أبدى ناشطون صحفيون وحقوقيون على مواقع التواصل الاجتماعي تعجبهم من وصول بلدوزر الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المعنية بكباري ومحاور السيسي بالقاهرة التاريخية الإسلامية إلى قبر عملاق جديد وهو "رب السيف والقلم" الوزير والشاعر محمود سامي البارودي أحد زعماء الثورة العرابية وقائد الجيش في ذلك الوقت. 

واتهم المحامي عمرو عبد الهادي النظام بإزالة المقبرة مشيرا إلى أن عمرها أكتر من قرن حيث توفي ودفن بالقاهرة عام 1904.  وقال: ".. طبعا لان النظام انقلابي بيكره أي حاجة فيها ثورة ولأنه كان أحد زعماء الثورة العرابية هيرمو رفاته في الشارع رغم أنه كان وزير حربية ثم رئيس وزراء باختيار الثوار لهُ إلا أنه لم يشفع له لأنه شارك في ثورة عرابي".

أما الأكاديمي خالد العزب فساق شعرا من أشعار الأديب المصري الراحل الشاعر "محمود سامي البارودي" رائد مدرسة الإحياء والبعث في الشعر العربي، ومقبرته بحي باب الخلق بالقاهرة.

وهو يقول:

جلبت أشطر هذا الدهر تجربة

وذقت ما فيه من صاب ومن عسل

فما وجدت على الأيام باقية

أشهى إلى النفس من حرية العمل

لكننا غرض للشر في زمن

أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة

أدهى على النفس من بؤس على ثكل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت قواعد

 

وتواصلت أعمال الإزالة التي تستهدف القاهرة (وسط وجنوب) بغرض إنشاء جسر مروري جديد، وتدخل في خطة الإزالة منطقة المقابر القديمة التي تضم رفات عدد من الأعلام والمشاهير المصريين، حيث وضعت السلطات علامة الإزالة على قبر البارودي الموجود في مدافن السيدة نفيسة.
 

مقبرة العظماء 

واعتبر الحقوقي نجاد البرعي أن "ازاله ضريح العظماء مثل محمود سامي البارودي وحافظ إبراهيم ويحي حقي وغيرهم وصمه عار في جبين جيلنا كله".

واقترح علي الحكومة "التوقف عن الإزالة وبناء مقبرة ضخمة فخمة شيك في العاصمة الإدارية تسمي مقبرة العظماء ويتم دفن رفاتهم هناك وسط تكريم كامل".. معلقا "الحي أبقي من الميت".

أما الصحفية شيرين عرفة فنفت عن هادمي التاريخ أن يكونوا عقلاء وقالت: "من يصدق أن دولة يحكمها عقلاء تقرر بمحض إرادتها هدم آثارها ومحو تاريخها من أجل بناء جسر خرساني، يضاف لآلاف أخرى يتساءل عن جدواها المصريون".

وأضافت: "من قرر مسح القاهرة التاريخية من على وجه الأرض؟! من قرر تحويل مدينة الألف مئذنة .. لمدينة الألف كوبري؟!" مشيرة إلى أن "هدم المقابر التاريخية، جريمة خيانة عظمى".

وشددت على أن الاجيال القادمة لن تسامحنا "وسيتم لعن تلك الحقبة الزمنية ومن عاشوها.. قبل أن يُلعن حاكم مجرمون قرروا طمس التاريخ وتشويه الحضارة لتحقيق أحلام العدو.. هدم مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وقبلها قرافة المماليك.. قبور أثرية يتجاوز عمر بعضها 1200عام .. أقدم من دول كبرى تحكم العالم الآن".

 

رب السيف والقلم  

وأشارت إلى أن "القائمين على عمليات الهدم الكارثية تلك، لا يعلمون بقيمة وأهمية المقابر التاريخية!.. لكن يبدو أن قرار الإزالة، يقف خلفه أعلى مسئول بهذي البلاد!.. متهمة "السيسي بذات نفسه هو من يقود أوناش هدم تاريخ مصر ومحو عاصمتها التاريخية من فوق وجه الأرض".
وولد البارودي في القاهرة عام  1839 لأبوين من أصل شركسي من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي، ونشأ في كنف أسرة ثرية تملك شيئاً من السلطان، فقد كان والده ضابطاً في الجيش المصري برتبة لواء، وعُيّن مديراً لمدينتي بربر ودنقلا في السودان، وقد توفي والده هناك عندما كان البارودي لا يزال صبياً في السابعة من عمره.

كانت أسرته ميسورة، وتلقى تعليما جيدا، ودرس الفقه والتاريخ والحساب وحفظ القرآن الكريم والتحق عندما كان في 12 من عمره بالمدرسة الحربية ودرس فيها فنون الحرب، وقد تخرج في المدرسة برتبة "باشجاويش" لكنه لم يستطع استكمال دراسته العليا، فقد التحق بالجيش السلطاني.

وتأثر البارودي بالنهضة الأدبية في العصر الحديث ونتيجة الاتصال بأوروبا عن طريق زيادة عدد المبتعثين الذين تخصصوا في فروع الأدب بالجامعات الغربية، وهو أول من كتب مقدمة لديوان شعري في العصر الحديث.

ووصف في أشعاره محطات متعددة من حياته منها اشتراكه في  الحملة العسكرية التي ساندت الجيش العثماني في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت

عمل البارودي في بداية حياته المهنية بوزارة الخارجية، وسافر إلى الأستانة عام 1857 حيث أتقن هناك اللغتين التركية والفارسية، كما اطلع على أبرز الأعمال الأدبية باللغتين وحفظ كثيراً من أشعارهما.

وشارك البارودي في البعثة الضخمة التي أرسلتها مصر لمساندة العثمانيين في حربهم ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب.

حلت الهزيمة بالعثمانيين في تلك الحرب، فعاد البارودي إلى مصر لنتم ترقيته إلى رتبة لواء؛ نظراً إلى جهوده في ساحة المعركة.

بعد ذلك تقلد البارودي منصب محافظ الشرقية ثم محافظ القاهرة وكان ذلك في فترة حرجة من تاريخ مصر، فقد كانت البلاد غارقة في الديون وبدأت تشهد تدخلات فرنسية وبريطانية في سياستها، لتنشط بعد ذلك الحركات الوطنية وليظهر تيار الوعي الذي يقوده جمال الدين الأفغاني.

 

وزارة الثورة

مرت مصر في تلك الفترة بالعديد من الأحداث، منها عزل العثمانيين للخديوي إسماعيل وتولية ابنه توفيق مكانه، والذي قام بالقبض على الأفغاني، في ذلك الوقت كان البارودي وزيراً  للمعارف والأوقاف، وقد بقي في هذا المنصب حتى عام 1881، إذ تولى بعدها نظارة الحربية، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في العام نفسه نتيجة لتوتر العلاقات بينه وبين الخديوي.

وفي عام 1882 تولى رئاسة النظارة إلى جانب نظارة الداخلية، وكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلقت على وزارته اسم وزارة الثورة أو الوزارة الوطنية.

وحاك بعض الضباط مؤامرة لاغتيال البارودي وأحمد عرابي، قائد الثورة العرابية الداعية إلى رفض التدخل الأجنبي في مصر، فتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة هؤلاء الضباط وتجريدهم من رتبهم العسكرية ونفيهم إلى السودان. لكن لما رفع البارودي الحكم إلى الخديوي توفيق رفض المصادقة عليه، وجاء هذا الرفض بتحريض من القنصل الفرنسي والقنصل البريطاني.

غضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقاً للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على هذا المنوال.

انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية  وقدم قنصلاهما مذكرة بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، وتحت هذه الضغوط لم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة.

تطورت الأحداث بعد استقالة البارودي وانتهى الأمر بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين فيها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب في سريلانكا  حيث بقي هناك أكثر من سبعة عشر عاماً.

تمكن البارودي بعد هذه المدة من العودة إلى مصر، حيث اعتزل العمل السياسي بعد أن أعياه المرض، وفتح منزله للشعراء والأدباء الذين تأثروا بشعره وكان منهم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وإسماعيل صبري والذين أسسوا لاحقاً مدرسة النهضة أو مدرسة الإحياء في الشعر العربي الحديث.

 

مقابر مستهدفة

ومن آخر المقابر المستهدفة مقبرة الراوي "ورش" صاحب الرواية المشهورة في قراءة القرآن "ورش عن نافع" الذي يعدّ واحدًا من الأئمة العشرة في القراءات، ومقبرته تقع ضمن مقابر الإمام الشافعي، وولد في مصر عام 110 هجرية، ثم غادرها إلى المدينة المنورة وتتلمذ على أيدي شيخه الإمام نافع تلميذ الإمام مالك بن أنس.

ومن مقابر الأعلام والمشاهير المقرر إزالتها أيضا مقبرة الشيخ القارئ محمد رفعت، الملقب بـ"قيثارة السماء" الواقعة ضمن مقابر السيدة نفيسة بالقاهرة كذلك مقبرة البارودي ومقبرة شيخ الأزهر الأسبق "محمد مصطفى المراغي" الذي تولى مشيخة الأزهر الشريف مرتين، وأوضحت حفيدته، أن أسرتها تلقت إخطارًا من محافظة القاهرة بنزع ملكية مقبرة جدها، ونقلها إلى مكان آخر بمحافظة الشرقية.

واخبرت حفيدة السياسي "محمد عز العرب" أحد قادة ثورة 1919 والصديق المقرب للزعيم سعد زغلول، وسكرتير عام حزب الوفد في رسالة نشرتها على مواقع التواصل بأن الحكومة اخطرتها بإزالة مقبرة جدها ومن المقرر أيضا إزالة مقبرة شاعر النيل "حافظ إبراهيم" احد أعلام الشعر في العصر الحديث.

وتحدثت تقارير صحفية عن قرارات إزالة مقبرة الإمام الشافعي، ومقبرة الأميرلاي "علي بك رمزي" والفريق إسماعيل "باشا سليم" ومدفن "محمد راتب" باشا سردار الجيش المصري سابقًا.