حالة من التوتر الشديد انتابت الكثير من البيوت المصرية التي يشارك أبناؤها ضمن الجنود المصريين في السودان، خاصة بعد أن سلمت هذه القوات نفسها لقوات الدعم السريع.

وثارت العديد من الأسئلة حول وجود هذه القوات في السودان، وأهم القوانين المنظمة لوجودها على الأراضي السودانية وماذا يمكن أن يحدث إذا تعرض هؤلاء الجنود إلى الإيذاء.

وكان السودانيون والعالم قد استيقظوا السبت 15 إبريل، على أنباء اندلاع الاشتباكات المسلحة في شوارع العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى بين قوات الدعم السريع من جهة وقوات الجيش السوداني من جهة أخرى، ليتحول الصراع على السلطة بين قادة الطرفين إلى حرب شوارع في أنحاء البلاد.

قائد الجيش السوداني هو الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي يتولى رئاسة مجلس السيادة ويعتبر الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب أكتوبر 2021، الذي أطاح فيه بالحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك. أما حميدتي فهو نائب رئيس مجلس السيادة وزعيم مليشيات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية أصبحت مسألة دمجها رسميًا في الجيش السوداني أبرز نقاط الخلاف في المرحلة الانتقالية.

 

ماذا تفعل القوات المصرية في السودان؟

بحسب البيان الصادر عن القوات المسلحة المصرية، في أعقاب نشر مقطع الفيديو الخاص بتسليم القوات المصرية نفسها لـ"الدعم السريع"، فإن القوات المصرية المشتركة موجودة في السودان لإجراء تدريبات عسكرية.

كان المتحدث العسكري باسم الجيش المصري قد صرح بأن القوات المسلحة المصرية تتابع من كثب، الأحداث الجارية في السودان، ويجري التنسيق مع الجهات المعنية في السودان لضمان تأمين القوات المصرية.

وأضاف المتحدث: "تهيب القوات المسلحة المصرية بالحفاظ على أمن وسلامة القوات المصرية المشتركة الموجودة لإجراء تدريبات مع نظرائهم في السودان".

لكن الروايات غير الرسمية، المتداولة في مصر والسودان، تتراوح بين من يقول إن وجود القوات المصرية في السودان مرتبط بمراقبة سد النهضة الإثيوبي من كثب وربما التجهيز لأي تحرك بشأنه في أي وقت، وفقًا لـ"عربي بوست".

فالحديث عن وجود قوات مصرية في السودان يرجع إلى مايو 2022، عندما نشر المتحدث باسم الجيش المصري صورًا تُوثق وصول قوات مصرية إلى السودان، ربما تكون المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا النشر، ووقتها قال المتحدث العسكري، في بيان على "فيسبوك": "وصلت عناصر من القوات المسلحة المصرية إلى دولة السودان؛ للمشاركة في التدريب المشترك (حماة النيل) الذي تشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين".

وقبلها بأيام كان الجيش السوداني قد أعلن وصول مجموعة من الجنود المصريين إلى أراضيه، ضمن الاستعداد لانطلاق مناورات "حماة النيل"، في الأسبوع الأخير من مايو 2021. وكان لافتًا وقتها أن الجيش السوداني أعلن في بيانه، وصول أرتال من القوات البرية والمركبات المصرية بحرًا، وعادةً يكون النقل البحري للأفراد والمعدات العسكرية مؤشرًا على ضخامة عدد القوات.

كانت تلك المناورات العسكرية مرتبطة، كما فُهم وقتها دون تصريحات رسمية بطبيعة الحال، بأزمة سد النهضة مع إثيوبيا، التي كانت تستعد للملء الثاني للسد المثير للجدل، لكن الملء الثاني تم وتلاه الملء الثالث في العام الماضي والملء الرابع في الطريق دون أن تتطور الأزمة إلى مواجهة عسكرية، أم هل وجود القوات المصرية في السودان حتى اليوم مؤشر على أن الحل العسكري لأزمة السد لا يزال قائمًا؟ هكذا يردد البعض.

لكن السيناريو الأكثر انتشارًا في السودان هو أن القوات المصرية في قاعدة مروي العسكرية كانت تتجهز للمشاركة في القتال إلى جانب قوات الجيش السوداني بقيادة البرهان، ولهذا السبب هاجمتها قوات الدعم السريع.

 

قوات مصرية في السودان

ونشرت قوات الدعم السريع، السبت، مقطعًا مصورًا، قالت إنه لقوات مصرية "تسلم نفسها" لها في قاعدة مروي التي تقع في منتصف الطريق تقريبًا بين العاصمة الخرطوم وحدود المدينة مع مصر.

وظهر في المقطع المصور عدد من الرجال يرتدون ملابس عسكرية ويجلسون على الأرض ويتحدثون مع أفراد من قوات الدعم السريع باللهجة المصرية.

وأفادت تقارير من مصادر مخابراتية، بأن قوات الدعم السريع استولت على عدة طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية المصرية واحتجزت طياريها إلى جانب أسلحة ومركبات عسكرية سودانية، وفقًا لـ"رويترز".

من جانبه قال المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية في بيان إن قوات بلاده موجودة في السودان لإجراء تدريبات مع جنود سودانيين، مضيفًا أن التنسيق يجري مع الجهات المعنية هناك لضمان تأمين القوات المصرية.

وفي تصريحات تلفزيونية، السبت، أكد قائد قوات الدعم السريع السودانية، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، أن قواته مستعدة للتعاون مع مصر لتسهيل عودة الجنود المصريين الذين سلموا أنفسهم لقواته في مدينة مروي.

وقال حميدتي إن الجنود المصريين في أمان، وإن قوات الدعم السريع زودتهم بالغذاء والماء وإنها على استعداد لتسهيل عودتهم.

وذكر مصدران أمنيان مصريان لـ"رويترز"، أن مسؤولين مصريين تمكنوا من إجراء اتصال مع قائد الوحدة المصرية للتأكد من سلامتهم.

 

أسرى حرب؟

يرفض خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، توصيف القوات المصرية بـ"المستسلمة"، مرجعًا ذلك لكونها "ليست طرفًا في النزاع المسلح الداخلي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".

ويوضح سلامة، في تصريحات لموقع "الحرة" أن القوات المصرية في السودان لم تدمج في الجيش السوداني ولا ترتدي الزي العسكري للقوات المسلحة السودانية وتحمل أسلحتها ومعداتها الشخصية.

ولا يجوز إطلاق مسمى "أسرى الحرب" لأن تلك القوات لم تشارك في الحرب ولم تقدم مجهود حربي أو دعم عسكري خلال العمليات العسكرية الدائرة منذ صباح السبت في السودان، حسب خبير القانون الدولي.

ولذلك لا يمكن تصنيف أو إدراج القوات المصرية في السودان كـ"أسرى حرب"، لأنهم لم يحاربوا أو يستسلموا، وفقًا لسلامة.

 

هل الوجود المصري قانوني؟

يقول سلامة إنه "لا يمكن أن يتم نشر قوى عسكرية أجنبية في إقليم الدولة المضيفة دون إبرام اتفاق قانوني لتحديد وضعية تلك القوات".

ويشير إلى شرعية وقانونية تواجد القوات المصرية في السودان وفق اتفاقيات عديدة منها العسكري ومنها غير العسكري مثل اتفاق المركز القانوني (SOFA) والتي عقدتها الولايات المتحدة مع الدول الحليفة والصديقة.

ويوضح خبير القانون الدولي أن اتفاقية المركز القانوني لا تتعلق بالتعاون أو التحالف العسكري لكنه تنصب على "الوضعية القانونية وحقوق وامتيازات وواجبات القوى العسكرية الأجنبية في إقليم الدولة المضيفة".

وعن سبب التواجد المصري في السودان يقول سلامة، إن القوات المصرية من قوات تدريبية وخبراء ومستشارين عسكريين هم عاملين بالجيش المصري ويقوموا بـ"تدريب وتأهيل قوات الجيش السوداني بفروعه المختلفة البرية والبحرية والجوية".

وفي مارس 2021، وقعت كل من مصر والسودان، اتفاقية عسكرية في الخرطوم، بحضور قائدي جيشي البلدين، اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.

وتم وقتها الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري، والأمني بين مصر والسودان، خصوصًا في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.

وفي مايو 2021، أجرت القوات المسلحة المصرية ونظيرتها السودانية تدريبات عسكرية مشتركة حملت اسم "حماة النيل"، بمشاركة عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي والقوات الخاصة للبلدين.

 

هل من حق مصر الدفاع عن جنودها؟

تحتل القوات المسلحة المصرية المرتبة الرابعة عشر بين أقوى جيوش العالم وفقًا لتصنيف موقع "غلوبال فاير باور" لعام 2023.

وحسب سلامة فإذا اندلعت اشتباكات أو نزاع مسلح بين القوات المصرية في السودان والقوات السودانية ذاتها، فلن تطبق اتفاقية المركز القانوني وسيتم تطبيق القانون الدولي الإنساني "قانون الحرب سابقًا".

ويحظر القانون الدولي الإنساني استغلال أو استخدام الخاضعين لحماية اتفاقيات جنيف كدروع بشرية بهدف "تحصين المواقع العسكرية" من هجمات العدو، أو منع الهجمات المضادة الانتقامية خلال هجوم ما، وهو ما ينطبق على القوات المصرية المبتعثة في السودان، حسب سلامة.

ويقول سلامة إن القوات المصرية "المحتجزة" في السودان محمية حسب القانون الدولي الإنساني مثل الجرحى والمرضى والعاملين في المجال الطبي.

وإذا تم استغلال أو استخدام المصريين دروع بشرية من جانب أي طرف محارب في السودان فيعد ذلك "جريمة حرب"، وفقًا لخبير القانون الدولي.

ويشير سلامة إلى أن القانون الدولي العام يكفل للدول "حماية مصالحها ورعاياها ومواطنيها في الخارج" في حالات مماثلة للحاصلة للقوات المصرية في السودان.

 

هل تدعم مصر الجيش السوداني؟

تتعامل مصر منذ فترة طويلة، بحذر تجاه التغيرات السياسية في السودان، وتدعم الجيش السوداني بقوة، كما شجعت في الآونة الأخيرة المفاوضات مع الأطراف السياسية الموالية للجيش، وذلك بالتوازي مع خطة لفترة انتقالية استعدادًا لانتخابات يطالب بها حميدتي.

وأكد بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة، أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تلقى اتصالًا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عبَّر خلاله السيسي عن قلقه من الأحداث في السودان ودعا إلى الحوار.

وقالت وزارة الخارجية إن الوزير سامح شكري تلقى اتصالًا من منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأرووبي جوزيب بوريل؛ للتنسيق بشأن الأحداث في السودان. وأضافت في بيان، أن شكري ناقش مع بوريل الجهود التي تبذلها مصر لوقف العنف، وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي يدعم تلك الجهود.

لكن تقديم الدعم للجيش السوداني لا يعني بالضرورة إرسال قوات إلى السودان للمشاركة في اقتتال داخلي، خصوصًا أن أعداد القوات الظاهرة في مقطع الفيديو صغيرة جدًا ولا تتخطى العشرات، فأي تأثير قد يكون لقوة صغيرة الحجم بهذا الشكل في قتال بين جيش بكامل عدده وعتاده من جهة ومليشيات مكونة من عشرات الآلاف من القوات ومسلحة على أعلى مستوى من جهة أخرى؟

ولا يزال الموقف في السودان يتطور من سيء إلى أسوأ، في ظل استمرار حرب الشوارع لليوم الثاني على التوالي، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور بشكل عام.