أثار إعلان هيئة قناة السويس طرح حصة نسبتها 20% من شركة تابعة لها في البورصة بتكهنات بأن ذلك سيفتح الباب أمام بيع حصص من القناة للمستثمرين الأجانب.

وهي التكهنات التي تزامنت مع ما تعاني منه مصر من ضغوط مالية شديدة ونقص حاد في العملة الأجنبية، وزاد من هذه التكهنات إجراء برلمان السيسي تعديلات قانونية لإنشاء صندوق يساعد هيئة قناة السويس على إدارة مواردها.
 

وقال زهدي الشامي الخبير الاقتصادي، في تعليق له على صفحته على "فيسبوك" إن "الأمر ليس خافيا على أحد، والخطر ليس خافيا على أحد، والخط الأحمر الذي تجاوزوه بالاقتراب من قدس أقداس مصر والشعب المصري، قناة السويس المرتبطة بكفاحنا الوطني، لا يخفى على أحد".
 

وأوضح أن ".. الشركة المطروحة للبيع هي بالطبع شركة من الشركات الرابحة، بل أنها مجرد بداية لخصخصة بقية شركات قناة السويس وفق خطط حكومية شبه معلنة. فما حدث ليس سوى (طرح تجريبي) شبيه (بالبث التجريبي) وفق تعبير بعض الجهات. والفريق ربيع نفسه كان واضحا فى تصريحاته بأن (بيع الشركة يأتي بمثابة تجربة في مشوار بيع حصص أخرى في المستقبل)".

وأكمل أن الخبير المعروف أن إعلان أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس طرح 20٪ من أسهم "شركة القناة لرباط وأنوار السفن" في البورصة أثار انزعاج الكثيرين وأنه بهذا يتأكد ما ذكره قبل أسبوعين فقط أن "ما أعلنت عنه الحكومة في 8 يونيو الجاري، من تأسيس شركة قابضة لقناة السويس تخضع لقانون قطاع الأعمال العام رقم 203، إنما هو تمهيد لخصخصة القناة، لأن هذا القانون هو الذي جرت في ظله خصخصة المئات من شركات القطاع العام الكبرى الرابحة".
 

واشار إلى أن الحكومة تقدمت "بمشروع قانون لتأسيس صندوق لقناة السويس وافق عليه مجلس النواب من حيث المبدأ بتاريخ 9 ديسمبر 2022، وأثار اعتراضا واسعا من الرأي العام ومن شخصيات عامة من بينها الفريق مهاب مميش الرئيس السابق لهيئة قناة السويس، لشبهة واضحة للغاية بأنه صندوق لخصخصة القناة، مما دفع الحكومة لتجميده وليس لإلغائه".
 

واعتبر أن مضي حكومة السيسي في خطة الخصخصة جاء هذه المرة "بسيناريو مزدوج" موضحا أن الأول منه؛ "هو صندوق قناة السويس المجمد حتى تاريخه، والثاني الشركة القابضة لقناة السويس التي ضموا لها شركات الهيئة وأصولا أخرى، وهو سيناريو بدأ تفعيله أمس بالفعل بالإعلان عن طرح أسهم شركة رباط السفن في البورصة".
 

وأكد أن حكومة السيسي أدخلت ".. في أزمة طاحنة بإغراقها في ديون لجهات أجنبية لم تعد قادرة على سدادها، هي حكومة لا تعرف ولا يمكن أن تعرف أي خط أحمر بخصوص استقلال البلاد الاقتصادي وسيادتها الوطنية".

طرح "تجريبي"!
وفي 21 يونيو الجاري قال الفريق أسامة ربيع، في مؤتمر صحفي أن بيع القناة أو تأجيرها "غير وارد"! مناقضا نفسه بعدها بدقائق فقال إن "((بيع)) حصة بنسبة 20% في شركة القناة لرباط وأنوار السفن في البورصة المصرية بمثابة تجربة، مشيراً إلى احتمال بيع حصص أخرى في المستقبل.

وقال "ربيع" إن الهيئة أدخلت الشركة في أخرى قابضة، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل، وقال الموقع الإلكتروني إن رأسمال الشركة 250 مليون جنيه مصري (8.10 ملايين دولار).

وزعم أنه "بالنسبة إلى البورصة، آه فعلاً إحنا طارحين شركة الرباط، 20% منها، كتجربة في الطرح الحكومي، قناة السويس دايماً بتمشي مع الحكومة وسياسة الدولة، يعني الشركة دي واعدة وناجحة فإحنا طارحين 20% منها في الطروحات، ودخلناها في شركة قابضة دلوقتي علشان ينفع الموضوع ده، كمبدأ إننا نكمل الموضوع ده، لأنه ربما هيبقى فيه عائد".
أصول مصرية

وشدد على أنه لا حديث "عن إمكانية بيع القناة أو تأجيرها" قائلا "طبعاً غير وارد موضوع إن إحنا نخصص حاجة في قناة السويس أو إنها تتأجر لـ69 سنة أو 99 سنة، عايزين نقول إن أصول الهيئة دي ملك للمصريين، وأي مشروع لقناة السويس لازم بيرجع للشعب عن طريق مجلس النواب، لكن غير وارد الموضوع ده تماماً، يمكن إحنا اتكلمنا عليه لما كان الكلام على الصندوق السيادي قبل كده وقلنا إن ده ملوش دعوة خالص بقناة السويس في بيع أصول أو رهن أصول".

الشركة الرابحة
وحققت قناة السويس في العام المالى 2019 - 2020 إيرادات بقيمة 5 مليارات و700 مليون دولار، وفى عام 2021 حققت القناة 5 مليارات و800 مليون دولار، وفى عام 2022 حققت القناة 7 ملايين دولار، والسنة المالية الحالية حققت 9 مليارات و400 مليون دولار، بزيادة 35% عن العام الماضى، بحسب رئيس الهيئة.

ومرّ بقناة السويس خلال عام واحد، أكثر من 25 ألف سفينة بنسبة زيادة نحو 25%، مشدّداً على أنّ الشائعات تطال كل المشروعات القومية التى تجرى بمصر، مثلما حدث مع قناة السويس الجديدة.

وعن معوقات تطوير القطاع الجنوبى لقناة السويس الذي بدأ تطويره فى يونيو 2021، قال بيع لم يشهد المشروع أى تطوير منذ 1990 نظراً لصعوبته، إذ إنّ قاعه صخرى وعرضه ضيق والتيارات المائية تؤثر فيه.

واستدرك أن مشروع تطويره (إن تم) سيكون حجر الزاوية لاستكمال الازدواجية الكاملة للقناة، حيث يجرى زيادة المتر جهة الشرق وزيادة الأعماق من 66 إلى 72 قدماً، أى من 24 إلى 72 متراً، وتشهد البحيرات المرة الصغرى 10 كيلومترات ازدواج، لتكون هناك قناتان بطول 250 متراً أخرى، بإجمالى 500 متر!
وأشار ضمنا إلى أن سبب مشكلة السفينة إيفرجيفن وغيرها من السفن الجانحة هو هذا المشروع بطئ التحرك.
وحول حوادث أعطال السفن، قال «ربيع» إن وجود أعطال فى سفينة أو فى الماكينات أمر طبيعى، وكان يحدث من قبل واقعة «إيفر جيفن»، متابعاً: «حب المصريين لقناة السويس وخوفهم عليها جعلهم يركزون مع القناة عندما تحدث أى حادثة، لاعتقادهم أنّها تشبه واقعة إيفر جيفن»، لافتاً إلى أنّ من الوارد حدوث أعطال فى السفن المارة بالقناة، وهذه النسب لا تتعدى 0.9% من عدد المراكب المارة، وهى نسب ضئيلة وتكاد تكون صفراً وليست كثيرة.

وتعتبر قناة السويس إحدى أبرز الموارد التي تعتمد عليها الدولة لتوفير العملة الصعبة، ومطلع عام 2023، زادت هيئة قناة السويس من رسوم العبور للسفن العابرة بنسبة 15 ٪ باستثناء سفن الصب الجاف والسفن السياحية التي رفعت رسومها بنسبة 10 ٪.

 

البيع الأول للقناة
في عام 1875 مرت مصر بأزمة مالية طاحنة اضطر معها الخديوي إسماعيل إلى بيع حصة مصر من أسهم القناة لبريطانيا بمبلغ 100 مليون فرنك في 25 نوفمبر من ذلك العام.
وحلت الحكومة البريطانية محل المصرية في ملكية شركة قناة السويس، ولكن الأزمة المالية لم تنفرج، وأرسلت الدول الدائنة لجنة لفحص الحالة المالية في مصر لتصفية الديون التي تدين بها مصر لدول نادي باريس وكان مؤمن على هذه الديون بأرباح مصر التي تمثل 15% من شركة قناة السويس، فقررت اللجنة بيع حصة مصر من الأرباح نظير مبلغ 22 مليون فرنك، وبذلك خسرت مصر حصتها من أسهم القناة وحصتها في الأرباح في ظرف 6 سنوات من افتتاح القناة.
وتشهد مصر في عهد سيسي العسكر أزمة اقتصادية طاحنة، أقسى من أزمة 1875 ونقصا في العملة الأجنبية، في وقت تتهم المعارضة الحكومة بالتسبب في الأزمة بسبب سياسات الاستدانة وبيع أصول الدولة.

وتعتزم مصر سداد ديون خارجية بقيمة تعادل 452 مليار جنيه للعام المالي 2023-2024 حسب الموازنة العامة للدولة.

وتنقسم تلك القيمة إلى سداد أقساط ديون خارجية بقيمة 298.7 مليار جنيه، وفوائد على الديون بقيمة 152.61 مليار جنيه.

وطرحت حكومة السيسي شركات مملوكة للدولة في البورصة، وباعت أراض لمستثمرين في إطار خطة تستهدف؛ إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي لمدة 4 سنوات، ووافق السيسي على إصدار وثيقة ملكية الدولة، التي ستتخارج الحكومة بموجبها (تبيع أصولها) من 62 نشاطاً، فيما سيتم تثبيت أو تخفيض الاستثمارات الموجهة لـ 56 نشاطا، و76 نشاطاً سيتم تثبيت أو زيادة الاستثمارات الموجهة لها.

وكان النائب ببرلمان العسكر عاطف مغاوري قال إن "موارد قناة السويس تعد موردا رئيسيا للخزانة العامة المصرية ويجب عدم الاستقطاع منها".

وأضاف أن "القناة لديها بالفعل 9 شركات تابعة لها تقوم بالاستثمار في مشروعات مختلفة، أما الصندوق الجديد فسيكون له مجلس إدارة وجمعية عمومية وله الحق في البيع وطرح الأوراق المالية فسيكون كجهة موازية للقناة.

وزعم رئيس برلمان السيسي، حنفي الجبالي، خلال كلمة له في جلسة "برلمانية" إن "لفظ أصول يقصد به أصول الصندوق ولا يمكن أن ينصرف، بأي حال من الأحوال، إلى القناة ذاتها؛ فهي مال عام لا يمكن التفريط فيه"!


وتصدر وسم #قناة_السويس مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد موافقة البرلمان من حيث المبدأ على تعديل قانون الهيئة وإنشاء "صندوق لهيئة قناة السويس".

ومن جهته قال الباحث والكاتب، عمار علي حسن: "يبدو أننا قد انتهينا من بيع الأثاث، وبدأت مرحلة بيع جدران البيت. أتحدث عن قانون ينظره البرلمان الآن عن إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس يكون من حقه "شراء وبيع وإيجار واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها"، يا لضيعة أرواح الذين استشهدوا في التأميم، والذين دفعوا أثمانا بسببه".