في توقيت متزامن حذرت وكالتي رويترز وبلومبرج من عجز السيسي عن بيع الأصول بسبب توسعه في الاقتراض فضلا عن ترجيح أزمة خانقة بنهاية يونيو الجاري للأسباب نفسها.
وقالت "بلومبرج": جمعت الحكومة 150 مليون دولار فقط حتى الآن من إجمالي ملياري دولار من المفترض تجميعها قبل نهاية يونيو الحالي ما يتوقع معه أن تواجه أزمة في سداد الديون.
وأضافت الوكالة التي تشارك تقاريرها فضائية "الشرق" السعودية، أن حكومة السيسي في فبراير، نيتها طرح 32 شركة حتى مارس 2024، من ضمنها 8 شركات قبل نهاية أغسطس، مع تقديرات بأن تبلغ حصيلة الصفقات ملياري دولار بنهاية السنة المالية الحالية في 30 يونيو، اقتصرت الطروحات على بيع 10% من أسهم “المصرية للاتصالات” بقيمة 150 مليون دولار.

وأوضحت أنه من أبرز الشركات التي يتوقع الانتهاء من بيع حصص فيها بالفترة القليلة المقبلة، هي “إيلاب” التابعة لوزارة البترول ، و”صافي” الغذائية و”وطنية” لمحطات الوقود التابعتين للجيش، والشركة القابضة التي تضم محفظتها أصول عدد من الفنادق التابعة للحكومة.

الديون الخارجية
ومن جانب مواز، قالت وكالة رويترز إن مصر تواجه مهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم لجمع السيولة المطلوبة لسداد ديونها الخارجية، بعدما ارتفع الاقتراض الخارجي في الأعوام الـ8 الماضية إلى 4 أمثاله.

وأبانت أن الديون استخدمت في تمويل بناء عاصمة جديدة وتشييد بنية تحتية وشراء أسلحة ودعم عملة، مبالغ في تقدير قيمته.

وكشفت رويترز أن القليل من المشروعات الضخمة في مصر يدرّ تدفقات إضافية من العملة الصعبة، في حين فاقم المستثمرون الأجانب المتاعب بالعزوف عن مصر وغيرها من الأسواق الناشئة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية وزيادة تكاليف الاقتراض العالمية.

مقابل إدعاء حكومة السيسي أنها ستفي بالتزامات السداد، لكنها لم تنفذ التغييرات الاقتصادية الهيكلية التي تعهدت بها منذ فترة طويلة، كما أن محاولتها جمع السيولة عن طريق بيع شركات مملوكة للدولة لم يسفر عن بيع أي أصول رئيسية بالعملة الصعبة منذ نحو عام.

وأشارت في السياق إلى تصريح رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي،  طمأنة المستثمرين على الوضع المالي للبلاد فقال : "أؤكد أن الدولة المصرية لم ولن تخفق في سداد أي التزامات دولية". مضيفا "مصر ستفي بالتزاماتها الخارجية وستجمع أموالا عن طريق بيع أصول تشمل ملياري دولار بنهاية يونيو"!.

ونقلت عن مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري: "أعتقد أن أكبر مشكلة في الوقت الحالي هي أنه لا أحد يرى إصلاحات كافية.. مصر تنتظر تدفقات رأس المال، ولا أحد ممن أتحدث معهم على استعداد لفعل ذلك مرة أخرى حتى يرى الإصلاح".

وأضافت أن المستثمرون لطالما حثوا أن تكون العملة أكثر مرونة، ولكن الجنيه المصري لم يتحرك مقابل الدولار منذ 3 أشهر رغم تعهد لصندوق النقد بتحريره ضمن حزمة مالية بقيمة 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها في ديسمبر الماضي.

ووسط شحّ النقد الأجنبي سحبت مصر من صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أكثر من 40 مليار دولار في العامين الماضيين استُخدم جزء منها لدعم الجنيه.
وأوضحت "رويترز" أن اثنين من مصادر النقد الأجنبي الرئيسية في مصر شهدا زيادة وهما السياحة ورسوم عبور قناة السويس، لكن مصرفيين يقولون إن تحويلات المصريين العاملين في الخارج -وهي مصدر ثالث مهم للعملة الأجنبية- تراجعت بسبب تحويل عدد أكبر من الناس لأموالهم عن طريق السوق الموازية.

ومن جانب ثالث، قالت وكالة "موديز" للتصنيف الإئتماني إن "مواعيد استحقاق الدين الخارجي الكبير لمصر أصبحت تمثل تحديا متزايدا".

في وقت أثار فيه شحّ العملة الصعبة مخاوف بشأن قدرة مصر على سداد الديون الخارجية. ومنذ أبريل خفضت وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث النظرة المستقبلية لديون مصر.


المطلوب سداده

وأظهرت بيانات للبنك المركزي أن القروض الخارجية قفزت إلى 162.9 مليار دولار بحلول ديسمبر 2022 من أقل من 40 مليار دولار في 2015. وقفز الاقتراض في الربع الأخير من 2022 وحده إلى 8 مليارات دولار.

وقال البنك المركزي الأسبوع الماضي إن المدفوعات المستحقة تشمل 2.49 مليار دولار من الديون القصيرة الأجل في يونيو، وأنها في النصف الثاني من 2023 تشمل 3.86 مليارات دولار من الديون القصيرة الأجل و11.38 مليار دولار من الديون الطويلة الأجل.

وبعض هذه الديون مستحق السداد لدول صديقة مثل حلفاء مصر في الخليج. وتقول الوكالة إنه استنادا إلى تجارب سابقة، فمن المرجح أن تمدد تلك الدول أجل ودائعها البنك المركزي المصري التي تقارب قيمتها 30 مليار دولار.

وهناك ديون أخرى مستحقة لمقرضين أقل تسامحا مثل صندوق النقد، الذي يجب أن تسدد له مصر 2.95 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023، وحاملي السندات الأجانب، الذين يستحقون 1.58 مليار دولار. وهناك جدول سداد شاق على نفس المنوال في السنوات التالية.

وتشكل هذه المدفوعات لصندوق النقد وحاملي السندات الأجنبية وحدهم، وهي حوالي 4.5 مليارات دولار، أكثر من نصف العائدات التي تجنيها مصر سنويا من قناة السويس البالغة 8 مليارات دولار.

 

السيسي نهم للقروض

وفي لفتة توثيقية، أكدت رويترز أن النهم للاقتراض بدأ في مصر مع عقد مؤتمر اقتصادي في مارس2015 بعد مرور أقل من عام على تولي عبد الفتاح السيسي المنصب، عندما تم الإعلان عن سلسلة من المشروعات العملاقة بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة و3 محطات للطاقة.

وأضافت أن الاطمئنان الذي قدمه اتفاقان مع صندوق النقد في عامي 2016 و2020 كمأن مقرضين متعددي الأطراف وحكومات أجنبية ومؤسسات استثمارية، كما استفادت مصر التي استضافت قمة المناخ كوب 27 العام الماضي، من موجة التمويل الأخضر.

وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس “حازت مصر إعجاب صندوق النقد والمستثمرين بسبب ما كانت تفعله لاستقرار الاقتصاد الكلي”.

وأضاف “لم تحقق الاستثمارات العائد المأمول من حيث تعزيز القدرة على سداد الديون الخارجية”.

ويقول خبراء اقتصاديون إن مصر -التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة وتعد واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم وتعتمد أيضا على الواردات في الحصول على سلع غذائية أخرى وفي توفير الوقود- أنفقت الكثير من الأموال المقترضة على مشروعات لن تحقق عائدات سريعة من النقد الأجنبي الذي تحتاج إليه البلاد، بحسب "رويترز".

وتشمل تلك المشروعات العاصمة الإدارية الجديدة التي ستبلغ تكلفة إنشائها شرقي القاهرة 58 مليار دولار، ومحطة للطاقة النووية بتكلفة 25 مليار دولار على ساحل البحر المتوسط، وإنشاء شبكة سكك حديدية للقطارات العالية السرعة بطول ألفي كيلومتر، ستكون سادسة أكبر شبكات العالم، وقالت الرئاسة المصرية إنها ستكلف 23 مليار دولار.

وفيم بين عامي 2015 و2019 صارت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، إذ تعاقدت على ما لا يقل عن 54 طلبية أسلحة، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ويبلغ الدولار نحو 31 جنيها بالسعر الرسمي، لكن سعره في السوق السوداء يصل إلى نحو 39 جنيها بحسب رويترز فيما يصل في الواقع إلى 45 جنيها.