تمر اليوم الذكرى الرابعة والخمسين على إشعال المدعو مايكل روهان النيران في منبر صلاح الدين الأيوبي والمصلى القبلي في المسجد الأقصى المبارك حتى طالت النيران قبة المسجد الأثرية يوم 21 أغسطس 1969. 

 

وبرر الاحتلال تلك الجريمة البشعة بأن فاعلها مختل عقليا وكانت تلك بداية النيران التي تأكل الأقصى منذ ذلك اليوم، ويتصدى لها أهالي القدس وحدهم في كل مرة، ففي الأربعة وخمسين عاما، الماضية مرت على المسجد الأقصى الكثير من الاعتداءات، دون أن يغير العالم شيئا أو يحرك ساكنا، لكن العالم الإسلامي وحده هو من يحفظ هذا التاريخ وأحداثه، وهم فقط من يعد الجمرات ويحرق بنيرانها.

 

وكانت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، قد نجحت خلال السنوات الماضية، في ترميم ما تسبب به الحريق في المصلى القبلي المسقوف، ومن ذلك بناء منبر جديد بذات مواصفات منبر نور الدين بن زنكي، الذي جلبه القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي إلى المسجد الأقصى، بعد تحريره لبيت المقدس.

 

لكن السنوات الماضية، شهدت كذلك اعتداءات إسرائيلية متواصلة، بما في ذلك تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد بدءا من العام 2003، وملاحقة المصلين وحراس الأقصى وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية بالاعتقال والإبعاد عن المسجد.

 

 

محرقة وتهويد للأقصى

وليست المحرقة فقط ما أحيكت للأقصى بل تعكف سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخطط تهويدي للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك، في ظل اقتحام عشرات المستوطنين المتطرفين، يوميا، وتنفيذ جولات استفزازية في باحاته، أمام تصدي الفلسطينيين لحماية المسجد والدفاع عنه.

 

تشكل اقتحامات المستوطنين اليومية للأقصى، بحماية قوات الاحتلال، أحد الأدوات الإسرائيلية لتهويد المسجد، والقدس المحتلة، من خلال تكثيف تنفيذ الحفريات أسفل منه وبمحيطه لما يهدد أساساته، فضلا عن سياسة إبعاد المقدسيين، وعرقلة أو المنع كليا لأعمال ترميمه وإصلاحه.

 

وزادت في الفترة ألأخيرة وتيرة اقتحامات المستوطنين للمسجد، فباتوا بمجموعات كبيرة، أسوة باقتحامهم الأقصى أمس، من جهة "باب المغاربة"، وتنظيم الجولات الاستفزازية في باحاته، وأداء الطقوس التلمودية في المنطقة الشرقية منه، وتلقي الشروحات المُزيفة عن "الهيكل" المزعوم، وفق دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة.

 

وتتزايدتلك الاقتحامات مع الذكرى الـ 54 لجريمة إحراق المسجد الأقصى، التي تُعد جزءا من معركة التهويد التي يشنها الاحتلال بحق المسجد وضد مدينة القدس المحتلة، بهدف تقسيمه زمانياً ومكانياً، والسيطرة الكاملة عليه وتغيير معالمه الإسلامية وفرض واقع جديد فيه، وصولاً لإعادة بناء "الهيكل" المزعوم مكانه.

 

ويقوم الاحتلال حاليا، بهدف تهويد الأقصى، بتنفيذ أعمال حفر في "باب المغاربة" وساحة البراق، المؤدية لحارتي الشرف والمغاربة في القدس القديمة، والتي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة لتشمل أماكن متعددة في آن واحد.

 

وتهدف الحفريات لإقامة نفق أرضي بطول 159 مترا، يصل بين منطقة "حارة الشرف"، التي استُبدل اسمها بـ"حارة اليهود"، إلى بداية جسر "باب المغاربة" المؤدي إلى داخل المسجد الأقصى الذي تستخدمه قوات الاحتلال والمستوطنون في الاقتحامات.

 

الحرم القدسي الشريف بكامل مساحته مكان عبادة خالص للمسلمين

وفي الذكرى الأليمة لإحراق المسجد الأقصى المبارك، أكدت منظمة التعاون الإسلامي ارتباط المسلمين الأبدي بالمسجد الأقصى المبارك، وضرورة الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، وخصوصًا المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا باعتباره مكان عبادة خالصًا للمسلمين فقط.

 

وقالت المنظمة في بيان لها اليوم: “تحل في هذا اليوم الذكرى الأليمة الرابعة والخمسون للمحاولة الآثمة لإحراق المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، في ظل ما نشهده حاليًا من تصاعد وتيرة انتهاكات إسرائيل، قوة الاحتلال، ومحاولاتها المساس بوضعه القانوني والتاريخي، من خلال الاقتحامات المتكررة لباحاته من قبل المستوطنين المتطرفين بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتدنيسه، وإغلاق بواباته، والاعتداءات الهمجية على جموع المصلين فيه، وتقييد حرية المصلين في الوصول إليه، في انتهاك صارخ لحرمة الأماكن المقدسة وحرية العبادة”.

 

وأكدت المنظمة أن مدينة القدس الشريف، عاصمة دولة فلسطين، جزءٌ لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وترفض أي إجراءات أو قرارات تهدف إلى تغيير طابعها الجغرافي أو الديمغرافي، وكذلك أي محاولات لفرض السيادة الإسرائيلية المزعومة على هذه المدينة ومقدساتها، باعتبارها إجراءات غير قانونية وغير شرعية بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

 

 ودعت منظمة التعاون الإسلامي في هذه الذكرى المشؤومة المجتمع الدولي، ولاسيما الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية، إلى تصحيح الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، من خلال إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في العودة، وتجسيد إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق رؤية حل الدولتين استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، التي لا تزال تمثل، بعناصرها كافة وتسلسلها الطبيعي، مرجعية سياسية وقانونية، وفرصة تاريخية لتحقيق السلام.

 

وإذ تعرب المنظمة في هذه المناسبة عن إجلالها وإكبارها للشعب الفلسطيني الصامد في أرضه، والمدافع عن مقدساته، فإنها تؤكد مجددًا تضامنها ودعمها الثابت لحقوقه الوطنية المشروعة، وتدعو إلى تعزيز الدعم والتضامن والمساندة لمدينة القدس وأهلها المرابطين.

 

الفلسطينون وحدهم

وتبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك قرابة 144 دونماً، حيث يشمل قبة الصخرة والمسجد القبلي وقبة الصخرة المشرفة، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم.

 

ويخوض سكان المدينة المقدسة صراعا غير متكافئ مع سلطات الاحتلال التي تحاول اقتلاعهم من منازلهم، والسيطرة على الأقصى، فبحناجرهم التي تردد الهتافات الغاضية وبأجسادهم يتصدون لعمليات الاقتحام اليومية، التي تحاول من خلالها إسرائيل فرض أمر واقع، غير مكترثين بالإجراءات الاحتلالية ضدهم، ومنها زجهم في زنازين السجون، وفرض الغرامات المالية الباهظة عليهم، أو فرض الإقامة الجبرية وإبعادهم عن المسجد لفترات يصل بعضها الى ستة أشهر.

 

ويشتكي هؤلاء من عدم وجود أي اهتمام عربي إسلامي حقيقي بمأساتهم، ومن ندرة الدعم اللازم لتثبت صمودهم في وجه المخططات الاستيطانية، التي تشمل السيطرة بالقوة على المباني وتحويلها إلى “بؤر استيطانية”، حيث تؤكد الجهات الرسمية الفلسطينية ومن بينها وزارة الخارجية أن استقواء الاحتلال على الأقصى والقدس، راجع لعدم تطبيق قرارات القمم العربية والإسلامية الخاصة بالقدس.

 

جريمة صهيونية مستمرة

وقالت حركة حماس إن جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك وبعد مرور السنين ستظل شاهدا على مدى الإجرام الصهيوني المستمر يومياً ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة”.

وشددت على أن إسلامية وقدسية المسجد الأقصى “جزء من عقيدة الأمة، وهي ثابت من ثوابت التاريخ، ولن تهتز ولن تتغير ولن تنجح كل محاولات الاحتلال الصهيوني في فرض وقائع جديدة في الأقصى وما حوله”, وأكدت أن الهجمة على المسجد الأقصى المبارك تشتد اليوم، و”تأخذ منحى خطيراً جداً”، وأن خيار المقاومة هو السبيل لمواجهة الاحتلال.