هدد سيناتور ونائب أمريكيان بارزان خلال الأيام الماضية، بحجب المساعدات العسكرية عن مصر، عقب الاتهامات التي طالت رئيس لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، تزعم تعرضه لـ "ضغوط" من القاهرة، والتي بلغت حد تنحيه عن منصبه خلال إجراءات المحاكمة.

ولوح بن كاردين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، السبت، بحجب المساعدات إذا لم تتخذ القاهرة "خطوات ملموسة ومجدية ومستدامة" لتحسين حقوق الإنسان في البلاد.

وقال كاردين في بيان إنه "من الضروري أن نواصل محاسبة الحكومة المصرية وكافة الحكومات على انتهاكاتها لحقوق الإنسان".

أتى هذا بعد تصريحات مماثلة من العضو الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، غريغوري ميكس، الجمعة، الذي قال إنه طلب من وزارة الخارجية "تعليق" جزء من التمويل العسكري الأمريكي لمصر المرتبط بمعايير حقوق الإنسان.

5 مكاسب سياسية حول رفع القيود عن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر..  برلمانيون: يدعم العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا والقاهرة.. يعكس قوة وثبات  الدولة.. يوضح الاستقرار السياسى.. ويرسى مبدأ التعامل بالندية - اليوم السابع

المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر

المعونة ترجع في الأصل إلى خطاب وجهه وزير الدفاع الأمريكي حينذاك هارولد براون عام 1979 إلى نظيريه المصري والصهيوني. وأكد براون في ذلك الخطاب التزام الولايات المتحدة بتقديم معونة للجانبين. واعتبر وزير الدفاع الأمريكي المعونة استثماراً في الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط. كما أن هذه المعونة كانت اعترافًا بالدور المصري في التأثير على مجريات الأمور بالمنطقة، وكذلك أهمية معاهدة السلام.

لكن هذه المساعدات بدأت تثير انتقادات أمريكية داخلية بسبب سجل القاهرة في مجال حقوق الإنسان.

وتواجه حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وانخرط أعضاء في الكونجرس في محاولة إقناع الإدارة الأمريكية الحالية بمراجعة سياسة المساعدات بسبب أنباء عن اعتقالات وتعذيب وحالات اختفاء قسري.

وبرز موضوع المساعدات الأمريكية لمصر هذا الأسبوع بعد اتهام السيناتور بوب مينينديز، الرئيس الديمقراطي السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بقبول رِشى مقابل ممارسة النفوذ لمساعدة الحكومة المصرية. ودفع مينينديز ببراءته.

وينفي السيسي وجود معتقلين سياسيين في مصر. ويقول إن الاستقرار والأمن لهما الأولوية القصوى وإن السلطات تعمل على تعزيز الحقوق من خلال محاولة توفير الاحتياجات الأساسية مثل الوظائف والسكن.

وأقامت مصر علاقة قوية ومربحة مع الولايات المتحدة، واستفادت من تلك العلاقة لتحديث قواتها، وباتت ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، حيث تتلقى 1.3 مليار دولار سنويًا، وفق معهد جوزيف لودر للإدارة والدراسات الدولية.

ومولت المساعدات العسكرية برامج تدريبية في الولايات المتحدة لأكثر من 6600 ضابط مصري منذ عام 1995.

ويستمر ما يقرب من 600 ضابط في حضور الفصول الدراسية كل عام، فيما تستضيف مصر كل عامين بالتعاون مع القيادة المركزية الأمريكية، مناورات "النجم الساطع"، أكبر مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط، وفق المعهد.

واستفادت مصر من 30 عامًا من التدريب مع الولايات المتحدة، وعلاقات وثيقة سمحت لكل جيش بالاحتفاظ بمكتب في عاصمة الدولة الأخرى، وفقًا لموقع "الحرة".

ولأكثر من 25 عامًا، اجتمعت وفود رفيعة المستوى سنويًا، إما في القاهرة أو واشنطن، لمناقشة العلاقات الدفاعية والتعاون العسكري والسياسة الإستراتيجية.

وبحسب أحد التحليلات، فقد أسهمت تلك المعونة في تشغيل العديد من الشركات الأمريكية في مصر، ما عاد بالفائدة على الاقتصاد الأمريكي. في المقابل، فإنّ مصر لم تحصل سوى على الفتات. وبحسبة أمريكية خالصة، فإن 80% من المعونة المقدمة لمصر عاد مجددًا للولايات المتحدة، وفقًا لموقع " fanack".

التهديد بقطع المعونة ليس أمرًا طارئًا على السياسة الأمريكية. وبطبيعة الحال، فإن هذه المقاربة الأمريكية تثير التساؤل حول صدق نية إدارة بايدن في وضع شروط حقوقية لدعم أصدقائها.

وعلى سبيل المثال، كتب بايدن على تويتر في يوليو 2020: “لا مزيد من الشيكات الفارغة لديكتاتور ترامب المفضّل”، في إشارة واضحة للسيسي الذي تجاهل الأمر.

لكن خلال آخر اجتماع له مع السيسي في 16 يوليو 2022، تعهد بايدن بتقديم 50 مليون دولار لتعزيز الأمن الغذائي في مصر. كما وعد بالمساعدة في تعويض التبعات العالمية الوخيمة التي نجمت عن الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا.

صحيفة المنار - تقرير أمريكي: المساعدات العسكرية لمصر تخدم المصالح الأمريكية

حجب 85 مليون دولار

ورغم الانتقادات لسجل القاهرة، تستمر واشنطن في تقديم المساعدات لمصر، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الإدارة الأمريكية أعطت الأولوية لمصالح الأمن القومي الأمريكي على حساب حقوق الإنسان، ووافقت على 235 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر التي حجبتها خلال العامين الماضيين بسبب السياسات القمعية للبلاد.

وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة ستحجب جزءًا صغيرًا فقط، 85 مليون دولار، من 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية المخصصة سنويًا لمصر.

وبحسب الصحيفة، لا تخضع المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية المتبقية، البالغة 980 مليون دولار، لشروط حقوق الإنسان.

ويعني القرار أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ترى بأن علاقة الولايات المتحدة مع أكبر دولة من حيث عدد السكان في المنطقة مهمة للغاية بحيث لا يمكن المخاطرة بها على الرغم من مناشدات نشطاء حقوق الإنسان لاتخاذ موقف أكثر تشددًا من واشنطن.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أنه سيتم إعادة توجيه الـ 85 مليون دولار، التي تعتزم إدارة بايدن حجبها عن مصر، إلى تايوان (55 مليون دولار) ولبنان (30 مليون دولار)، وفقًا لـ"BBC".

وفي سبتمبر الماضي، حجبت واشنطن 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب وضع حقوق الإنسان، وسمحت بالإفراج عن 75 مليون دولار من المساعدات، على خلفية ما اعتبرته تقدما في ملف الاعتقالات السياسية، وإطلاق سراح حوالي 500 سجين رأي حينذاك.

كما تلقت القاهرة 95 مليون دولار أخرى، بموجب استثناء قانوني يتعلق بتمويل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود، لتبلغ قيمة المساعدات الأمريكية العام الماضي نحو 170 مليون دولار من جملة المساعدات العسكرية الخاضعة لشروط حقوق الإنسان.

وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تتشاور مع الكون[رس، قبيل وضع اللمسات الأخيرة على قرار حجب المساعدات.

الإرهاب والألغام.. محور صفقة مدرعات أمريكية لمصر

الانتهاكات الحقوقية في مصر

منظمة هيومن رايتس ووتش اعتبرت أن القرار لا يستجيب بشكل كافٍ لما وصفته بـ “قمع مصر المستمر وانتهاكاتها الحقوقية”. وانتقدت المنظمة إفراج إدارة بايدن عن 75 مليون دولار من المساعدات لما أحرزته القاهرة من تقدّم في قضية السجناء السياسيين. وترى المنظمة أن قمع المعارضة السياسية لا يزال قاسيا في مصر.

وفي هذا السياق، اعتبرت نيكول ويدرسهايم، نائب رئيس مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن، أن هناك أزمة حقوقية في مصر. وأكدت ويدرسهايم أن التمويل الذي احتفظت به الولايات المتحدة في عام 2021 “لم يكن كافياً” لإحداث تغيير واضح على مستوى حقوق الإنسان في مصر، وفقًا لموقع " fanack".

وتشير هيومن رايتس ووتش إلى أن “حالة حقوق الإنسان في مصر لم تتحسن بشكل أساسي” منذ عام 2021. ووصفت المنظمة القضية 173 بأنها دعوى قضائية سيئة السمعة تقاضي فيها مصر منظمات حقوقية بسبب مزاعم تلقي أموال أجنبية.

وانضمت المنظمة إلى منظمات حقوقية محلية ودولية أخرى لحث بايدن على وقف المساعدة العسكرية وتعليق مبيعات الأسلحة لمصر. وردّت هذه المنظمات توجهها إلى ما وصفته بفشل مصر في تحسين وضعها الحقوقي.

 

مساعدات غير عسكرية

وإضافة إلى المساعدات العسكرية، تتلقى مصر مساعدات غير عسكرية، إذ منذ عام 1978، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أكثر من 30 مليار دولار لبرامج في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والحوكمة. وتم تصميم هذه البرامج بالتنسيق مع المصريين ودعمهم لضمان حصول الأجيال القادمة من المصريين على الأدوات اللازمة للنجاح، وفق ما ذكرته الوكالة الأميركية.

ودعمت برامج الوكالة بشكل مباشر وأساسي أهدافا مثل: القضاء على شلل الأطفال في مصر، وخفض معدلات وفيات الرضع والأمهات، وتحسين القدرة على القراءة في الصفوف الدراسية المبكرة، وزيادة المهارات القابلة للتسويق بهدف زيادة الوظائف وازدهار دائم في مصر.

وساعدت الوكالة على تحسين وتوسيع شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ودعم خفض مستويات الرصاص في الهواء في القاهرة، وتحسين مرافق المياه والصرف الصحي في القاهرة والساحل الشمالي وصعيد مصر، وفق تقرير المعهد الأميركي.