منذ العدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية والعربية والفلسطينيون يتعرضون لمحاولات اجتثاثٍ، وحتى يومنا هذا، ومن أكثر تلك المحاولات قتامة، مجزرة «صبرا وشاتيلا»، التي أودت بحياة نحو 4 آلاف فلسطيني ولبناني، في واحدةٍ من أبشع المجازر التي جرت في الحرب الأهلية اللبنانية، والتي ارتكبتها إسرائيل وعملائها ومليشياتها في الفترة ما بين 16-18 سبتمبر 1982، وسط صمت عربي ودولي مخزٍ.

تفاصيل المجزرة

بدأت المجزرة المروعة مع حلول مساء 16 سبتمبر 1982م، مع تسلل العناصر المتطرفة، وانتشروا في شوارع المخيم وسيطروا عليه بشكل كامل، واستمرت المجزرة ثلاثة أيام بلياليها، ارتكبت فيها هذه العناصر مذابح بشعة، مستخدمين الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمسدسات، إلى جانب الأسلحة البيضاء من السكاكين والفؤوس وغيرها، ولم يستثنِ المجرمون أحدًا من الآمنين في المخيم، فقد تواردت شهود العيان ومن استطاع النجاة من المجزرة بأن القتلة بقروا بطون الحوامل، وألقوا بالأجنة في شوارع المخيم، كما قاموا بقطع أطراف الأطفال، وشاهدت الأطقم الطبية التي دخلت المخيم بعد أيامٍ من المجزرة، عشرات الجثث، والأشلاء المنتشرة في الأزقة، وداخل البيوت، ولم يسلم من الاستهداف حتى العاملون في القطاع الطبي، فقد اقتحمت هذه العصابات مشفى عكا في المخيم، واقتادوا عددًا من الجرحى والممرضين والأطباء إلى خارج المخيم، وقاموا بقتلهم بدم بارد.

امرأن ناجية من مجزرة صبرا وشاتيلا تنتحب أمام المنازل المدمّرة

وتُشير معلومات شهود العيان إلى أن قوات الاحتلال كانت تطلق في الليل القنابل المضيئة، لتسمح للمجرمين باستكمال عملهم، واستمرت المجزرة الفظيعة، بما فيها من قتلٍ وذبح وخطف المروعة حتى يوم السبت في 18 سبتمبر 1982م، وتوقفت تدريجيًا بعد ظهر ذلك اليوم، وأسفرت المجزرة عن مئات الشهداء، وعلى الرغم من مضي 41 عامًا من مضي المجزرة؛ فإن عدد الضحايا لم يحسم بشكلٍ كامل، إذ تتفاوت التقديرات ما بين 1300 – 5 آلاف شهيد، نحو 75% منهم من الفلسطينيين، أما الباقون من اللبنانيين الذين يسكنون في المخيم وجنسيات أخرى جلهم من العمال الأجانب.

 

لا يمكن حصر الفظائع التي جرت في المجزرة، فالصور التي وصلت إلينا قاسية مؤلمة، تختلط فيها أشلاء الأطفال مع التراب في أزقة مخيم تعرض للقصف والانتهاك ساعات عدة، كانت ساعات من بارود ونار ودم، ويمكننا استعارة الوصف الذي أطلقه الصحفي البريطاني روبرت فيسك على المجزرة، وقد كان أحد الذين غطوها إبان عمله صحفيًا في لبنان، فقد وصفها بأنها «أفظع عملٍ إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث»، أما الكاتب الفرنسي «الإسرائيلي» أمنون كابليوك فقد قال عن المجزرة: إنها أكثر المذابح بشاعة وفظاعة منذ الحرب العالمية الثانية.

شهادات من قلب المجزرة

بعد واحد وأربعين عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا، لا تفارق صورة الجثث المكدسة والروائح المنبعثة منها، ذاكرة نجيب الخطيب الذي فقد يومها والده وعشرة من أفراد عائلته.

ويقول الخطيب (52 عامًا)، وهو لبناني الجنسية، لوكالة فرانس برس، "بقيت رائحة الجثث أكثر من خمسة أو ستة أشهر. رائحة كريهة. كانوا يرشون الأدوية كل يوم، لكن الرائحة بقيت تعبق في رؤوس الناس".

يسير الخطيب في أزقة المخيم، مستعيدًا صفحة سوداء لم يقو الزمن على إزالتها من ذاكرته لا سيما في غياب تحقيق العدالة.

يشير إلى جدار متداع، ويروي "كانوا يأتون بهم من هنا وهناك إلى هذا الحائط ويعدمونهم هنا".

ثم يتوقف عند زقاق مجاور لمنزل جدته. ويضيف "خلال المجزرة كان الشارع يغصّ بالقتلى.. تكدست جثث القتلى... فوق بعضها البعض".

لكن المشهد الأقسى كان رؤيته لوالده. يستعيد تلك اللحظات الثقيلة "عندما وصلت إلى المنزل، وجدت والدي عند الباب وقد أطلقوا الرصاص على رجليه وضربوه بفأس على رأسه".

رغم الإدانة العالمية للمجزرة، لم يتم توقيف أي من المسؤولين عنها أو محاكمته أو إدانته، خصوصا وأن مجموعة من الناجين رفعت دعوى قضائية على وزير الأمن الإسرائيلي في حينه، أريئيل شارون، في بلجيكا، لكن المحكمة رفضت النظر في القضية في أيلول/سبتمبر 2003.

وتتذكر أم عباس (75 عامًا)، وهي لبنانية من سكان صبرا شهدت المجزرة، مشاهد "لا يمكن تخيّلها".

وتقول "ماذا رأيت؟ إمرأة حامل أخرجوا الطفل من بطنها، بعدما شقوه إلى جزءين... من نُحر عنقه ومن قطعت أطرافه".

وتضيف أن إمراة أخرى كانت حامل أيضًا، انتزعوا الطفل من أحشائها.

وتتذكر بينما تجلس على عتبة في زقاق ضيق كيف "عملت جرافة على جرف الجثث ووضعها فوق بعضها البعض في حفرة عميقة".

ويقول عز الدين مناصرة في كتابه "الثورة الفلسطينية في لبنان 1972-1982"، كل واحد من الشهداء يمتلك سرديته الخاصة، ولأنهم يمتلكون هذه السرديات، تم اغتيال الشهود على مأساة أكبر، حدثت عام 1948.

صنف الباحثون والرواة الشفويون جنسيات ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا: 75% فلسطينيون، 20% لبنانيون، 5% (سوريون، وايرانيون، وبنغال، وأتراك، وأكراد، ومصريون، وجزائريون، وباكستانيون) وآخرون لم تحدد جنسياتهم.

(Getty images)

المجزرة بالأرقام

اختلفت الأرقام والمصادر التي وثّقت عدد القتلى في المخيمين المتجاورين.

 

وشكّلت السلطات الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العسكرية يتسحاق كاهان، للتحقيق في ملابسات ما حدث، بعد خروج مظاهرات ضخمة في تل أبيب ومطالبة رئيس الوزراء مناحيم بيغن بالاستقالة من منصبه.

 

وقدّرت لجنة "كاهان" في تقريرها أن عدد القتلى هو 300 شخص.

 

بينما نشرت الباحثة والكاتبة بيان نويهض الحوت، زوجة القيادي الفلسطيني في منظمة التحرير الراحل شفيق الحوت، كتاب "صبرا وشاتيلا" بعد 20 عام على وقوع المجزرة.

 

وسعت بيان نويهض في كتابها إلى توثيق شهادات وأحداث المجزرة بالأرقام والأسماء والتفاصيل.

 

وذكرت أن عدد القتلى الذي استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906 ضحية، بالإضافة إلى 408 شخص في عداد المفقودين والمخطوفين.

 

وذكرت وكالة أسوشييتد برس العام الماضي أن عدد القتلى المؤكد هو 328 شخص، وأن 991 شخصاً اعتبروا في عداد المفقودين.

 

وذكرت مصادر أخرى منها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من 4 آلاف ضحية.

 

وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث.

 

الجناة والمجرمون أفلتوا من العقاب

على الرغم من انسحاب قوات الاحتلال صاغرة من بيروت في أواخر سبتمبر من العام نفسه، بعد تصاعد العمليات التي استهدفت قواتها، وتحول مجزرة صبرا وشاتيلا إلى حدثٍ عالمي، فإن القائمين على المجزرة لم يتم محاسبتهم، وشاركوا بعضهم في الحياة السياسية في لبنان أو في دولة الاحتلال، ولكن مصائر القتلة كانت فظيعة جلية، فقائد المليشيات التي اقتحمت المخيم «إيلي حبيقة» قُتل في تفجيرٍ غامض في عام 2002م، أما أريئيل شارون فقد بقي في المشفى 8 سنوات على إثر تعرضه لسكتة دماغية.