للمرة الثانية خلال 6 سنوات، عقدت حكومة الاحتلال الصهيوني اجتماعها الأسبوعي، الأحد، في أنفاق حائط البراق - تقع تحت الحائط الغربي للحرم القدسي، وتمتد بطوله إلى المسجد الأقصى - بعد أول اجتماع لها عام 2017، للمصادقة على مشاريع تهويدية في المدينة.

وقالت صحيفة (معاريف) الصهيونية، إن حكومة بنيامين نتنياهو عقدت اجتماعًا احتفاليًّا بمناسبة الذكرى الـ56 لاحتلال القدس الشرقية وضمها.

من جانبه، قال نتنياهو في مستهل اجتماع الحكومة “منذ 56 عامًا في حرب الأيام الستة (5 يونيو 1967)، وحدّنا المدينة (القدس)، لكن الكفاح من أجل وحدتها لم ينته بعد”. مضيفًا أن “العمل لم ينته والتحدي ما زال أمامنا، لأنه ما زال هناك من يريد تقسيمها علانية. من أجل أمننا ووحدة القدس، يجب أن نستمر في الحفاظ على هذه الحكومة”.

وصدّقت الحكومة الصهيونية على إضافة 60 مليون شيكل (نحو 17 مليون دولار) لميزانية حفر الأنفاق تحت حائط البراق والبلدة القديمة، بالإضافة لأعمال صيانة الأنفاق القائمة.

وخصصت 30 مليون شيكل لمواصلة الحفريات في منطقة حي المغاربة وحائط البراق، بزعم البحث عن الآثار، عدا عن تشكيل لجنة وزارية تحمل اسم “القدس الكبرى”، مهمتها إحياء “القدس كعاصمة لإسرائيل”.

كما أقرت رفع ميزانية تشجيع اقتحام حائط البراق في عامي 2023 – 2024، إلى 8 ملايين شيكل بعد أن كانت مقدرة بـ 4 ملايين فقط.

 

أهداف الاجتماع الصهيوني

وتهدف حكومة الاحتلال إلى تصعيد حربها الدينية على المسلمين، بإقرارها مضاعفة تمويل المشاريع الاستيطانية التهويدية والتي كان في مقدمتها مشروع “الحوض المقدس”، ليكون مشروعًا تهويديًّا مركزيًّا لدولة الاحتلال، إضافة إلى اعتمادها سلسلة قرارات خطيرة لمحاولة تكريس تهويد القدس المحتلة، في خطوة من شأنها تأجيج حالة الغضب والتصعيد في الحرب الدينية.

الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص، بيّن أن حكومة الاحتلال دأبت على تخصيص جلستها الأسبوعية التالية للذكرى العبرية لتوحيد القدس لتخصيص ميزانيات لتهويد المدينة ولإقرار مشروعات فيها، إلى جانب قراراتها الأخرى، وقد سبق لها أن أقرت ميزانيات ومشروعات أكبر مما أقرته اليوم في الاجتماع المشابه في عام 2017 في الذكرى الخمسين لاستكمال احتلال المدينة.

وأوضح ابحيص أن أهم ما جاء في اجتماع الحكومة الصهيونية في حفريات جوار المسجد الأقصى المبارك، إلى جانب موازنة دعم الحفريات وتهويد جوار المسجد الأقصى، هو التركيز على الجانب الرمزي وعلى انعقاد الاجتماع في الأنفاق المجاورة للمسجد الأقصى، وفقًا لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”.

وسعت حكومة الاحتلال في اجتماعها إلى حضور أعضاء الحكومة بكامل طاقمها تقريبًا، والحرص على أخذ صورة تذكارية بعده، “وهي إشارات رمزية كانت تختص بها الاجتماعات العشرية بالأساس، أي في 2007 وفي 2017، وهو تعبير عن مدى تعلق حكومة الصهيونية الدينية الحالية بمشروع تهويد القدس” وفق ابحيص.

وقلل ابحيص من إمكانية قدرة الاحتلال على تهويد مدينة القدس، لأن ذلك “لا تؤيده موازين القوى الدولية أو الإقليمية أو حتى داخل فلسطين المحتلة”، مبينًا أن التطور الصهيوني في تهويد المدينة ما يزال بطيئًا ومتعثرًا وإن حقق تقدمًا على الأرض.

وقال: هذا ما ينبغي أن يدفعنا لخوض معركة القدس بجدية وثقة أكبر، لأنها معركة ما تزال مرشحة للانتصار فيها رغم كل شيء، شرط أن نخوضها كما يجب وأن نكرس لها الطاقات والإمكانات.

 

السيطرة على الأقصى

نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، ناجح بكيرات، يقول: "بحث حكومة الاحتلال قضية الأقصى خلال اجتماعها في أنفاق البراق، كي ترسل رسالة واضحة للأمة العربية والإسلامية مفادها أننا سيطرنا على جذر الأقصى، وغدّا قد نستولي على ما فوقه، فهم يخططون لتقسيمه، وتفتيت وإنهاء الوجود الإسلامي فيه".

وما رافق الاجتماع الصهيوني من اقتحام لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير للأقصى، وحملة الاعتقالات والإبعاد بحق المقدسيين، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين في البلدة القديمة- كما يقول بكيرات- يدلل دلالة واضحة على أن الهدف الرئيس ليس ديني وإنما سياسي لخروج نتنياهو من أزماته الداخلية، وفقًا لـ"وكالة صفا".

ويضيف "نحن أمام مرحلة جديدة تستهدف نقل الصراع من الداخل إلى العالم، فالأمور تزداد تفجرًا وتعقيدًا، وما يجري في القدس يدلل على عنجهية الاحتلال ومحاولته لفرض سيطرته وسيادته على المدينة".

و"ما قرار حكومة الاحتلال تشكيل لجنة وزارة لشؤون القدس الكبرى إلا وسيلة لتوحيد جهود كل المؤسسات الاحتلالية العاملة على تهويد القدس وعددها ما يزيد عن 85 مؤسسة، تحت لجنة واحدة، مهمتها الإسراع أكثر في إتمام عمليات التهويد والاستيطان بالمدينة".

والأخطر من ذلك - كما يحذر بكيرات - "تحويل القدس من عاصمة للشعب الفلسطيني إلى عاصمة لمشروع الدولة اليهودية، فضلًا عما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات لتقسيمه، تمهيدًا لهدمه وإزالته من الوجود".

 

"الحوض المقدس"

وتضمن الاجتماع المصادقة على تخصيص ميزانية ضخمة لتطوير مشروع ما يسمى “الحوض المقدس”، أحد أكبر مشاريع تزوير تاريخ القدس وأحيائها، والذي أقرته حكومة الاحتلال في تسعينيات القرن الماضي، حيث دشّن الاحتلال الصهيوني مشروعًا استيطانيًّا تهويديًّا أقر له ميزانيات مالية كبيرة، يسعى من خلالها إلى فرض واقع جديد في مدينة القدس المحتلة، محاولًا خنق المسجد الأقصى وفرض سيادته المزعومة عليه وعلى محيطه من البلدات والأحياء المقدسية عبر مشروعه التهويدي “الحوض المقدّس”.

ومنذ الإعلان عن المشروع عام 1996م، وتنفيذ أجزاء منه، فإن دولة الاحتلال تسعى إلى السيطرة على منطقة مقدسية تبلغ مساحتها نحو 2.5 كيلو متر مربع حول البلدة القديمة، حيث سيمر المشروع التهويدي بمناطق عدة أبرزها: منطقة وادي الربابة في بلدة سلوان، مرورًا بحيي البستان ووادي حلوة في البلدة، ثم نحو منطقة طنطور فرعون والمقابر اليهودية في سفوح جبل الزيتون.

وأوضح الخبير في شؤون الاستيطان، ومدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، أن مشروع “الحوض المقدس” هو جزء من السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى توسيع مناطق النفوذ الصهيوني، واستخدام المزاعم الدينية لأجندة سياسية.

وذكر التفكجي أن المشروع الاستيطاني يضع القدس وبلدتها القديمة في مخاطر محدقة، أهمها محاولة ربط الاحتلال هذا المشروع بعقيدته المزعومة، لافتًا إلى أن ذلك سيؤدي إلى خسارة كبيرة للقدس ومعالمها الإسلامية في حال نفذ الاحتلال المشروع.

وأكد أن الصراع الذي يجري في القدس وفلسطين المحتلة، هو صراع ديني بين الاحتلال والمسلمين، مشيرًا إلى أن المشروع حال تنفيذه والانتهاء منه فإنه سيكون قد حاصر وخنق وسرق محيط البلدة القديمة من الناحيتين الجنوبية والجنوبية الشرقية بشكل كامل.

 

تصعيد واستفزاز خطير

من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن عقد حكومة الاحتلال اجتماعها الأسبوعي في أنفاق حائط البراق لمدينة القدس المحتلة، تصعيد خطير للحرب الدينية التي يشنها الاحتلال على المدينة المقدسة.

وأضافت في بيان لها “هذه الخطوات محاولة لتزوير هوية مدينة القدس، وهو ما يشكل عدوانًا صارخًا على شعبنا وأمتنا”.

وأكدت حركة الجهاد الإسلامي أن سياسات العدوان في القدس والمسجد الأقصى من اقتحامات واستفزاز لمشاعر شعوب الأمة العربية والإسلامية، وعقد اجتماع لحكومة الإرهاب والتطرف أسفل حائط البراق “تأتي في سياق الحرب الصهيونية ضد أرضنا وشعبنا”.

وقالت الحركة في بيان لها “إن محاولات هذه الحكومة استعادة زمام الأمور على حساب حقنا الثابت في القدس وكل ذرة من فلسطين، هي محاولات ستبوء بالفشل، وإن استمرارها سيقلب الأمور رأسًا على عقب”، مشددة على أن العدوان في القدس سيغيّر كل الحسابات، وأن المواجهة ستكون بتصعيد المقاومة “ونحن جاهزون”.

 

"يوم توحيد القدس"

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، أن حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو عقدت اجتماعًا تحت المسجد الأقصى، داخل أنفاق "حائط البراق" في القدس.

ويواصل الزعاترة عبر تغريدة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن هذه "المناسبة هي ما يسمّونه "يوم توحيد القدس"؛ أي احتلالها. الجلسة ركّزت على توفير مخصّصات ضخمة لتهويد المدينة؛ و"الأقصى" في المقدمة، بوصفه "جبل الهيكل" المزعوم.

ويتحدث عن المسار الكارثي لقيادة ممدوح عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، فيقول: "قد تكتفي سلطة عباس، وعرب التطبيع بالبيان الذي أصدروه ردًا على اقتحام "بن غفير" للمسجد صباح اليوم، وقد يُجشّمون أنفسهم عناء إصدار بيان آخر. لكن ذلك لن يغيّر المسار الكارثي لقيادة عباس؛ قيادة تمثّل المصيبة الكبرى للقضية، أما من يدعمها (رسميًا أو شعبيًا)؛ فهو شريك لها في العار".