تسارع تضخم أسعار المستهلكين خلال أغسطس الماضي، ليقترب من ملامسة مستوى 40% على أساس سنوي، مع استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والنقل والطاقة والصحة.

وجاء في بيان صادر، الأحد الماضي، عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن التضخم السنوي صعد إلى 39.7% في أغسطس الماضي، من 38.2 بالمئة خلال يوليو السابق له.

وعلى أساس شهري، صعد التضخم خلال الشهر الماضي بنسبة 1.6%، مقارنة مع يوليو السابق له.

وتعتبر أسعار المستهلك المسجلة الشهر الماضي، الأعلى منذ أكثر من 40 عامًا على الأقل، بحسب أرشيف أسعار المستهلك المنشور على موقع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وما تزال الأسواق المحلية متأثرة بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، منذ العام الماضي، والذي انعكس على أسعار الاستيراد من الخارج إلى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج محليا.

ومنذ مارس 2022، خفضت مصر سعر صرف الجنيه ثلاث مرات، من متوسط 15.7 جنيها أمام الدولار الواحد، ليستقر حاليًا عند 30.9 جنيهًا.

 

ارتفاع أسعار السلع

وعلى أساس سنوي، ارتفعت أسعار مجموعة الطعام والمشروبات بنسبة 71.9%، بينما صعد قسم النقل والمواصلات بنسبية 15.2% خلال أغسطس.

كذلك، زادت أسعار مجموعة الرعاية الصحية بنسبة 22.8%، والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية بنسبة 42%، والمسكن والمياه والكهرباء بنسبة 7.2%.

"الأسعار ترتفع مرة أو مرتين في اليوم، وأحيانًا يصلنا تحديث كل ساعة"، هكذا وصف الشاب، أحمد عبد الغفار، الذي يعمل في سوبر ماركت بالقاهرة، موجة الغلاء التي تجتاح البلاد بلا هوادة.

وقال الرجل البالغ من العمر 35 عامًا في حديثه لموقع قناة "الحرة"، إن "كثيرا من الناس يعزفون عن الشراء، عندما يدركون أن الأسعار ارتفعت"، مردفًا: "ومع ذلك، هناك آخرون يشترون".

وقال عبد الغفار، إن "كل السلع تقريبًا تشهد ارتفاعًا في الأسعار، وفي المقابل تبقى الأجور على ما هي عليه"، مضيفًا: "ما كنا نشتريه بـ 10 أو 12 جنيهًا، أصبحت قيمته 25 و30 جنيهًا".

وأضاف: "أصبحنا نوازن بين الكمية والسعر، بحيث نقلل من الكميات حتى نستطيع الشراء".

وتذهب، رندا البنا، وهي شابة مصرية من محافظة بور سعيد، في الاتجاه ذاته، بقولها إن "الناس أصبحت تشتري كميات أقل من المواد الغذائية الأساسية".

وأضافت: "الزيادات كانت مفاجأة.. كل شيء ارتفع.. من الأكل إلى الدواء ومصاريف المدارس. بعض الزيادات تصل إلى 50%".

وضربت مثالًا بـ "كيلو الطماطم الذي كنا نشتريه الشهر الماضي بـ 10 جنيهات، وصل الآن إلى 20 جنيهًا".

ورأت البنا أن غلاء الأسعار "يؤثر بشكل كبير على المجتمع المصري، حيث كثير من الناس لا يجدون أعمالًا". وتابعت: "هناك مرضى لا يجدون أدويتهم، وإن كانت متوفرة فإن أسعارها ارتفعت إلى حد كبير".

 

ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية

يؤكد خبير التمويل والاستثمار، وائل النحاس، أن معدلات التضخم ستظل متجهة نحو الصعود الدائم، لأن سياسات الحكومات في مواجهة التضخم، لم تتغير طوال السنوات الماضية، حيث تعتمد على رصد النزول بأرقام التضخم دون أن تعالج الخلل الحقيقي المؤدي إلى زيادة الأسعار والتي لم تشهد تراجعا عما وصلت إليه بقيمة أي سلعة على مدار عقود، على خلاف ما يشهده المستهلكون في الأسواق الدولية.

يوضح النحاس، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن مصطلح "التضخم" في مصر أصبح غير معبر عن التغير الحقيقي في أسعار المستهلكين، مبينًا أنه يظهر التغيرات بالأرقام ونسب الارتفاعات دون أن يحدث تغييرًا حقيقيًا في أسعار السلع بالأسواق، أو يصبح مؤشرًا للتضخم.

ويشير النحاس إلى أن الأسواق، تمر بمرحلة "التضخم الحلزوني" الذي يشهد صعودًا مستمرًا دون ضوابط لكبحه، وارتفاعات متتالية غير مبررة في أسعار السلع والخدمات، بتأثير من زيادة قيمة الدولار والعملات الصعبة مقابل الجنيه.

وذكر أن تغير سعر الصرف، يؤدي إلى زيادة أسعار السلع، وفي وجود ضغوط يومية، تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، منها فرض رسوم غير مبررة على الطرق والخدمات الحكومية، وبيع السجائر ومنتجات أخرى في السوق السوداء.

وأكد خبير التمويل والاستثمار أنه من دون السيطرة بطريقة احترافية على "التضخم الحلزوني" سيظل التضخم متجها للصعود بشدة، فإذا واجهته الحكومة بطرق إدارية سينخفض، ثم يقفز إذا رفعت أيديها عن الأسواق.

ويحذر من وضع حلول مؤقتة لمواجهة التضخم، في وقت تتجه فيه الحكومة إلى تعويم الجنيه مقابل الدولار والعملات الصعبة خلال الفترة المقبلة، بما يدفع الأسواق للسير عكس الاتجاه وقواعد السوق، والتي تظهر جلية في زيادة الإقبال على التعاملات بالبورصة، بينما تتراجع قيمة العملة وترتفع الفائدة على الجنيه بالبنوك.

 

"أعلى من قدرة الناس على الشراء"

وفي حديثه لموقع "الحرة"، قال الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، إن "الأسعار أعلى من القدرة الشرائية للناس"، لا سيما "المواد الغذائية الأساسية، التي ارتفعت بشكل غير مسبوق"، على حد وصفه.

وتعيش مصر أزمة اقتصادية تفاقمت منذ العام الماضي، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وسط نقص في احتياطي العملة الصعبة، وارتفاع التضخم، وفقدان الجنيه لأكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي خلال عام واحد.

ومنذ عام 2017، حصلت مصر على 4 قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.

وكان آخر هذه القروض العام الماضي، حين وافق الصندوق على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، حتى يتاح لحكومة الانقلاب تأمين مصادر تمويل أخرى، أبرزها من البلدان الخليجية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وفي هذ السياق، قال الولي إن الأزمة "المستمرة منذ سنوات"، لها "آثار متعددة، والحلول الجزئية لم تعد تجدي نفعًا مع تفاقم المشكلة الاقتصادية".

وانتقد الحكومة في التعامل مع الأزمة، قائلًا: "لا يوجد قيادات اقتصادية تقود ملف الأزمة منذ تولي السيسي للسلطة"، مشيرًا إلى أن "المسؤولية تائهة" فيما يتعلق بهذا الملف.

 

تداعيات خطيرة

عضو مجلس النواب السابق، عماد جاد، تحدث عن تأثير الأزمة الاقتصادية على المجتمع، ورسم "سيناريو متشائمًا" إلى حد بعيد.

ووصف جاد تداعيات الأزمة الاقتصادية بـ "الخطيرة" على مصر، لا سيما وأنه "لا حلول تلوح في الأفق" لهذه المشكلات التي يعاني منها المواطن البسيط.

واعتبر أن الأزمة الاقتصادية "تتفاقم بازدياد، وهذا من شأنه أن يذهب بنا لمشاكل أبعد"، مردفًا: "الانفجار الاجتماعي وارد، ما لم يحدث تدخل سريع يخفض من التضخم لتهدأ الأسعار".

لكن الولي يستبعد هذا السيناريو، بسبب ما وصفه بـ "القبضة الأمنية الشديدة للدولة، على أي صوت معارض".

ولم يحدث حراك شعبي في الشارع، والنقابات لم تتحرك ولا أعضاء المجتمع المدني، لأن القبضة الأمنية شديدة"، حسبما ذكر الولي، الذي أشار إلى أن "خوف الناس يمنعهم من الاحتجاج".

وقال: "لا أتصور هناك رد فعل شعبي.. الناس تئن بصمت".