تداولت مواقع إلكترونية، وصفحات للتواصل الاجتماعي في مصر، مؤخرا، منشورًا يزعم بيع الحكومة أصول وممتلكات للأوقاف تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بعد تلف حجج وأسانيد ملكيتها لأصحابها بحريق نشب، السبت، بمبنى وزارة الأوقاف، بوسط القاهرة.

لكن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، بالتواصل مع وزارة الأوقاف نفى تلك الأنباء، الاثنين، مؤكدا أنه لا صحة لبيع الحكومة أصول وممتلكات للأوقاف تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، أو حتى تلف حجج، وأسانيد ملكيتها لأصحابها بالحريق.

وأشار حساب مركز الوزراء المصري إلى أن المعلومات المتداولة بذلك المنشور مزيفة، ولا تمت للواقع بصلة، مُشيرًا إلى أن حريق مبنى وزارة الأوقاف لم يتسبب في تلف أي مستندات أو حجج تتعلق بملكية المباني والأصول، إذ أنه قد تم بالفعل نقل كافة محتويات المكاتب المحترقة منذ قرابة شهر إلى مبنى الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وشدد الحساب على أن أموال وأصول الأوقاف ذات طبيعة خاصة لا يمكن المساس بها أو التفريط فيها، ويتم استغلالها بشكل أمثل في الأغراض المخصصة لها وفق شروط الواقفين، وأوضح التزام الوزارة بإدارة أصول الأوقاف وتنميتها لتحقيق أعلى عائد لها، وفق آليات قانونية ورقابة مشددة من كافة الأجهزة الرقابية والمحاسبية بالدولة، بما يسهم في خدمة المجتمع وفقًا للشروط والضوابط الشرعية المنظمة لشؤون الوقف.

 

"الأوقاف" من أغنى الوزارات في مصر

 

تعد وزارة الأوقاف من أغنى الهيئات في مصر، وتمتلك أصولًا عقارية وزراعية وأموالًا سائلة ضخمة، وتصل قيمة أملاك الوقف إلى حوالي تريليون و37 مليار جنيه و370 مليونًا و78 ألف جنيه، وفق أول أطلس لحصر أملاك الوقف أصدرته الوزارة في إبريل 2019، كان الدولار يساوي وقتها نحو 15.7 جنيه فقط.

وحققت وزارة الأوقاف إيرادات غير مسبوقة عام 2022، بلغت مليارين و140 مليون جنيه، بنسبة زيادة تقدر بنحو 11.6% عن نفس الفترة من العام الماضي، وفقًا لـ"العربي 21".

كما أكدت وزارة الأوقاف، أن هيئة الأوقاف المصرية، استقبلت الشهر الأول من العام المالي الجديد 2023 / 2024م بالمزيد من تحقيق الأرقام القياسية في الأرباح والإيرادات.

وأوضحت في بيان لها، في الأول من أغسطس، أنه بلغ إجمالي المتحصلات من إيرادات هيئة الأوقاف المصرية عن شهر يوليو 2023 مبلغًا وقدره (151.119.464) جنيهًا، بزيادة قدرها (17.091.893) جنيهًا، بنسبة تقدر بنحو (12.8%)، عما تم تحصيله خلال نفس الشهر من العام المالي الماضي 2022 - 2023، وبزيادة قدرها (51.066.939) جنيهًا، بنسبة قدرها (51%) عما تم تحصيله خلال نفس الشهر من العام المالي 2021 – 2022، وفقًا لـ"مصراوي".

 

أموال الوقف فين؟

 

شن النائب محمد عبد العليم داوود، عضو مجلس النواب، هجومًا حادًا على وزير الأوقاف، قائلا: ما يحدث في الوزارة جريمة في حق الشعب المصري.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، 2 مايو 2023، أثناء مناقشة طلبات إحاطة وأسئلة موجهة للدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف.

وقال النائب: ممتلكات وزارة الأوقاف قادرة أن تجعل مصر أغنى دولة في العالم، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف في وقت سابق قامت بعمل عقود لمساحة 40 ألف فدان في الساحل الشمالي لمجموعة عصابات، إلا أنه تم وقف هذه الجريمة.

وتابع: لو استخدمنا أموال الوقف بشكل حقيقي، لن يكون هناك فقير واحد، ولن يكون هناك مسجد مغلق أو مسجد بدون فرش، وفقًا لـ"فيتو".

ووجه النائب رسالة للوزير، قائلًا: مصر طول عمرها حامية الإسلام والعرب، إلا أننا للأسف الشديد بنشوف أئمة المساجد "بيشعلقوا في العربيات بالشوارع".

واتهم النائب نشأت فؤاد عباس، عضو مجلس النواب، وزارة الأوقاف بسرقة ونهب أموال الأوقاف، قائلًا: الوزارة أصبح اسمها وزارة الفساد المصرية.

وتساءل النائب: فين وزارة الأوقاف؟، مشيرًا إلى الوزارة تمتلك المليارات، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد من يسأل عن بيوت الله، ولا يوجد ترميم للمساجد بشكل كاف.

 

الحريق أتلف أملاك وأصول الوقف

 

يقول أحد المسؤولين السابقين عن ملف إدارة أموال الأوقاف، مستشار وزير الأوقاف السابق الشيخ سلامة عبد القوي، إن "المبنى يضم الوثائق والحجج والصكوك والأسانيد الخاصة بأصول وأملاك الوقف التي تعود ملكيتها لكل الشعب المصري، أي لمن أوقفها ولمن أوقفت من أجله".

مضيفًا "كما أنه حريق نشب في ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد، ولم يسبق حدوث حريق بهذا الحجم في المبنى التاريخي العريق الذي يعد من الأهمية بمكان، وبحكم وظيفتي السابقة من خلال تولي مسؤوليات داخل المبنى واطلاعي على حجم الأسانيد والحجج فهي كبيرة وكثيرة وقديمة، وتم تكليفي بإدارة ملف الوقف والحجج أي رئاسة مجلس إدارة هيئة الأوقاف، إضافة إلى تكليفي بإدارة صناديق النذور التي تزيد إيراداتها على مئات ملايين الجنيهات سنويًا".

بشأن مكان اندلاع الحريق في المبنى، في الطوابق العليا، أوضح عبد القوي، أن "المبنى العريق يتكون من نحو أربعة طوابق، وفي الأسفل بدروم قديم ويضم بعض الحجج القديمة والمهمة وهو مكان مهمل للغاية، أما الطابق العلوي الذي اندلع فيه الحريق فتوجد الإدارة المسؤولة عن حفظ وتوثيق وتسجيل تلك الحجج والأسانيد ما يعني أن النار أتلفت كل ذلك، ودلالة هذا الأمر خطيرة من حيث عدم وجود ما يثبت أنها أصول أو أرض وقف، ومن هنا وجب التحذير من أن الأمر أخطر من مجرد حريق عابر؛ لأن حرق الوثائق يفتح الباب أمام نهب الأصول".

في إبريل 2021 وافق مجلس الشيوخ المصري على مشروع قانون صندوق الوقف الخيري، المقدم من حكومة الانقلاب والمحال من مجلس النواب، كما أنه وافق على منح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال الصندوق.

وعلى الرغم من أن أموال صندوق الوقف الخيري تصنف ضمن الأموال العامة إلا أن مجلس الشيوخ حذف مراعاة الحد الأقصى للأجور بزعم جذب أعلى الكفاءات صاحبة الخبرة الإدارية والاستثمارية بإدارة صناديق الاستثمار أو الصناديق السيادية.

تتكون موارد الصندوق من فوائض حسابات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية وصناديق النذور وصناديق إعمار المساجد، وفوائض ريع الوقف وسائر التبرعات والهبات والمنح النقدية أو العينية التي يتلقاها من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية والتي يقبلها مجلس إدارة الصندوق بما لا يتعارض مع أغراضه، وعائد استثمار أموال الصندوق.

 

مسح كل دليل على أملاك الوقف

 

أعرب الناشر والسياسي المصري، هشام قاسم، عن تخوفه من آثار الحريق في مبنى مثل وزارة الأوقاف الذي يضم آلاف السجلات والوثائق المهمة التي تتعلق بأملاك الوقف التي تمتد لعقود طويلة، وطالب بإجراء تحقيقات موسعة وشفافة حتى لا تضيع سجلات ووثائق الوقف التي تعد ثروة ضخمة بمئات مليارات الجنيهات، يقال إن هناك فسادًا في إدارة ملف الأوقاف وهذه مسألة أخرى، ما يعنينا هو حقوق المصريين من أملاك الوقف".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لا يملك أحد في مصر الأوقاف إلا إذا عاد صاحبها من الموت من أجل أن يستردها، ووقوع حريق في مبنى الوزارة أمر مقلق ويثير العديد من المخاوف والتساؤلات حول مصير السجلات؛ لأن ضياع أو إتلاف بعضها هو مسح أي دليل على ملكية الأوقاف لها".

وحذر قاسم "من محاولة السطو على أملاك الأوقاف، لذلك لا بد من إجراء تحقيق صارم وجاد في مسألة الحريق والوقوف ليس على الأسباب فقط إنما على الخسائر ونوعها وكشفها للرأي العام، ورغم ذلك فلا أثق في نزاهة أي تحقيقات تجرى من قبل النظام في مثل هذه المسائل".

 

سداد ديون بـ15 مليار دولار

 

وقد يكون الحريق متعمدًا لتبيع حكومة الانقلاب أصول وممتلكات وأملاك الوقف لجهات خارجية، قد تكون عربية، لتستطيع مصر سداد ديون بـ 15.3 مليار دولار تجب عليها خلال الربع الثالث من عام 2023، وفقًا لبيانات "البنك الدولي".

وتنقسم الأموال التي ينبغي على مصر سدادها إلى:

-  2.8 مليار على الحكومة.

- 8.3 مليار دولار على البنك المركزي؛ منها 7.7 مليار دولار ودائع، ومعظمها ودائع الخليج التي تجدد باستمرار.

- يتعين على البنوك أن تسدد 2.5 مليار دولار.

- القطاعات الأخرى 1.566 مليار دولار.

وكان رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، قد صرح منذ أيام بأن الدين الخارجي على مصر وصل لـ 165 مليار دولار، موضحًا أن الدولة تدرك تمامًا حجم الدين الخارجي، ولذلك توجه القروض الخارجية لمشروعات البنية التحتية.

يعود تاريخ إنشاء وزارة الأوقاف إلى عام 1835 بقرار من والي مصر محمد علي باشا تحت اسم "ديوان الأوقاف العمومي"، وفي عام 1899 افتتح الخديوي توفيق مبنى ديوان الأوقاف، وهو الجزء الرئيس من المبنى، ثم تم توسيعه ببناء ملحق له في 1912، ثم ملحق آخر في 1929، ثم جرى هدم منزلين مجاورين وبناء ملحق ثالث للمبنى في 1936.