قال يانيز لينارتشيس مفوض الشؤون الإنسانية بالاتحاد الأوروبي إن هناك "مخاطر حقيقية لتوسع الأزمة لتصل لدول جوار (السودان)" وذلك في تصريحات نشرتها صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية في عددها الصادر اليوم الأحد 30 من إبريل 2023.

وتوقع المفوض الأوروبي تصعيدًا في الموقف في السودان الذي يعيش أوضاعًا صعبة حتى قبل اندلاع الأزمة الحالية. وأكد وجود نقص كبير في الماء الصالح للشرب والمواد الغذائية والأدوية والوقود، وفقًا لـ"دويتشه فيله".

في سياق متصل، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن العنف الدائر في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في منطقة شرق إفريقيا بأكملها. وقال مارتين فريك، مدير المنظمة في ألمانيا، "ثلث تعداد سكان السودان كان يتضور جوعًا بالفعل قبل اندلاع الاشتباكات، الآن هناك نقص في كل شيء كما ارتفعت أسعار الغذاء بصورة كبيرة".

كما تم تسجيل زيادات مماثلة في الأسعار في تشاد وجنوب السودان. وقد استقبلت الدولتان الآلاف من اللاجئين منذ بدء القتال في السودان منذ أسبوعين.

 

20 بلدًا و720 مليون نسمة

ومن جهته، قال أبوبكر الديب، الباحث المصري في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إن الصراع العسكري الدائر في السودان، يؤدي إلى أزمة اقتصادية طاحنة قد تمتد آثارها إلى 7 دول مجاورة و13 دولة قريبة منها، بعدد سكان لا يقل عن 750 مليون نسمة.

وأضاف، في حديثه لـ"سبوتنيك"، الأربعاء الماضي، أن ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا من أبرز الدول تأثرًا بالصراع في السودان، وسط مخاوف من حدوث تدهور في البيئة الأمنية للمنطقة الأوسع، كما شوهد في منطقة الساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة.

 

هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة

ولفت الباحث الاقتصادي إلى إمكانية هروب أو خروج ما يفوق المليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد خلال الأيام العشر الماضية، متوقعا زيادة الرقم خلال الفترة المقبلة بما لا يقل عن 20 مليار من دول جوار السودان، حيث تسعى الاستثمارات إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.

 

تأثر الصادرات والواردات للدول الحبيسة

وأكد الديب أن هناك عددًا من الدول مغلقة اقتصاديًا وتجاريًا، ولا تمتلك موانئ أو منافذ بحرية (حبيسة) وتعتمد على السودان عبر ميناء بورتسودان لتوفير احتياجاتها من الخارج، ويشكل لها السودان معبرًا للتجارة مع العالم الخارجي، مثل تشاد وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وإثيوبيا ودولًا أخرى.

 

تضرر التبادل التجاري بين مصر والسودان

وحول تأثر مصر بالصراع السوداني، يقول الديب: "إن مصر والسودان ترتبطان بثلاث كيانات اقتصادية هي: منطقة التجارة الحرة العربية، ومنطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، وكذلك اتفاقية الكوميسا، متوقعًا أن يتضرر التبادل التجاري بين مصر والسودان، حيث إن قيمة التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفعت بنسبة 18.2 في المئة خلال عام 2022، ووصلت إلى 1.434 مليار دولار مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021".

كما يستحوذ السودان، على 13.2 في المئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية، وبلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما وصلت صادرات السودان لمصر في 2022، نحو 504.5 مليون دولار، متوقعا أن يتراجع حجم التبادل التجاري إذا ما استمر الصراع.

وأشار الديب إلى أنه يمكن أن تتسبب الأزمة في ارتفاع أسعار بعض السلع التي تأتي من السودان مؤقتًا قبل أن تؤمن مصر تلك السلع من بلد آخر، كما أن البنوك التنموية متعددة الأطراف التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ستكون أول المتأثرين، ومع احتمالات امتداد الاشتباكات لدول في دول القارة السمراء المشتركة في الحدود مع السودان، أصبحت تمويلات التنمية من المؤسسات المالية الدولية محل تهديد.

 

موجات لجوء كبيرة

وذكر عضو الهيئة التدريسية بقسم العلاقات الدولية في جامعة مرسين التركية، تونج دميرطاش، إن التطورات في السودان ستكون لها تداعيات إقليمية وعالمية خطيرة.

وأوضح أن الأزمة السودانية من المحتمل أن تتسبب في موجات لجوء باتجاه مصر، وقد يكون لذلك تداعيات سلبية على اقتصادها.

وأشار دميرطاش، إلى أن ليبيا سيكون لها نصيب من أي موجات لجوء محتملة من السودان، وقد تشكل موجات اللجوء تهديدا لاستقرار تشاد أيضا.

وحذر من أن أي موجة هجرة غير نظامية من السودان ستكون لها انعكاسات إقليمية وستؤثر على أمن أوروبا.

وفي 28 من إبريل، كشفت الأمم المتحدة عن فرار ما لا يقل عن 40 ألف لاجئ من الخرطوم، منذ منتصف ذات الشهر.

وتوقع أن تحدد الولايات المتحدة وروسيا والصين مواقفها من الأزمة السودانية، عقب إتمام عملية إجلاء رعاياها، وفق ما ستؤول إليه الأمور هناك.

 

لم تحدد مواقفها بعد

بدوره، قال الخبير في شؤون شمال إفريقيا بمركز دراسات الشرق الأوسط التركي قآن دوجي أوغلو، إن الأطراف الدولية الفاعلة لم تحدد مواقفها بعد من الوضع في السودان.

دوجي أوغلو، أشار إلى أن أولوية تلك الأطراف تتمثل بضمان سلامة رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية وإجلائهم بسلام.

ويرى أن "الأطراف الدولية ستحدد مواقفها من إمكانية تحقيق السلام بالسودان من عدمه".

وتابع "في حال التزام الأطراف السودانية بالهدنة، هناك احتمال ـ ولو أنه ضئيل ـ أن يتوجه قادة الاتحاد الإفريقي ومسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والسعودية إلى الخرطوم، لحث الأطراف على الجلوس على طاولة المفاوضات".

ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستحدد موقفها من الأوضاع بالسودان في سياق العلاقات الإسرائيلية السودانية.

وفيما يتعلق بموقف الصين، قال دوجي أوغلو، إن أولوية بكين تتمثل في حماية مصالحها الاقتصادية باعتبارها أكبر شريك تجاري للسودان.

وأضاف أن الصين لم تنخرط في الأزمة، وتبذل جهودا حثيثة لإقناع الأطراف بالجلوس على طاولة المفاوضات.

وبخصوص الموقف الروسي، أشار دوجي أوغلو، إلى أن موسكو في الوقت الراهن تتابع عن كثب الأزمة في السودان.

وأضاف أن هناك مزاعم تتعلق بتحرك قائد قوات الدعم السريع بشكل مشترك مع مجموعة فاجنر الروسية (المنتشرة في جمهورية إفريقيا الوسطى).

ولفت إلى أن مساعي روسيا للحصول على ميناء عسكري بالسودان يطل على البحر الأحمر، معروف للجميع، "وبالتالي هناك احتمال لتدخل روسي بالسودان ولو بشكل غير مباشر".

وشدد دوجي أوغلو، أن نجاح الجيش السوداني في إخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم لن ينهي الأزمة في البلاد، وقد يتوسع النزاع ليشمل إقليم دارفور أيضا.

ومنذ 15 من إبريل، تشهد عدد من الولايات في السودان، وعلى رأسها العاصمة الخرطوم، اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، راح ضحيتها مئات الأشخاص بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.