كل عام أنتم بخير.. رمضان كريم.. عبارات اعتاد الفقراء سماعها عند بدايات شهر رمضان من كل عام، عندما تمتد أيادي الأغنياء إليهم بما تيسر من شنط رمضان، والتي تحتوي على أرز وسكر وزيت وفول ولوبيا وفاصوليا وشاي وملح وصلصة ومكرونة وتمر وأحيانًا لحوم.

أيادي الفقراء تمتد لتتسلم شنط رمضان من المتبرعين بها، وقلوبهم تهتز قبل أيديهم فرحًا، وعيونهم تمتلئ وتسح دمعًا، ووجوههم تشرق فرحًا وبشرًا، وألسنتهم تلهج لله سبحانه وتعالى حمدًا وشكرًا.

ربنا يجزيك خير يا ابني، ربنا يبارك فيك ويزيدك من نعيمه، ربنا يكرمك ويعوّض عليك، ربنا يبارك لك في أولادك وفلوسك.. هكذا تنطق ألسنة المعوزين من الفقراء، بعد أن حلّقت نفوسهم فرحًا، وامتلأت بيوتهم خيرًا.

 

شنط رمضان أقل عددًا ومحتوى

وعلى الرغم من تراجع عدد شنط رمضان هذا العام من جهة، وقلة ما فيها من سلع ومنتجات من جهة أخرى - كما يقول التجار، بنسبة 50% عن العام السابق نتيجة ارتفاع الأسعار بنسب تخطت 200% - إلا أنها تشكل عند الفقير منحة كأنما نزلت عليه من السماء، أو تمثل له هبة جاد بها رجل كريم معطاء.

"في بعض البيوت بجوارنا وعلى امتداد عدة شوارع من مدينتنا، انطلق أحد البيوت ليوزع نحو 100 شنطة من شنط رمضان، وفي كل بيت نطرق بابه، أو نكلم أهله نسمع مكاييل من عبارات المدح والثناء، ولن أنسى أبدًا ما قالته لي ربة بيت في اليوم التالي "إن هذه الشنطة تكفينا لنصف رمضان!"

"وعلى الرغم من بساطة وقلة محتوياتها إلا أن القناعة والرضا كانا حاضرين في هذا البيت من جهة، ومن جهة أخرى كان كلام ربة البيت مؤلمًا وموجعًا؛ فقد علمتُ منها أنه لم يكن يوجد في بيتها سوى طعام سيتناولونه على مدى ثلاثة أيام، خوفًا من ألا يجدوا طعامًا في الأيام المقبلة!" هكذا تحدث أحمد عبده وهو ينقل تجربته في توزيع شنط رمضان.

 

تراجع الإقبال على تجهيز "شنطة رمضان"

من جهته، أوضح حسين وليد، تاجر مواد غذائية، أنه نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسب تخطت 100% تراجع الإقبال على تجهيز "شنط رمضان" بشكل ملموس هذا العام، مؤكدًا أنه حتى الآن لم يطلب منه تجهيز "شنطة واحدة"، بالرغم من أنه في سنوات سابقة كان يُجهز أكثر من 1500 شنطة قبيل رمضان.

وأشار إلى أن الكثيرين ممن كانوا يتبرعون بمثل هذه السلع كل عام، وهو واحد منهم، سيضطرون لتوزيع مبالغ نقدية حتى تصل تبرعاتهم لنفس أعداد الأعوام السابقة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وقال وسيم الصعيدي، تاجر عطارة مواد غذائية، تراجعت معدلات تجهيز " شنط رمضان" هذا الموسم بنحو 90%، نتيجة ارتفاع أسعار السلع بنسب تخطت 200%، فارتفع سعر كيلو السكر من 8 إلى 20 جنيهًا والأرز من 7 إلى 25 جنيهًا، والفول من 14 إلى 30 جنيهًا، والفاصوليا من 15 إلى 50 جنيهًا، والزيت من 17 إلى 50 جنيهًا.

وأوضح أن تجهيز الشنطة العام الماضي كان يتراوح ما بين 70 إلى 120 جنيهًا، في حين أن تكلفة تجهيزها بنفس الكميات هذا الموسم يصل إلى نحو 400 جنيه!

 

ارتفاع الأسعار والتضخم

وارتفعت أسعار جميع السلع الغذائية في مصر خلال الأشهر السابقة، وجعل الغلاء الكثير من المواطنين غير قادرين على تدبير مصاريف الشهر الكريم، ولذلك تخلى الجميع عن كل عادات رمضان الحلوة.

فبعد ارتفاع الأسعار أصبح الجميع يمشى محدثًا نفسه عن الزيادة الرهيبة التي لحقت بالأسعار ولا يستطيع أي بيت مصري على تحملها، وكل ما تسأل حد اشتريت ياميش رمضان يقولك "ياميش إيه وكلام فاضي إيه.. احنا مش لاقيين ناكل".

ولجأ أغلب المواطنين إلى تقليص كميات احتياجاتهم إلى النصف، وقالت بعض ربات البيوت "أصبحنا نكتفي بالضروريات لأن الأسعار مرتفعة جدًا، وأقل طبخة تتكلف 200 جنيه"، وفقًا لصحيفة "الأهالي"

واستغنت الكثيرات عن شراء اللحوم والفراخ بكميات لتخزينها بعد أن وصل سعرها إلى 300 جنيه، والفرخة تصل إلى 200 جنيه، والسمن البلدي إلى 200 و300 جنيه للكيلو، مما جعل الكثيرات يقمن باستخدام السمن النباتي الكيلو بـ 95 جنيهًا، أما الزيت فأصبح عملة نادرة بعد أن وصل سعر الزجاجة إلى 70 و90 جنيهًا.

وارتفعت كذلك أسعار التوابل، فأوضحت الكثيرات من ربات البيوت أنهن يكتفين بالملح والفلفل في الطبخ، وأوضحن أن أغلب أصناف الخضار ارتفعت قبل أيام من رمضان حيث وصل سعر البسلة إلى 25 جنيهًا للكيلو، والفاصوليا 30 جنيهًا، والملوخية 20 جنيهًا، وحتى الطماطم التي استقر سعرها عند 6 جنيهات ارتفعت إلى 9 و10 جنيهات، والبصل قفز قفزة كبيرة ووصل إلى 20 جنيهًا للكيلو بدلًا من 6 و7 جنيهات.

 

 ضبط الأسواق

ومن جهتها أكدت د. نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع  بجامعة بورسعيد - أن الغلاء الفاحش جعل الناس تفقد البهجة بشكل عام سواء في رمضان وغير رمضان، مشيرة إلى أن الناس كلها سواء الطبقات المتوسطة أو الفقيرة أصبحوا يتحايلون من أجل تدبير نفقات يومهم، وغالبية المواطنين انخفض مستوى معيشتهم، ومن الطبيعي مع الزيادات الأخيرة في الأسعار وارتفاع أسعار السلع والخدمات أن تعجز الشرائح الدنيا والمتوسطة في المجتمع عن مواصلة الحياة، وسوف تندرج فئات كثيرة تحت مسمى الفقراء، خاصة أن الزيادة في الأجور لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار.

وأشارت – في تصريحات صحافية لصحيفة "الأهالي" إلى أن الحكومة للأسف لم تتصد لجشع التجار؛ فعند صدور قرار رفع سعر الوقود أو رفع سعر الدولار نجد أن كل أصحاب المهن والتجار والمنتجين وأصحاب المحلات.. الكل يرفع الأسعار حتى قبل إقرار الزيادات دون رقيب، والكل يرفع وفقًا لرغبته؛ فالسندوتش من الفول أو الطعمية ارتفع الى 10 جنيهات، فماذا يفعل رب الأسرة الذي لديه أطفال؟ وكيف يعيش الفقراء في ظل هذا الغلاء الفاحش؟!

وأضافت، أن أغلب المواطنين – للأسف - أصبحوا عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية كالمأكل والملبس والمأوى، وأكدت أن الحل لن يحدث إلا بإحكام الرقابة والسيطرة على الأسواق وضبطها، وإلغاء نغمة السوق الحر، وأنه لا يمكن وضع تسعيرة استرشادية.

وحذرت رضوان من أن الجشع وعدم وجود أي رقابة على الأسواق تحت دعوى حرية السوق، سيؤدى إلى الإطاحة بمستويات معيشة الفئات ذات الدخول الثابتة والمحدودة.