شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال شهر مارس الماضي سلسلة من المصالحات وإنهاء الخلافات بين بعض الدول العربية وبعضها الآخر، وبين بعض الدول العربية ودول إسلامية.

وكان آخر هذه المصالحات بين المملكة العربية السعودية وإيران اللتين أعلنتا في وقت سابق من هذا الشهر، استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من العداء الذي هدد الاستقرار والأمن في الخليج، وأسهم في تأجيج صراعات في الشرق الأوسط، من اليمن إلى سوريا.

 

السعودية وإيران ومصر وتركيا وسوريا والإمارات

وجاء الإعلان عن الاتفاق بين الجانبين، الذي تم بوساطة الصين، بعد محادثات لم يكشف عنها من قبل في بكين بين مسؤولين أمنيين كبار من البلدين.

بعدها بأيام قليلة تحدثت تقارير أن السعودية وسوريا اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما بعد عيد الفطر، وفقا لوكالة رويترز.

وقبل ذلك بعدة أشهر أعادت الإمارات علاقاتها مع سوريا، فيما يجري الحديث عن محاولات للتقريب بين دمشق وأنقرة.

وأمس السبت، وصل وزير خارجية النظام السوري، فيصل مقداد، إلى القاهرة للتباحث مع نظيره المصري أطر تقوية العلاقات بين الدولتين وفق ما ذكره بيان نشرته وزارتا الخارجية المصرية والسورية. وتعد هذه أول زيارة معلنة يجريها مسؤول تابع للنظام السوري لمصر منذ احتجاجات "الربيع العربي" في عام 2011، وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال"

يأتي هذا مع إقدام دول عربية عدة على التقارب مع دمشق مؤخرًا، ضمن تطورات سريعة "تعيد تشكيل الساحة الجيوسياسية في الشرق الأوسط".

ويأتي هذا بعد أن ذهب وزير الخارجية، سامح شكري، إلى دمشق في أواخر فبراير الماضي، وكانت تلك أول زيارة لمسؤول مصري إلى سوريا منذ أكثر من عشر سنوات، رغم أن الدولتين حافظتا على خط دبلوماسي بسيط وتعاون أمني خلالها.   

وأشار الأشخاص المطلعون للصحيفة إلى أنه من المتوقع أن يلتقي مسؤولون من كلا الجانبين للنقاش خلال عطلة نهاية الأسبوع الجارية حول ما إن كان من الممكن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وذكرت مصادر الصحيفة أن الشركات المصرية تأمل أن تحظى بعقود لإعادة الإعمار في سوريا، قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، في حال عودة العلاقات.

ولم تستجب وزارتا الخارجية المصرية والسورية لطلب "وول ستريت جورنال" التعليق.

وتعد مصر واحدة من الدول التي "تحاول إعادة إشعال علاقتها بنظام الأسد"، وفق تعبير الصحيفة، بعد أن عزلته لأكثر من عقد بسبب قمعه الشديد للمعارضين في بلاده.

وتقترب السعودية من استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بعد مفاوضات شهدت وساطة روسية، وفق ما نقلته الصحيفة، الشهر الماضي.

 

فما سر اتجاه جميع دول المنطقة إلى التصالح؟

يقول الباحث والزميل غير المقيم بمعهد ستيمسون للأبحاث عامر السبايلة إن السبب في ذلك يعود "للاستنزاف الذي تسببت به طول الأزمات وتغير الأولويات وتشكل قناعات جديدة بضرورة الانتقال لمرحلة مبنية على أسس المنفعة الاقتصادية".

ويضيف السابيلة في حديث لموقع "الحرة" أن "الجميع اليوم بدأ يفكر ببراغاماتية اقتصادية، من خلال تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيزه وخاصة بعد مرحلة كورونا، التي أجبرت الدول على التركيز أكثر على التحديات الداخلية".

ويرى السبايلة أن "مواجهة هذه التحديات لا يمكن أن ينجح في ظل وجود صراعات خارجية مفتوحة تستنزف موارد الدول".

بالتالي يشير السبايلة إلى أن "الكثير من هذه الدول دفعت فاتورة فلكية لاستمرار الصراعات، مما شكل في النهاية قناعات لديها أن الطريق الأفضل اليوم هو التركيز على الاقتصاد وتخفيف الأزمات لضمان عدم انعكاسها على الداخل".

على الجانب الآخر يرى حسن منيمنة المحرر المساهم لدى منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن "هذه المصالحات ليست جديدة".

ويقول منيمنة لموقع "الحرة" إن "خفض التوتر والاتجاه نحو اللقاءات والمصالحة جرت منذ فترة، لكن التركيز زاد عليه بعد الوساطة الصينية بين إيران والسعودية وأصبحت أكثر نضوجا ووضوحا".

ومع ذلك يشير منيمنة إلى أن "نقاط الخلاف لا تزال كثيرة" واصفا ما يجري بأنه "تقدم كمي، ولا يمكن الحديث عن تقدم نوعي باتجاه المصالحة في المنطقة".

 

العجز الأمريكي

ومن جهته، يؤكد الدكتور السفير جواد الهنداوي، الكاتب العراقي، أن مشكلة الغرب ازاء ما تشهده المنطقة من تفاهمات ومصالحات بين دولها، هو أنَّ هذه التفاهمات والمصالحات تمّت برعاية صينيّة وروسيّة، أي تمّت برعاية خصوم ومنافسي الغرب. وهي مصالحات وتفاهمات “بالجملة “، وتتناسل، إنْ صّحَ التعبير، فالمصالحة بين المملكة وإيران، أسهمت في الخروج إلى العلن جهود المصالحة بين المملكة وسوريا، والتي بدأت سّرًا منذ ما يقارب عام. كذلك أجواء تعاون وثقة تسود العلاقات الإقليمية (التركية والإيرانية) العربية.

ويؤكد الهنداوي، في مقال له في "رأي اليوم" بعنوان "هل سيتجاوب الغرب مع مرحلة التصالح والتفاهم بين دول المنطقة؟ " بأنَّ هذه التفاهمات والمصالحات ذات طابع إستراتيجي وليس تكتيكي، لأنَّ عمادها رُكنان أساسيّان في المنطقة، وهما المملكة وإيران.

ويصف الهنداوي هذه المصالحات والتفاهمات بأنها "مرحلة" تمّرُ بها دول المنطقة، وعلى دولنا وشعوبنا استغلال هذه الفرصة، وتوظيف هذه المناسبة لخدمة المصالح المشتركة، ومن أهم تلك المصالح هو أمن واستقرار المنطقة.

ويرى السفير أن الغرب يدركُ جيدًا إستراتيجية هذه التفاهمات والمصالحات، وطابع ديمومتها، وأنُّه (أي الغرب) أُخِذَ على حين غرّة، لذلك تخبّط ويتخبّط على صعيد الردود والأفعال، فأمريكا، مثلًا، رحّبت بالتواصل بين المملكة وإيران ووصفت الأمر بمشجّع ويسهم في أمن واستقرار المنطقة، وهي، في الأمس القريب، تصفُ المملكة "بالمنبوذة" وتصفُ إيران “بالإرهاب”، وأنها تقّوض أمن واستقرار المنطقة.

ويواصل الهنداوي بأن الغرب يّمرُ، اليوم، في مرحلة عجز، إزاء ما يسود منطقتنا من تفاهمات ومصالحات تقود حتمًا إلى تعاون واتفاقات على كافة الأصعدة. وما يواجهه الغرب (أمريكا، أوروبا، إسرائيل) داخليًا، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، هو أحد عوامل العجز، يُضاف له عاملان آخران وهما نجاح الصين وروسيا في مّدْ نفوذهما في المنطقة، وتفاعل إيجابي كبير من قبل دول المنطقة لهذين النفوذين (روسيا والصين)، لاسيما تجاوب من قبل حلفاء وأصدقاء أمريكا في المنطقة.

ويتساءل الكاتب العراقي هل تفكّر الإدارة الأمريكية والنخب الأمريكية بآراء وبمواقف وبشعور شعوب المنطقة وقادة دول المنطقة حين يقارنون بين نفوذ روسيا أو الصين الذي قادَ الى خفض التوتر وتفاهمات وتصالحات، وبين ما تفعله أمريكا في المنطقة، وخاصة في سوريا ولبنان، وهي تسرق علنًا ثروات سوريا، وتمارس سياسة التجويع تجاه لبنان.