أثار انهيار السدّين المحيطين بمدينة درنة شمال ليبيا جراء إعصار دانيال، أسئلة عدة عن الأسباب التي أسفرت عن الكارثة غير المسبوقة في البلاد.
وقال المتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي أسامة علي، إنّ "عدم صيانة السدّين في درنة كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات".
ويقع السدّين وهما سدّ أبو منصور وسدّ البلاد جنوبي مدينة درنة، مع قرب الثاني من مداخل المدينة.
وكان ارتفاع السدّين يبلغ حوالي 40 متراً فقط قبل أن يتحولا إلى ركام.
لماذا بني السدّان؟
تعرّضت مدينة درنة تاريخياً لسلسلة من الفيضانات، بما في ذلك في الأعوام 1941 و1959 و1968. لكن فيضان عام 1959 كان الأشد وقعاً على المدينة.
في أعقاب ذلك، أشارت دراسات في ستينيات القرن الماضي إلى أنه ينبغي بناء السدود لحماية المدينة من الفيضانات.
وبالفعل بنت شركة يوغسلافية السدّين في السبعينيات، وأطلق على السد العلوي اسم سد البلاد، بسعة تخزين تبلغ 1.5 مليون متر مكعب من المياه، في حين أن السد السفلي، سد أبو منصور، كان بسعة تخزينية تبلغ 22.5 مليون متر مكعب.
وبُني السدّان بقلب من الطين المضغوط مع درع محيط من الحجر والصخور.
وعانت درنة من الفيضانات في عام 1986، لكن السدود نجحت في إدارة المياه لتجنب إلحاق أضرار جسيمة بالمدينة.
كيف حصل الانهيار؟
قالت إدارة السدود في وزارة الموارد المائية التابعة لحكومة الوحدة المؤقتة في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إن تدفق كمية المياه المخزونة في سدي وادي درنة، أدت إلى إضعاف سعة السدود ثم انهيارها.
وقدرت الكمية التي تحدثت عنها الوزارة بنحو 23.5 مليون متر مكعب.
وقد أدى عجز السدّ الأول عن كبح الطوفان إلى التدفق السريع للمياه نحو السدّ الثاني مما أدى إلى إنفجاره أيضاً.
كذلك قالت تقارير إن نسبة الأمطار بلغت أكثر من 200 ملم، ما يتخطى القدرة التصميمية للهياكل.
كما أشارت التقارير إلى ضرورة دراسة إمكانية أن يُعزى مجموع الأمطار هذا إلى تغير المناخ.
غياب الصيانة وتهالك البنى التحتية
برزت إثر الكارثة ادعاءات بأنه جرى إهمال صيانة السدّين لوقت طويل. ويبدو أن هياكل السدّين التي بنيت قبل 50 عاماً كانت متهالكة بالفعل.
كما أدى انعدام وجود أنظمة صرف فعالة وبنى تحتية وقائية أخرى إلى جعل المناطق المحيطة أكثر عرضة للفيضانات.
وفي ورقة بحثية نشرت العام الماضي، قال عالم الهيدرولوجيا عبد الونيس أ. ر. عاشور من جامعة عمر المختار الليبية إن الفيضانات المتكررة في الوادي، تشكل تهديداً لدرنة. وأشار إلى حدوث خمس فيضانات منذ عام 1942، ودعا إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة الدورية للسدود.
وأرجع عاشور المشاكل التي تهدد حوض وادي درنة إلى أسباب عدة، منها "حدوث بعض الأضرار في المنشآت الهيدروليكية القائمة والمتمثلة في سدي وادي درنة وذلك بعد فيضان عام 1986".
وأضاف أن تكرار الفيضانات من حين إلى آخر أصبح يشكل تهديداً مستمراً لسكان الوادي ومدينة درنة.
كذلك، يُعتبر تآكل التربة في الحوض بسبب مياه السيول مصدر قلق كبير يؤثر سلباً على الغطاء النباتي، بحسب عاشور.
وتضمنت الورقة البحثية تحذيراً مفاده أنه: "إذا حدث فيضان هائل فإن النتيجة ستكون كارثية على سكان الوادي والمدينة".
إلى ذلك، يلعب الاقتتال المسلح الطويل الذي عاشته البلاد وضعف الحكومة إلى مزيد من إهمال البنى التحتية وهشاشتها.
وتجدر الإشارة إلى أن درنة الآن غير محمية من تكرار حدوث كارثة مشابهة مع بقاء احتمال الفيضانات قائماً.
وما زالت تداعيات آثار الفيضانات التي اجتاحت شمال شرقي ليبيا، فجر الأحد، نتيجة لمرور العاصفة دانيال بالمنطقة تتوالى وسط توقعات بارتفاع أعداد الضحايا.
ودخلت عمليات الإنقاذ يومها الخامس، وسط مخاوف من وصول عدد ضحايا الفيضانات في مدينة درنة إلى ما بين 18 و20 ألفاً.