تعقيدات كثيرة ظهرت في المشهد الانتخابي التركي المحتقن وسط حالة القلق التي تفرض نفسها على الأحزاب والتكتلات التي شاركت في الانتخابات الي أجريت اليوم. 

وهناك 13 مليون ناخب تمثل شريحة الشباب الذي يعد أغلبهم لا يهتمون بالحياة السياسة في حين وجود عدد لا بأس به قد اهتم به أردوغان في السنوات الماضية عبر الاهتمام بدعمهم وإعطائهم فرصة للتمثيل في الحياة النيابية مبكرا.

وفي حين كانت بصمات أردوغان على فئة الشباب واضحة لم يجد المرشح الرئيسي للمعارضة، في انتخابات رئاسة الجمهورية، كمال كليجدار أوغلو (74 عامًا) سوى دغدغة مشاعر الشباب التركي بوعود تتعلق بالتغيير، عبر إطلاقه مجموعة من الشعارات والوعود.

 

بعيدة عن الحياة السياسية

لا تحظى شريحة الشباب برؤية واضحة تعالج المشكلات والتحديات التي تواجههم  سوى حزب العدالة رغم أن الشباب التركي المتأثر بأدوات العولمة والتكنولوجيا الحديثة التي تمد الجسور بين شباب العالم، لا سيما الغرب الأوروبي، لا يهتم بالصراعات الحزبية الداخلية، وأن هناك قواسم مشتركة تتمحور في تعزيز الحقوق والحريات ونمط العيش والتعليم وفرص العمل، فضلًا عن الاستفادة من التجربة الديمقراطية الغربية مع الاعتزاز بقوميته، على عكس الانحيازات التي تروجها استطلاعات الرأي الموجهة، بشأن اتجاه التصويت في الانتخابات، كون معظمها تفتقد الآليات المنهجية التي تضمن سلامة النتائج، حتى إن أردوغان يقول: "صرت أشعر بنبض الناس في الميادين أكثر بكثير من شعوري بها عبر استطلاعات الرأي".

 

انحياز محتمل لأردوغان

انتخابيًا، يحظى أردوغان بشعبية بين الناخبين المحافظين الذين ينحازون (من واقع تشكيل تحالف الشعب: العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى والدعوة الحرة وحزب الرفاه الجديد) لجملة الأفكار والمواقف والنزعة القومية.

كما أن حزب العدالة والتنمية تنبه مبكرًا لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي لجذب أصوات شريحة الشباب المؤهل للإدلاء بأصواته في الانتخابات، عبر حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وإنستجرام، لزيادة الوعي بين الشباب، حتى لا يسقط في فخ التضليل السياسي.

لكن تتبدى الرؤية الخاصة لقيادة التحالف، تجاه شريحة الشباب، ليس فقط لدفع الشريحة التي لها حق التصويت للتوجه عن قناعة إلى مراكز الاقتراع، بل شعور الشباب التركي عمومًا، بالمكتسبات التي تحققت خلال السنوات السابقة، وفاءً لتعهدات الحزب الحاكم وزعيمه أردوغان الذي تعهد بالعمل على النهوض بالاقتصاد وتوفير 6 ملايين وظيفة جديدة في 5 سنوات وتخفيض معدل البطالة إلى حدود 7% ومراجعة سياسة التوظيف في القطاع الحكومي ورفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنويًا وزيادة الدعم الحكومي من خلال عائدات الغاز المكتشف (710 مليارات متر مكعب) وقروض بدون فوائد لتعزيز الاستثمارات الشبابية وإعفاء الطلاب الجامعيين من الضرائب عند شرائهم للجوالات والحواسب الآلية.

كما تعهد أردوغان بمواصلة الإصلاحات السياسية والحكومية والحزبية (إعادة هيكلة النظام الرئاسي وفق المتغيرات) مع تعزيز السياسة الخارجية ومد الجسور مع القوى الإقليمية والدولية على أساس المصالح المشتركة سواء مع الغرب (الأمريكي - الأوروبي) أم مع الجوار العربي ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا.

ولم تتوقف تعهدات أردوغان عند الشباب التركي، لكنه تحدث عن وعود لشباب اللاجئين والأجانب عمومًا سواء بجهود دمجهم في المجتمع التركي، بما يعود بالفائدة على الطرفين، خاصة في مجالات الاقتصاد والزراعة والصناعة، أم تسهيل العودة الطوعية لمن يرغبون في العودة لبلادهم.

 

شريحة لم تحسم موقفها بعد لكنها لن تراهن على مجهول

في المقابل، هناك شريحة من الناخبين الشباب لم تكن قد حسمت قرارها الانتخابي حتى قبيل الانتخابات، حيث تعددت العقبات التي تحول بين تعهدات التكتل الأكبر في المعارضة وبشريحة كبيرة من شباب الناخبين، لا سيما التاريخ المعروف لحزب الشعب الجمهوري وغياب وحدة الموقف والتوجهات بين أحزاب تحالف الأمة المعارض، خاصة بعد الخلاف الشهير الذي دفع زعيمة حزب الجيد ميرال أكشينار للاعتراف بأن التحالف لم يعد معبرًا عن مصالح الأتراك.

فضلًا عن تباين التوجهات داخله (خلفيات يسارية وقومية وإسلامية ومحافظة وليبرالية) التي تؤكد أنه ليس بديلًا قويًا لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشباب، إلى جانب ما يمثله ذلك من عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي في حالة التغيير غير محسوب العواقب.

وهناك من عبر مباشرة عن تخوفاته: "لم يكن ممكنا التصويت لصالح كليجدار أوغلو. المسألة لا تقتصر على الناخبين المحافظين. لا تغرنا الخطوات الانتخابية التي تحاول إظهار التسامح المؤقت كدعم الحجاب وغيره. المهم القناعة الراسخة بالحقوق والحريات العامة، لن نراهن على مجهول، في ظل التباين الكبير داخل تحالف الطاولة السداسية، بشأن ملفات عدة داخلية وخارجية. عانت تركيا في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي من الائتلافات الحكومية".

وتخوفت تلك الشريحة من المعارضة وذلك رغم أن كليجدار أوغلو يحاول التقارب مع شريحة الشباب التي تعتمد التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والهواتف الذكية في التخاطب.