أبدى مراقبون تخوفهم من أن يكون المهاجرون واللاجئون أمام خطر التصفية أو الاعتداء الجسدي، بعد تضمينهم بقوة في مستهدفات الإعلام المعارض في تركيا، وخطابات كليجدار أوغلو الدعائية للمرحلة الثانية (الإعادة) التي باتت مكدسة بالأكاذيب الشعبوية العنصرية ضد اللاجئين والسوريين منهم بشكل خاص.

الهدف السياسي الواضح هو الحصول على أصوات اليمين القومي شديد التطرف، الذي يفترض أنه صوت لصالح سنان أوغان (أحد أبرز الشعبويين الأتراك) والذي التقى الرئيس أردوغان على سبيل الدعم أمام كليجدار، ولكن انعكاسات التأثير غير محدودة العواقب وربما يكون لها آثار على المدى المتوسط والبعيد إن لم يكن على المدى القريب (بعد نتائج الحسم في 28 مايو).

وقتل شابين سوريين في اسطنبول أثناء احتفالهما مع حزب العدالة والتنمية لفوزه بالانتخابات التركية، وحذرت مجموعات سورية من الخروج إلا للضرورة القصوى خلال فترة انتظار انتخابات الاعادة بسبب وجود توجهات عنصرية مقصودة ضد السوريين للتأثير على أراء الناخبين.


وتنتشر لوحات إعلانيّة في شوارع تركيا عليها صور مرشّح المعارضة كمال كليجدار أوغلو مكتوب عليها “السوريون سيرحلون.. أعطِ قرارًا”.
 

وتناولت صحف المعارضة ومنها صحيفة "سوزجو" الداعمة لحزب الشعب الجمهوري عايرت الشعب التركي من أهالي مناطق الزلزال وقالت "تستحقون العيش بالخيام"، وأن نتائج الانتخابات عامة تعني أنهم "راضون باللاجئين"!
 

آراء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الواضحة والصريحة أثرت في انسحاب الكثير من الأتراك من التصويت له وأضافت إلى رصيده من آخرين، فقال وهو يرد على سؤال لأحد الطلاب في لقاء شبابي "إلى متى ستستمر تركيا بتحمل أعباء استضافة السوريين؟"، فقال  أردوغان: "لا يمكننا أن نضع السوريين على الباب ونقول لهم عودوا إلى دياركم، لقد بنينا 100 ألف منزل لهم والكثير عاد لبلده بشكل طوعي، كما أننا لا نستطيع أن نسلمهم للموت".


دعاية فجة
الكاتب والباحث الفلسطيني د.محمد خير موسى رأى أن العنصريّة التي تمارسُها المعارضة التركيّة اليوم ممثّلة بمرشّحها رئيس حزب الشّعب العلماني تُمثّل صورةً من أكثر صور العنصريّة فجاجة، ليس على مستوى تركيا فحسب بل على مستوى العالم كلّه.


وأوضح في مقال له نشره عبر "الجزيرة مباشر" بعنوان؛ "العنصريّة شعارًا انتخابيًّا في سباق الرئاسة التركي.. وبؤس المعارضة"، "إنّها عنصريّة تقوم على الإساءة إلى شعب كاملٍ من أجل أصوات الناخبين، وتعتمد على إثارة البغضاء والكراهية من أجل الوصول إلى منصب يُفترض فيه أنّه لحماية الإنسان من التمييز، وترتكز على المتاجرة بآلام النّاس والتجييش ضدّهم للحصول على مكاسب انتخابيّة، ألا ما أرخص الديمقراطيّة التي لا تملك إلّا المتاجرة بأرواح الناس واستخدام حياتهم ومستقبلهم أوراقًا في صناديق الاقتراع".


وأضاف أن يكون برنامج المعارضة التركية الوحيد للحصول على الرئاسة هو ترحيل السوريين يعني "بؤسا"، "وهي تغرس في المجتمع التركيّ جذور حقد وكراهية وبغضاء ستفرع فرقةً نتنة وعصبيّات جاهليّة تهدد المجتمع كلّه في تماسكه؟".

وحمل "خير موسى" المسؤولية عن ذلك ل"العنصريّون من مؤسسات إعلاميّة أو أفراد ومؤثرين ومغردين فقدوا أدنى معاني الإنسانيّة فضلًا عن فقدانهم معاني الأخوّة والمروءة، وكذلك يتحمّل مسؤوليّة هذه الممارسات من هيّأ لهم الإسناد والتّغطية أو شجّعهم على إذكاء عنصريّتهم من خلال تبنّي العنصريّة شعارًا انتخابيًّا بائسًا من أحزاب المعارضة التي أثبتت بهذا أنّها لا تقيمُ وزنًا حقيقيًّا لكرامة الإنسان ولا لإنسانيّة الإنسان".

وعن البشاعات المتجليّة في الخطاب العنصريّ لفت إلى أنها "بشاعة التّمييز والخطاب العنصريّ القائم على الكراهيّة والتّنميط والتّعميم، وبشاعة الاستعلاء الممجوج على أناسٍ كرامٍ ذاقوا ويلاتِ الحرب والتّهجير واللّجوء، وقرّروا مواجهتها بالكفاح والثبات وإثبات الذّات، ولم يكونوا عالةً على أيّ من الدّول أو المجتمعات التي استقبلتهم".


منذ الجولة الأولى

وكان الكاتب والمحلل السياسي قطب العربي، أشار بأعقاب الجولة الأولى من الانتخابات التركية إلى أنه "ربما تسهم هذه النتيجة والوصول إلى جولة إعادة في تهدئة الاتجاهات العنصرية التي كانت تستعد إما للاحتفال بالفوز أو الاحتجاج على النتيجة حال فوز أرودغان، وكان من الممكن أن تتحول تلك الاحتجاجات إلى صدامات مع المهاجرين الأجانب كنوع من رد الفعل".

ورجح أنه بنتيجة الجولة الأولى "يكون جزء كبير من مخاوف اللاجئين عموما والعرب خصوصا قد زالت مع وجود أغلبية برلمانية للعدالة والتنمية كفيلة بحمايتهم ومنع إصدار تشريعات ضارة بهم".
 

تحرك قانوني
ورأى مراقبون أن المعارضة مارست العنصرية تجاه لاجئين أتراك هم سكان مخيمات الزلزال الذين صوتوا لأردوغان وأنهم إذ فعلوا ذلك بحق أبناء جلدتهم فلم يعد مستغربا ان يمارسوها ضد السوريين، وأن الأمر بهذا الوضع بات يستدعي تحرك قانوني ضد المحرضين لما يمكن أن يتبع ذلك من عنف قد يفضى لمقتلة ودماء بحق اللاجئين (باعتبارهم الطرف الأضعف).
 
الباحث محمد طلال بازرباشي قال إن "الخطاب العنصري في تركيا بدأ يلتهم الأتراك أنفسهم وهذه نتيجة حتمية تتحمل الحكومة كامل المسؤولية عنها لسماحها لسنوات برواج الخطاب العنصري ومحاولة استثماره!، مضيفا "نعم العنصرية تشتعل بحطب اللاجئين لكنها سرعان ما ستحرق الجميع عندما يشتد أوارها وتعلو نارها، إلا أن يطفئها الحكماء بماء العدل!".
 

وعلى هذا النحو، يرى بعض اللاجئين أن استقرارهم في تركيا بات على المحك سواء فاز اردوغان أم لم يفز، فإن نبرة العنصرية ستتصاعد من خلال اعتداءات وانتهاكات تجاه اللاجئين السوريين، وسيتم تحميلهم وزر الفوز أو الخسارة، فصارت مثل لبنان البلد العربي الذي ضاق قطاع منه باللاجئين السوريين، وباتت ورقتهم يتلاعب بها  المافيات السياسية والقومية والطائفية، بحسب المراقبين.

ومقابل هذه الرؤية يرى آخرون أن الأمور باتجاه التهدئة، وأن الرأي العام لا يوافق على ماذ ذهبت إليه المعارضة وتصر عليه، فبحسب قطب العربي "أصيبت المعارضة بصدمة نتيجة انهيار رهاناتها حول فوزها الكاسح من الجولة الأولى في الرئاسة والبرلمان أيضا، وهي الرهانات التي صدرتها للشعب فصنعت وهما كبيرا كشفته النتائج الفعلية، وهذه الصدمة ستنعكس سلبا على أدائها في جولة الإعادة".


وخسر زعيم "حزب النصر" التركي أوميت أوزداغ مقعده البرلماني، ما أسعد الكثير من اللاجئين السوريين الذين طالما عانوا بسبب تصريحاته العنصرية، وكان وعد في حال فوزه بترحيل 13 مليون لاجئ (سوريين ومن جنسيات أخرى). وقالت ميس السورية "لا شيء يعادل فرحتنا والبعض وزع الحلوى".

وقال مصطفى جليل السوري "تناقض رهيب في تركيا.. ميرال أكشنار، أوميت اوزداغ، سنان اوغان، هؤلاء هم أبطال العنصرية والعداء ضد اللاجئين، منذ سنوات وهم يحرضون على العرب واللاجئين، والغريب أن أكشنار من أصول يونانية ومن أسرة لاجئة في تركيا، وأوزداغ من أصول داغستان، وأوغان من أصول أذرية".