوقعًا، موضحة أن النظام في مصر يواجه ضغوطًا لخفض قيمة الجنيه، واتخاذ خطوات أخرى لإنهاء الأزمة الاقتصادية وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرايبورج الألمانية، سليم عبد الفتاح، "إن "النظام الحالي في مصر يدرك تقلص شعبيته في الفترة الأخيرة نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والإنفاق على مشاريع بدون جدوى فعلية، فضلاً عن فشله في إدارة الملفات التي تتعلق بالأمن القومي وعلى رأسها ملف سد النهضة".

وأضاف أنه مع زيادة نسب التضخم وارتفاع الديون الخارجية بشكل كبير وعجز الميزانية، وما أتبع ذلك من ارتفاع شديد في أسعار جميع المنتجات والسلع والخدمات، لم تتبق حلول أمام السلطة الحاكمة سوى اتخاذ المزيد من القرارات الاقتصادية التي "ستخنق الشعب المصري بشكل أكبر وعلى رأسها تخفيض قيمة الجنيه وزيادة الفائدة".

 

تراجع الدعم المالي العربي

ويرى النحاس أن "هناك فرقًا كبيرًا جدًا بين الانتخابات الحالية والسابقة، حيث كانت الدول العربية تقف بجانب السيسي كما كان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يدعمه من خلال فتح أبواب المؤسسات الدولية له والمزيد من الاستثمارات والمنح والحوافز، بعكس الوضع الحالي، حيث رفعت الدول العربية يدها فضلاً عن أن المؤسسات الدولية لديها بعض المحاذير والمخاوف".

ويعتبر النحاس أن "الانتخابات القادمة هي بمثابة دخول بوابة نحو المجهول"، موضحًا أنه "من غير المعلوم ما إذا كانت المؤسسات العالمية والدول العربية ستساند الفائز أيا كان، أم ستطالبه بالديون التي تم اقتراضها خلال العقد الأخير، ولن تقف بجواره أو مساندته فيما هو قادم".

وأعلنت هيئة الانتخابات، أن السباق الرئاسي سيجرى من 10 إلى 12 ديسمبر، أي قبل قرابة أربعة أشهر من انتهاء الولاية الحالية للسيسي، مطلع إبريل المقبل، وفقًا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات.

 

7 مرشحين لانتخابات الرئاسة

وأعلن 7 شخصيات من بينهم 5 رؤساء أحزاب، عن ترشحهم في انتخابات الرئاسة التي ستُجرى من 10 إلى 12 ديسمبر 2023.

وهذه الشخصيات هي: قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أحمد طنطاوي، رئيس حزب تيار الكرامة السابق، وعبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد الليبرالي، وحازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وأحمد الفضالي، رئيس حزب السلام الديمقراطي، وفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وجميلة إسماعيل، رئيسة حزب الدستور.

ولقبول الترشح للانتخابات الرئاسية، يجب أن يزكى المترشح 20 عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، وفى جميع الأحوال لا يجوز تزكية أو تأييد أكثر من مترشح.

وحتى الآن، لم يعلن سوى ثلاثة من المرشحين إنهم نجحوا بالفعل في الحصول على تزكية من 20 نائبًا في البرلمان، الحد الأدنى الذي يحدده القانون للترشح، وهم يمامة وعمر وزهران.

ولاتزال إسماعيل تسعى للحصول على تزكيات النواب من أجل خوض سباق الترشح للانتخابات.

لكن مرشحًا واحدًا اختار طريقًا مختلفًا، وهو الطنطاوي، نائب البرلمان السابق، 44 عامًا، والذي قرر أن يجمع توكيلات شعبية لدعم ترشحه.

ويحتاج الطنطاوي إلى 25 ألف توكيل من 15 محافظة، طبقًا للقانون، لاستيفاء أوراق ترشحه للرئاسة. ومنذ أسبوع، يجوب الطنطاوي البلاد لتشجيع أنصاره الذين يتوجهون إلى مكاتب الشهر العقاري لتحرير التوكيلات الرسمية المطلوبة.