قال موقع “جيو بوليتيكال مونيتور” الكندي إنه لطالما نظرت مصر إلى السودان على أنه عمق استراتيجي مهم لأمنها القومي، وبالتالي فإن الأزمة المتسارعة هناك تطرح بلا شك على الإدارة المصرية مجموعة من التحديات المعقدة.

واستعرض الموقع احتمالية تدخل مصر عسكريا في السودان، بالتزامن مع استمرار وتعقد الأزمة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

ورأى الموقع أن تحديات الوضع السوداني "تنبع من الوضع الاقتصادي في مصر، بالتوازي مع العوامل المتعلقة بسياستها الخارجية ومصالحها الاستراتيجية التي يمكن أن تتضارب أحيانا مع مصالح حلفائها العرب والغربيين".
وأضاف أن تضارب المصالح بين مصر وحلفائها (الإمارات) "كان واضحا خلال العقد الماضي فيما يتعلق بكيفية تعامل القاهرة مع ملفات ليبيا وسوريا واليمن وغزة".

ورجح الموقع الكندي أن يكون تدخل مصر عسكريا لصالح الجيش السوداني وليس المليشيات، فبالنظر لموقف مصر من النزاعات الإقليمية على مدى العقدين الماضيين، بما في ذلك تلك الموجودة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق واليمن وفلسطين، أشارت إلى أنها تقف دائما إلى جانب الجيوش النظامية وليس المليشيات.

واستبعد أيضا "أن تدعم مصر قوات الدعم السريع كقوة مسيطرة على حدودها الجنوبية".

 

العرب الإماراتية

وفي حديث صحيفة العرب التي تصدر من لندن بتمويل إماراتي، عن سيناريوهات الحرب في السوان، قال أسامة رمضاني رئيس تحرير "العرب ويكلي" في مقال بعنوان "التداعيات الإقليمية الواسعة للنزاع في السودان" أن كل السيناريوهات القاتمة ليست قدرا بالنسبة إلى السودان حتى وإن بدت اليوم مثارا للانشغال.
وأضاف "في حالة تصاعد المواجهات أن ينتهي الأمر بمصر وإثيوبيا إلى التخلي عن حيادهما في النزاع. وفي الوقت الحالي سوف تزيد الأزمة السودانية من التوتر القائم بين أديس أبابا والقاهرة وتضيف عراقيل جديدة إلى تلك التي جعلت مفاوضاتهما حول سد النهضة تتعثر إلى اليوم".

وتابع: "في ليبيا فقد يقرر القائد العسكري خليفة حفتر مساندة قوات الدعم السريع في الصراع، ولو أن ذلك سوف يثير حفيظة مصر التي تربطها علاقات وثيقة بالبرهان".



ورقة النازحين
ولكن الموقع الكندي أعاد الحديث عن تأثيرات الأوضاع في السودان المجاورة لمصر ومنها "النازحين" الذي سيضغط "على سرعة تحرك القاهرة قال الموقع: "الوضع في السودان بدأ بالفعل في التأثير على البلدان المجاورة مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا بسبب التدفق الهائل للمهاجرين، فإن التهديد الذي يواجه مصر أسوأ بكثير" مضيفا أن 5 ملايين سوداني يعيشون قبل الحرب في مصر يمثلون أكثر من 10 % من سكان السودان، ناهيك عن عدد الفلسطينيين والليبيين والسوريين الذين شقوا طريقهم إليها منذ عام 2012.

ورصد أن مصر تستعد لمزيد من تدفق اللاجئين – عبر الحدود والتهريب – إلى جانب الخوف من نقص القدرة على استيعابهم، حيث "جماعات التهريب تستغل الوضع وتنشط بشكل متزايد على طول الحدود السودانية-المصرية، “مما يزيد من المخاطر المرتبطة بالإرهاب وتسلل الجماعات المتطرفة".

وعن مخاطر ذلك قال تقرير الموقع "من خلال محاولة قوات الدعم السريع فتح سجون السودان، بهدف إشغال القوات المسلحة السودانية وزعزعة استقرار البلاد، ما سمح لجميع السجناء والمجرمين بالفرار".

واشارت إلى التهديد الأمني الآخر لمصر "يتمثل في معارضة أي عمل عسكري مصري ضد إثيوبيا، إذا ما استمرت الأخيرة في تهديد الأمن المائي للقاهرة عبر سد النهضة".

ولفت إلى العلاقات الوثيقة بين قوات الدعم السريع والقيادة الإثيوبية، وهو ما لا يصب في مصلحة مصر، حسب التقرير.

وأكد الموقع أنه لا يزال من غير الواضح متى وكيف ستتدخل مصر عسكريا في الصراع السوداني، ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أن الأمر هناك ليس بعيدا إذا ما استمر الوضع في التدهور، بحسب "جيوبلوتيكال مونتيور".

لاسيما وأن المواجهة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من المتوقع أن تحتدم بعد أن تشارف عمليات إجلاء الأجانب الحالية على الاكتمال، حسب الموقع الكندي.


حميدتي يتصل بشكري!
وكان لافتا في السياق، تلقي قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اتصالا مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، الجمعة 5 مايو لبحث الأزمة الراهنة في السودان.

وقال حميدتي في بيان الجمعة نشره عبر @GeneralDagllo: "تلقيت اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية جمهورية مصر الشقيقة سامح شكري، ناقشنا خلاله الوضع في بلادنا والموضوعات المتعلقة بالأزمة الراهنة. تطرقنا أيضاً إلى المبادرات المحلية والإقليمية والدولية الرامية لإيجاد حل شامل ووقف إطلاق النار".

وذكر البيان أن وزير الخارجية المصري أعرب عن تضامن مصر الشقيقة، مع الشعب السوداني ودعم خياراته، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم كل المساعدات لتجاوز هذه الظروف.

كما وجه حميدتي الشكر والتقدير لمصر، قائلا: "أعبر عن شكري وتقديري لحكومة وشعب جمهورية مصر الشقيقة على الاهتمام المتواصل بقضايا شعبنا وحرصها على أمن واستقرار السودان ودول الإقليم والمنطقة.. نشكرهم أيضاً على استقبال أشقائهم السودانيين ممن أجبرتهم الظروف الراهنة على مغادرة البلاد".

ولم يذكر حميدتي موعد الاتصال، بيد أن وزير خارجية السيسي  سامح أشار إلى اتصاله مع الجانبين مناشدا "الوقف الفوري لإطلاق النار حفاظا على مقدرات الشعب السوداني الشقيق، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا".

 

خسرت مصر نفوذها
وقال الباحث والأكاديمي د.خليل العناني مفسرا كيف خسرت مصر نفوذها في السودان؟، إن "توّرط مصر في الصراع الدائر حاليا بالسودان ليس مفاجئا، ولا يجب أن يكون كذلك، ولم تكن هناك حاجة لمداراته، خاصة أن مؤشراته أوضح من أن يتم إخفاؤها أو الكذب بشأنها، فالسودان منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير أصبح ساحة مفتوحة لكافة القوى الإقليمية والدولية".

ورأى أن سبب ذلك سعي "مصر" بكل قوة لدعم المكون العسكري في المجلس الانتقالي الذي يقوده البرهان وحميدتي على حساب المكون المدني.

وأضاف أن "مصر" شجّعت عسكر السودان على الانقلاب على السلطة في أكتوبر 2021 نتيجة لعدم ارتياحها لمواقف رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك خاصة فيما يتعلق بسد النهضة الذي يمثل قضية إستراتيجية حساسة لمصر. كما عملت على توفير غطاء إقليمي ودولي لدعم انقلاب البرهان وحميدتي على حكومة حمدوك.
واشار إلى جملة أسباب أخرى منها أنه عندما ظهرت الانقسامات بين البرهان وحميدتي خلال الشهور الماضية، اختارت مصر الانحياز للأول في مقابل الثاني، وذلك لعدة أسباب تبدو منطقية من وجهة نظر النظام المصري:

أولها أن البرهان يمثل المؤسسة العسكرية السودانية التقليدية، ولذلك فإن التعامل معه يعني وجود علاقة مستقرة نسبيا ويمكن التنبؤ بها عكس التعامل مع أمير حرب وزعيم مليشيا مثل حميدتي.

وثانيها أن ثمة ارتيابًا في السلوك السياسي لحميدتي الذي انقلب على حلفائه السابقين خاصة عمر البشير الذي لعب دورًا مهمًّا في وصوله إلى ما هو عليه الآن، وهو ما يعني عدم الوثوق به أو في وعوده.

وثالثها أن شبكة العلاقات الخارجية القوية لحميدتي أثارت مخاوف القاهرة من إمكانية اتباع سياسة خارجية مستقلة قد لا تتماشى مع المصالح المصرية في المنطقة.

 

الخطوط الحمراء
واشار الكاتب حافظ المراغي في مقاله "توقفت مصر عن رسم الخطوط الحمراء؟"  إلى أنه قبل ثلاثة أشهر من الملء الثاني لسد النهضة، قال الرئيس السيسي إن “مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمرًا يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل”. بعدها قامت إثيوبيا بالملء الأول دون تنسيق مع مصر. إلا أنه أضاف أنه في يوليو 2021 أعلنت إثيوبيا بتحدٍّ أنها أكملت الملء الثاني بكمية 13.5 مليار متر مكعب من مجموع المياه المحتجزة خلف سد النهضة".
وعن بث فيديوهات لمجندين مصريين محتجزين. وإعلان محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، استعداده للانضمام إلى أي جهد حربي لـ”استعادة” حلايب وشلاتين، منتقدًا قيادة الجيش السوداني ومتهمًا إياها بالتفريط في سيادة السودان.

وأضاف أن السيسي "تحدث وهو يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن استعداد مصر للوساطة “دون تدخل” بين الطرفين المتنازعين"!
ورأى أن "موقفنا من الطرف الذي تدعمه الإمارات في ليبيا من ناحية والسودان وقبله وبعده إثيوبيا من ناحية أخرى. بمعنى أنه حين يكون الطرف الذي نقف معه مدعومًا بالمثل من دولة الإمارات، يسهل مد الخطوط الحمر والاستعداد للتدخل العسكري، بشكل يُظهر أن هناك تطابقًا بين الأمن القومي لمصر والإمارات".

وأضاف "هذا ما وجدناه في ليبيا والخط الأحمر المعلن في صيف 2020 من سرت إلى الجفرة، لأنه يأتي لصالح قوات الجنرال خليفة حفتر المدعوم إماراتيًا، الذي ربما لا تربطنا به مصلحة استراتيجية سوى صداقته مع الإمارات، وبالتالي فصديقها وحليفها صديقنا بالمثل!".
وفي 15 أبريل 2023، نشبت اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي”.

الوضع في السودان مختلف، حيث يدور الصراع بين طرفين مدججين بالسلاح، كلاهما بنفس الحجم تقريبا من ناحية القوة البشرية المقاتلة، وفق التقرير.

وقال: “يبدو أن تاريخ قوات الدعم السريع مليء بانتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء السودان، وهذه القوة شبه العسكرية التي أنشأتها الحكومة في الأصل لمواجهة التهديدات الوطنية، أصبحت الآن تهديدا إقليميا رئيسا بحد ذاتها”.

ومن الناحية الاقتصادية، يعد السودان شريكا تجاريا إقليميا لمصر، بمعدل تبادل تجاري يبلغ سنويا مليار دولار تقريبا، إلى جانب كون الخرطوم مصدرا استراتيجيا للثروة الحيوانية للقاهرة.
كما يُعتقد أن أكثر من 90 % من أراضي السودان صالحة للزراعة، وهو الأمر الذي سعت مصر منذ فترة طويلة للاستفادة منه، من حيث تحقيق الأمن الغذائي على المدى الطويل لنفسها، ثم التصدير إلى دول العالم.

لكن “مع تطور الصراع في السودان، لن تمضي مثل هذه الخطط قدما في المدى المنظور”، حسب “جيوبوليتيكال مونيتور”.