غادر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الثلاثاء، مقر المحكمة الجنائية في مانهاتن في نيويورك، من دون أن تفرض عليه أي شروط أو مراقبة قضائية، وذلك بعد مثوله التاريخي في قضية احتيال على صلة بدفعه أموالا لشراء صمت الممثلة الإباحية، ستورمي دانيلز، قبل أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة 2016، بهدف شراء ذمتها والتكتم عن علاقة غرامية قالت إنها أقامتها مع ترامب عام 2006.

وقبل قليل، أعلن المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ، عن لائحة الاتهام ضد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تتعلق بتزوير السجلات التجارية في نيويورك من أجل إخفاء المعلومات الضارة والنشاط غير القانوني عن الناخبين الأمريكيين قبل وبعد انتخابات عام 2016.

وأضاف: "تم توجيه الاتهام إلى ترامب في لائحة الاتهام الصادرة عن المحكمة العليا لولاية نيويورك بـ 34 تهمة بتزوير السجلات التجارية من الدرجة الأولى".

وأثارت محاكمة ترامب، العديد من التساؤلات حول مستقبله السياسي، وما إذا كان من الممكن أن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة في 2024، وما مدى تأثير هذه المحاكمة على فوزه.

وظهر ترامب وهو يلوح بيديه قبل دخوله المحكمة، فيما قال محللو "سي إن إن"، إنه بدا "حزينًا" و"غاضبًا"، بينما يقبل على الخضوع لإجراءات يصفها الجمهوريون بالمهينة لرئيسهم السابق.

وتثير هذه المحاكمة التساؤلات بشأن إمكانية ترشح ترامب لانتخابات الرئاسة 2024، ومدى تأثيرها على حظوظه في الفوز.

 

محاكمة ترامب سلاح ذو حدين

لكنّ خبراء ومعنيين يحذرون من أن هذه المحاكمة قد تزيد من شعبيته، ويرجحون أن الأمر قد يستغرق سنوات حتى تصل قضيته الجنائية إلى المحاكم، نظرًا للإجراءات وتكتيكات التأجيل التي قد تدفع المحاكمة إلى ما بعد انتخابات عام 2024.

وقال العضو الجمهوري في مجلس نواب ولاية كنتاكي، وليام لورانس، إن تفاصيل قضية ترامب لم يُعلن عنها بعد، ومن المتوقع أن تتضح الأمور غدًا، لكن بشكل عام فإن مثل هذه القضايا تأخذ وقتًا طويلًا في المحاكم، وليس مرجحًا أن يتم الحكم فيها قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، في نوفمبر 2024، وفقًا لـ"الحرة".

وقال محامو ترامب للقاضي في نيويورك، الاثنين، إنهم يعارضون طلب وسائل الإعلام بث التهم، الثلاثاء، وفقا لشبكة "سي أن أن" الأمريكية، التي أوضحت أن العديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك "سي أن أن"، طلبت من القاضي نشر لائحة الاتهام على الملأ.

وقال الفريق القانوني لترامب إن الرئيس السابق سيستسلم طواعية، وسيدافع عن نفسه أمام "كل قضية محتملة" بمجرد الكشف عن لائحة الاتهام، بحسب "سي أن أن".

ويعد ترامب، الذي تعهد بالترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة للعام 2024، هو أول رئيس حالي أو سابق في تاريخ الولايات المتحدة يواجه اتهامات جنائية، بحسب وسائل الإعلام.

 

المحاكمة قد تستغرق شهورًا

ومن الناحية العملية، قد يستغرق الأمر شهورًا حتى تبدأ المحاكمة، إذ يجب اختيار هيئة محلفين وفحصها، وفقا لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، التي ترى أن من المؤكد أن ترامب سيسعى لتأجيل الإجراءات وإطالة أمد المحاكمة لأطول فترة ممكنة قد تستمر لسنوات.

ويمكن لفريق الدفاع عن ترامب، بحسب مجلة "تايم" الأمريكية، محاولة نقل القضية إلى محكمة فيدرالية بالنظر إلى الآثار الدستورية، بحجة أن بعض المدفوعات على الأقل حدثت أثناء رئاسة ترامب ولا ينبغي أن تبت فيها محكمة الولاية. ويمكنه أيضًا أن يسعوا إلى نقل المحاكمة إلى محكمة أخرى في ولاية نيويورك.

ومن أجل توجيه الاتهام إلى ترامب بارتكاب جناية، يقول خبراء قانون لـ"تايم" إن المدعين في نيويورك قد جمعوا على الأرجح بين تهمة تزوير سجلات تجارية وانتهاك قانون انتخابات الولاية، رغم أن القضية تتعلق بانتخابات فيدرالية.

ووفقا للمجلة الأميركية، قد يستغرق حل كل هذه الطلبات التمهيدية شهورًا، ما يزيد من احتمال أن يقضي ترامب معظم، إن لم يكن كل موسم حملته الانتخابية منخرطًا في مشاحنات قانونية، ولا تزال المحاكمة تنتظره.

 

هل يُدان ترامب أم لا؟

وتوقع أستاذ العلوم السياسية مدير الإدارة السياسية في جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تود بيلت، ألا تكون التهم قوية بما يكفي لإدانة ترامب، وبشكل عام لا يمنعه الدستور من الترشح للرئاسة.

وأضاف بيلت أن هذه التهم يراها أنصار ترامب حملة ممنهجة ضده، ولذلك لن تؤثر على قاعدته الشعبية وسط أنصاره ومؤيديه، وفقًا لـ"الحرة".

وتابع أن هذه القضية تجعل ترامب بطلًا في نظر أنصاره، وهو يعلم كيف يحركهم جيدًا، وبذلك سيضمن هذه الأصوات في السباق الرئاسي، مضيفًا أن ترامب يعرف كيف يلعب دور الضحية بسهولة، ومن المؤكد أنه سيستغل ما يحدث لصالحه.

وحتى لو لم تعرقل المشاكل القانونية العودة السياسية لترامب، فيرى بيلت أنها قد تضر بالمرشحين الجمهوريين الآخرين في الانتخابات الرئاسية عام 2024.

وأوضح بيلت أن هذه المحاكمة ستخلق خلافًا داخل الحزب الجمهوري، وبذلك ستتفرق الأصوات التي سيحصل عليها مرشحو الحزب في الانتخابات، وهذا سيصب في مصلحة ترامب.

واعتبر بيلت أن الحزب الجمهوري حاليًا هو من سيدفع ثمن ما يحدث لترامب، لأن هذا سيُدخلهم في تصريحات ومواقف عديدة قد لا تكون في صالحهم، سواء دافعوا عن ترامب أو هاجموه، وسيواجه الجمهوريون وقتًا أصعب من المعتاد للفوز بأغلبية مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

وأشار إلى أن هذا ما حدث مع المرشح الوحيد المحتمل الذي تطرق إلى الموضوع وهو حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي أكد أنه لا يعرف ما قد يترتب على "دفع أموال لنجمة إباحية" لإسكاتها. وذلك قبل أن يواجه انتقادات واسعة من معسكر ترامب.

ووفقا لوكالة "فرانس برس"، فإن معظم استطلاعات الرأي، التي يجب النظر إليها بتأن، ما زالت تظهر أن ترامب يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، وسيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير.

 

حملة من الديمقراطيين ضد الجمهوريين

وقال مدير معهد السياسات الدولية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أتلانتيك، باولو فان شيراك، إن أغلب الجمهوريين، حتى من لا يتفق مع ترامب، مثل مايك بنس وليندسي غراهام، وجهوا انتقادات بالفعل للمحاكمة، واعتبروا أنها حملة من الديموقراطيين ضد الجمهوريين، خاصة أن المدعي العام في نيويورك، ألفين براج، ينتمي للحزب الديموقراطي، وهذا ما يريده ترامب لتحسين صورته.

وأوضح أن غالبية المرشحين المنافسين لترامب في الانتخابات التمهيدية من الجمهوريين تجنبوا انتقاد ترامب أو التعليق بشكل سلبي ضده بسبب أنباء المحاكمة، حتى لا يتسببوا في غضب ترامب وبذلك يخسرون قاعدته الانتخابية التي قد يحتاجون إليها أثناء الانتخابات الرئاسية.

واعتبر النائبان الجمهوريان، ليندسي غراهام ومايك بنس، السبت، أن مدعي نيويورك فعل أكثر من أي شخص آخر في الولايات المتحدة لمساعدة دونالد ترامب في انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، ووصفوا الملاحقات في نيويورك بأنها "انتقائية ومقلقة"، بحسب ما نقلت وكالتي "رويترز، وفرانس برس".

ويرى شيراك أن الكرة ستكون في ملعب الحزب الديموقراطي وعما إذا كان سيدفع بمرشح قوي آخر بخلاف الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتعزيز فرص فوزه، لكن أستاذ العلوم السياسية أوضح أنه حتى الآن لا توجد أسماء بخلاف بايدن، وهو ما سيصب أيضًا في صالح ترامب، لأن بايدن لديه العديد من المشاكل أبرزها عمره المتقدم.

واعتبر شيراك أن أنصار ترامب سيظلون يؤيدونه في الانتخابات رغم المحاكمة، ومعارضوه أيضا سيظلون في مكانهم، ولذلك فإن الرهان على هذه الأصوات التي لا تعتبر نسبتها قليلة.

وأوضح شيراك أنه إذا نجح الحزب الديموقراطي في الدفع بمرشح رئاسي قوي واستطاع أن يبلور أمام الناخبين مدى سوء التهم الموجهة لترامب بالنسبة لشخص يريد أن يكون رئيس الجمهورية، فسينجح في جمع الأصوات المتفرقة التي تنتمي للوسط والتي تمثل شريحة كبيرة من الناخبين الأمريكيين.